لا تغادر.. بهائي راغب شراب

إلى أبي عمار قبل أن يغادر
لا تغادر
القبيلة ..
أوتادها مغروسة في الأرض
شاهداً على همجية الليل المهلهل ،
عندما مَنَعَ الهواءَ ..
عن السنابل .
*
لا تغادر
اليوم ..
القاتل اغتصب القتيلة ،
وزع أشلاءَها بين الخيام
اشترك الجميع في دمها المُحَرَر
يدفعون ديتها ..
من الحمامْ .
ولم تُوَارى تحت الثرى
اللحْدُ يرفض أن تنغلق أبوابه المعبقة
بروائح الندم الثقيلة .
*
لا تغادر ..
القبيلة تنتظر ..
خيولها الفجرية الأولى
عند الأفق البرتقالي الموارب .
والصهيل يرتفع رويداً
يخرق صفوف الجند الهائمين على
وجوههم المجمدة الدميمة ،
يوقظ من أخلدوا للراحة الأبدية
استسلموا لبشائر الطوفان .
عندما اصطادت الغربان ..
ظبية الوادي المقدس ،
والنُسَّاك في صوامعهم
يدعون يا الله احْمِ المدينة
من رذيلة الإنسان .
*
لا تغادر
تفتحت الصدور ..
عن الرؤيا القديمة .
وعن شهقة الحب الشريف
عندما انطلقت
أحيت
من لبس قناع الموت
قبل أن يأتي المَلَكُ المبجل
يُبَلِغ القرية اليتيمة ..
أَزِفَ الوداع ..
ووجب الرحيل .
سهام البرق شعَّت ..
من عيون حراس القبيلة ،
تألقت الدروع ،
وانزاحت غمامة الحلم الصغيرة .
أشرقت الأيادي
واشرأبت الأعناق ..
تدير رؤوسها ،
ترسم تفاصيل الوجوه الجديدة ،
تطلق السهام من قوس كنانتها ،
تنقش في السماء
دروب عودتها المجيدة .
*
لا تغادر ..
القبيلة ما تزال تسأل شيخها
أن يقوم ..
فقم ..
يا شيخ القبيلة
أشعل سراج الليل
أوقد النار
القادمين تحلقوا حولك
ينسجون أساطير البطولة .
يهزجون بالنشيد الجماعي
يدقون الطبول .
والقهوة العربية تدور عليهم
واحداً واحداً
يتذوقون الطعم الخرافي
لدم القتيلة .
*
لا تغادر
القبيلة باقية
وكثبان التلال
ومدى الطريق اللامعة .
لا تغادر
القبيلة تنتظر أن تعلن اليوم
دولة الواحة الخضراء
بين صحراء اليمامة
والفرات .
لا تغادر ..
تعج القبيلة بالفحول
إليك وجَّهت الخيول .
رفعت قوائمها ..
كسرت القيود ..
أيها الشيخ المبجل
أيها الخيمة الظليلة ..
أَلْقِ عمامتك العتيقة
واطرد روحك الشريرة من تحت الرداء .
لا تغادر ..
الجبال لم تفصح عن حروفها
ولم تفش السهول عن الحقيقة .
لا تغادر
قبل الوصول إلى
الحقيقة ..
المريبة .
*
لا تغادر ..
لا تعترف القبيلة بالأطفال
ولا بالكهول .
لا تؤرقها السنون .
لا تعترف بالأصنام والكهان ،
ولا بالسلام الذي يُهْدى بلا
حرب .. مُهين .
السلام لا يكون إلا
عندما يفنى الجراد ..
وتنقشع الغيوم عن اليقين .



