شلاهي عبّادان.. سعيد مقدم أبو شروق

خرجنا أنا وأبو المنذر وأبو مريم وأبو مها من المحمّرة عند السّاعة 5:40 عصرا واتجهنا نحو شلاهي عبّادان لنتعرف على جغرافيّتها ونرى نخيلها وساكنيها.
اجتزنا جسرا في عبّادان قال أبو المنذر إنّه جسر نهر السليج.
ثمّ تباحثنا حول الاسم الصحيح لهذا النهر الذي ينشعب من نهر كارون عند منعطف المنيخ في المحمّرة، وبعد أن يمرّ من عبّادان يصبّ في الخليج العربي.
قال بعض الأصدقاء إنّ اسمه الدجيل، وقال البعض الآخر إنّه السيحان؛ أمّا (بهمنشير) ويُسقط البعض النون فيسمّيه (بهمشير) وهو الاسم الفارسي الذي يتداول الآن في الإعلام وفي السجلات الحكوميّة لهذا النهر، فقد تمّ اختياره وفقا لسياسة التفريس التي استهدفت ثقافتنا منذ عقود، وهي نفس السياسة التي غيّرت اسم المحمّرة إلى (خرمشهر) وعبّادان إلى (آبادان) والفلاحيّة إلى (شادكان) وهلمّ جرّا …
ينقل الدكتور أبو المنذر عن أبيه عبدالفتّاح قائلا إنّ في عهد الشاه محمّد رضا البهلوي، كرى هذا النهر مقاول أجنبي اسمه بهمن شير زاد، وعندما رفع يافطة شركته وكان قد سمّاها على اسمه، وطال أمد الكري حتّى شاع اسمه عند الجميع، وجدتها الحكومة فرصة لتغيّر الاسم العربي لهذا النهر، ومن هناك بدأ اسم بهمنشير!
وصلنا قرية الرميلة في أقلّ من ساعة، مررنا منها دون أن ندخل فيها.
ثمّ وصلنا إلى شلهة حجّي حسين، هذه القرية تسكنها قبيلة آل بو معرف؛ وحجّي حسين هو الجدّ الثالث لقاسم معرّفي أبي مريم، ويقول أبو مريم إنّ قدمة هذه القرية 130 سنة.
عندما انتهت الحرب الإيرانيّة العراقيّة الطاحنة، ورجع أهل شلهة حجّي حسين إلى نخيلهم والتي تتجاوز 72000 نخلة، وجدوها سالمة غانمة سوى نخلة هنا وأخرى بعيدة هناك قد جرح جذعها بطلقة بندقيّة أو هاون؛ لكنّ الحكومة وبعد فترة وجيزة أبادت جميع هذه النخيل بسبب جغرافيّة القرية والتي تقع على الحدود مع العراق، وبهذه الخطوة العدوانيّة قضت على اقتصاد قرية حجّي حسين قضاء تامّا!
ثمّ دخلنا شلهة الثوامر، هذه الشلهة مملوءة بالنخيل، سواقيها منظّمة وسط النخيل وفيها أوشال من الماء! أوشال فقط!
يقول الأصدقاء إنّ هذه الشلهة تسكنها قبيلة دريس.
ثمّ دخلنا شلهة معاوية، يقول البعض إنّ معاوية اسم شخص سكن هذه القرية فسميّت على اسمه.
والحقيقة أنّ في ذاك العهد لم تكن الطائفيّة البغيضة قد أفسدت عقائد الناس كما هي الآن لتمنع العرب في عبّادان من تسمية أولادهم بأسماء أعلام الطوائف العقائد الأخرى.
قال لي أبي عندما كان يحكي لي عن الماضي أنّ رجلا عجوزا في قريتهم كان يكنّى بأبي عمر، وكانوا يصغّرون عمرا فينادونه أبا عمير.
ويقول بعض ساكني هذه القرية إنّ اسم معاوية مشتقّ من العواء حيث كان الشخصان في النخيل لعدم توفر وسائل الاتصال يستخدمون طريقة العواء لإدراك موقعهم من الآخر، فشاع هذا الأمر بين أهل القرية حتّى عرفت الشلهة باسم معاوية.
والمشكلة أنّ كلّ هذه الفوضى والتخبّط حول سبب تسمية هذه الشلهة هو عدم التوثيق الدقيق في الماضي، والذي يرجع إلى الأميّة الفاشية آنذاك.
وما أجمل شلهة معاوية!
كان من حقّها أن تسمّى شلهة النخيل؛ تكاد النخيل أن تتجاوز الطرق فتمنعك من السير فتدعوك للجلوس بينها لتمتعك بخضرتها الساحرة ورطبها المتنوّع الحلو المتشابه بنخيله وغير المتشابه بنكهته!
ثمّ دخلنا قرية (الحير) وأظنّ أنّ أصلها الحجر، هذه القرية جنّة من نخيل، وجدنا فيها شبابا فاشترينا منهم تمرا.
يقول سلمان محمود أحد ساكني هذه القرية:
لدينا 2000 نخلة، ونخشى إن استمر الوضع هكذا، أن تموت عطشا!
فالسدود التي أقامتها إيران على نهر كارون، وتركية على الأنهر العراقيّة، جعلت مياه شطّ العرب مالحة! والنخلة لا تستقيم مع المياه المالحة.
ودّعنا سلمان وأقاربه ورجعنا، وقد زرع كلام سلمان في قلبي الخوف، هل يا ترى سوف تحرق هذه السدود جنان هذه الشلاهي فتصيّرها جحيما يفر منها ساكنوها إلى بلاد العجم مثل يزد وقمّ ليشتغلوا عمّالا في المصانع هناك؟!
وصلت البيت ورحت أبحث عن معنى الشلهة، أدري أن معناها هي اليابسة، ولكن عليّ أن أبحث عنها في المعاجم العربيّة لأطمئنّ إنّها مفردة فصيحة؛ وعندما بحثت في المعاجم عن معناها لم أجدها، فراجعت معجم موسوعة اللهجة الأهوازيّة لأجد الأستاذ عبدالأمير الشويكي قد ذكرها بأنّها القطعة اليابسة الصغيرة الخارجة من قاع النهر أو البحر وتشبه الجزيرة؛ وجمعها شلهات وشلاهي.
الأهواز



