أيام..كلام وخُطاً.. مهند طلال الأخرس

كتاب سيرة ذاتية لخالد جميل مسمار، والكتاب من القطع المتوسط ويقع على متن 172 صفحة وهو من إصدار الكاتب نفسه سنة 2020 وبدون دار نشر.

الكتاب من النوع السلس والذي سرعان ما تلتهم صفحاته بشغف، فتنقل القاريء بين صفحاته يكون مشحونا بدافع تتيع خيوط السيرة و المسيرة لكاتب هذه الصفحات خالد جميل مسمار المولود في نابلس 1941 والمتنقل للدراسة بين نابلس وعمان والقاهرة حتى حصوله على درجة البكالوريوس ودبلومي الدراسات العليا (الماجستير) والمتحصل فيما بعد على شهادة الدكتوراه في الإعلام عام 2020.

 تلك المسيرة بين الرغبات والامنيات تخللها تعرجات وتقلبات نجحت بقطعه عن متابعة تحصيله العلمي ولو الى حين، لكنها لم تنجح ابدا في وأد هذا الحلم وان طال امد تحقيقه وهذا ما تم في 2020 ، وكان صاحبنا احد هؤلاء الرواد الذين نجحوا في تحقيق وتأكيد رؤيا شاعرنا الكبير محمود درويش حين قال:” أنا لا أنسى، أنا فقط اترك الأشياء جانبا…”

الحاج خالد -كما نحب ان نسميه- صاحب سيرة ومسيرة عطرة في تاريخ الثورة الفلسطينية، فهو احد مؤسسي إذاعة صوت الثورة( صوت العاصفة- صوت فتح- صوت الثورة الفلسطينية) التي انطلقت في القاهرة في 11/5/1968، وهو مؤسس إذاعة الثورة في صنعاء عام 1973، وهو نائب مدير الإذاعة في بيروت 1976-1982، وهو المفوض السياسي في جيش التحرير الفلسطيني في لبنان 1980-1982، ثم مسؤول الإعلام الفلسطيني في الأردن  حتى 1994، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح 1988-2009، ونائب المفوض السياسي العام في مرحلة السلطة الوطنية وعضو المجلس الأعلى للأمن القومي وناطقا باسم القوات، وعضو المجلس الاستشاري لحركة فتح، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني ورئيس لجنة السياسات فيه.

إن تعداد تلك المواقع التي تولاها الحاج خالد ليس بهدف التعريف به شخصيا بقدر ما هو بهدف التعريف بحجم المهام التي تولاها ونوعية المواقع التي تبوأها والملفات التي كلف بها وما ترتب على ذلك من كثير من الصراعات والمعارك التي خاضها بحكم موقعه ومهامه، وفي هذا ايضا تحفيز للقريب والبعيد للاطلاع على هذه السيرة والمسيرة والتي يتماها فيها العام مع الخاص، ويذوب بين سطورها سيرة كاتبها لتبرز مكانه سيرة فلسطين عبر صور ومشاهد شخصية ومقاطع زمنية للحاج خالد، تلك الصورة وعبر سيرة صاحبها تؤكد فيما تؤكد ان هذا الشعب لم يخلق لينهزم، فقد يتراجع وينتكس ويعلو صراخه وتكثر آلامه… وقد يتعثر… لكنه في النهاية حتما سينتصر.

الكتاب جاء عبر ثلاث فصول سلسلة وغنية بالمعلومات والاحداث وهي كالتالي:

الفصل الأول من ص 11-15 وجاءت تحته عناوين ثلاث: لماذا  اخترت فتح، والدولة العلمانية، وشيء من النقد.

الفصل الثاني من ص 19-94 وفيه يتحدث عن الولادة والنشأة ومرحلة الروضة وذكريات الطفولة، والإخوان المسلمين وحزب التحرير، وعن الثورة المصرية، وبداية الحس الإذاعي، وعن حلف بغداد والأحزاب وهزيمة حزيران والدراسة في مصر ومدرسة الفسطاط ثم الدراسة الجامعية وبداية الحكاية مع صوت العاصفة وعن كيفية اختيار الكادر للإذاعة وحادثة إغلاق الإذاعة والكثير من صفحات الوفاء عن أبو صخر فؤاد ياسين المعلم والمؤسس الأول لإذاعة صوت العاصفة.

ثم يتابع الحديث عن جريدة فتح وإذاعة زمزم إبان أحداث أيلول الأسود في الأردن حتى وفاة جمال عبد الناصر والخروج إلى سوريا، ثم تأسيس الإذاعة هناك في درعا وبعض القفشات والذكريات التي تستفيق لتوقظ فينا حديث الذكريات عن فدائيي الزمن الجميل.

ثم يتابع الحاج خالد مسمار سيرته الذاتية بحديثه عن رحلته لأوروبا مع زملائه في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، هذه الرحلة التي تبوح بكثير من صفات وطبائع وقيم صاحبنا الحاج خالد، تلك الصفات والطبائع المشبعة بالحس الوطني والمطوقة بحس إنساني مرهف وجميل.

ثم يتابع الحديث عن مسيرته وعمله أثناء تواجده في صنعاء وتأسيس الإذاعة هناك، وبعضا من شذرات ومواقف العز التي يعشقها الرجال والمناضلون ويتلمسونها بحق، رغم أن النبيه والقاريء الفصيح والعالم بخفايا الأمور على يقين أن الحاج كتم غيرها الكثير، حفظا وصونا للعهد من باب، وحفظا لمروءة الرجال، وسِترا لأدعياء البطولة، ودرءا للمفاسد ومنعا للفتنة أو القيل والقال من باب آخر.

ثم يواصل الحديث في هذا الفصل الزاخر والمزدحم بالأحداث عن حله وترحاله بين عواصم الشتات الفلسطيني وصولا الى درعا ومغامرته بالذهاب من دمشق لبيروت وعمله في الإذاعة هناك وتوليه مسؤولية نائب رئيس الإذاعة، حتى زواجه هناك، كل هذا دون ان يغفل صاحبنا كعادته عن ابراز تلك السمات الإنسانية التي تغلف علاقته بكل من حوله، وما حكاية ترتيب امور زواجه ومستلزمات الفرح وتجهيزاته إلا صورة ناصعة وصادقة لنوعية وطريقة العلاقات التي تطوق وتحيط بصاحبنا الحاج خالد.

ثم يصل البوح الى مستوى الصراخ من الألم والقهر، وهذا ما يظهر إثره جليا من الصفحة 72 وحتى الصفحة 74، حيث الحديث عن بيروت وحصارها حتى الخروج -وهنا يؤخذ على صاحبنا عدم التوسع في تسجيل وتوثيق معالم تلك التجربة، وان كنت أدرك أنا مثلا مقصده من ذلك حينما أشار إلى بعض من الكتاب والأدباء والأصدقاء والزملاء الذين كتبوا في هذا الباب كإشارته لرشاد أبو شاور وكتابه اه يا بيروت في آخر فقرة من الصفحة 71.

عبر الباخرة صولفرين تواصل أمواج البحر بحمل الفلسطيني من شتات الى منفى ومن حدود الوطن إلى أقاصي الأرض ومغاربها. بعد الخروج من بيروت يحط صاحبنا رحاله في تونس وهناك تبدأ سيرة جديدة بطلها منفى جديد تجلى بصورة مؤلمة وموجعة في معسكر وادي الزرقة، ثم يتابع صاحبنا سيرته حتى عودته إلى عمان ثم ذهابه لبغداد وعمله هناك في إذاعة الثورة إلى حين.

عند ظهر الصفحة 80 تبدأ حكاية جديدة من سفر الثورة الفلسطينية ومن خطوات صاحبنا الأثير الحاج خالد؛ تلك الحكاية تبدأ سطورها عند العودة إلى ارض الوطن مع طلائع القوات والرئيس الخالد أبو عمار، وحتى تلك العودة لم تخلوا من المنغصات والإشكاليات، لكن أهم ما فيها ذلك القلم الصادق بتدوينها.

بعد العودة والاستقرار في ارض الوطن يتحدث صاحبنا عن المعسكرات الصيفية ص 86 وعن دوره فيها وعن تحريض إسرائيل عليها، ثم يتحدث عن أول الصدامات مع حماس وعن أول حوار معها في مرحلة السلطة(عمان) ص 88.

ثم يختم صاحبنا هذا الفصل بالحديث عن محاولة اعتقاله إبان انتفاضة الأقصى وعن اقتحام جيش الاحتلال لبيته ص 91 ثم يختم بقرار نقله من قبل الزعيم الخالد ياسر عرفات من فلسطين الى عمان للعمل على ملاك المجلس الوطني الفلسطيني ولترؤس اللجنة السياسية فيه حتى كتابة هذه السطور.

في الفصل الثالث يتناول الحاج خالد مجموعة من مقالاته الصحفية التي تناول فيها سيرة بعض من رفاقه وزملائه الذين عمل معهم أو رافقهم عبر سني حياته الغنية ومحطات تجاربه المتعددة كرسمي أبو علي وزهير صندوقة واحمد عبد الرحمن واحمد دحبور، دون أن يغفل في الصفحة 111 وعبر عنوان شيق وملفت “مشاعل على الطريق” الإشارة والإشادة لتجربة اللواء عرابي كلوب في توثيق وتدوين سيرة القادة والكوادر والشهداء والأبطال كل ذلك بهدف تقديم الرواية الصادقة التي تحفظ السيرة والمسيرة وتكنس الادعياء والدخلاء. فأمثال صاحبنا (الحاج خالد) وصاحبه(عرابي كلوب) يتقنون ابجديات الثورة ويعلمون علم اليقين بالحقيقة التاريخية الثابتة والتي تقول: إذا أردت أن تلغی شعبا ما، تبدأ بشل ذاکرته التاریخیة،ثم تشوه لغته وثقافته وتجعله یتبنی ثقافة أخری غیر ثقافته ثم تلفق له تاریخا آخر غیر تاریخه وتعلمھ ایاه…عندئذ ینسی ھذا الشعب من ھو ومن کان وتندثر معالم حضارته،وبالتالي ینساه العالم ویصبح مثل الآمم المنقرضة…

لكن الاهم من ذلك كله ان صاحبنا(الحاج خالد) وعبر كتابه هذا اتقن مرة اخرى تأكيد وتجسيد حقيقة اخرى من الحقائق الدرويشية والتي عبر عنها محمود درويش في مجموعته الشعرية “لماذا تركت الحصان وحيدا” حين كتب وقال: “من يكتب حكايته يرثْ أرض الكلام، ويملك المعنى تماما!”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com