“أميرة” : قصور في الغدد التناسلية و قصور في البناء الدرامي.. د. غادة الراعي

أثار فيلم أميرة مؤخرًا جدلًا واسعًا، حيث استنكر كل الأحرار والمدافعين عن حقوق الأسرى محليًا ودوليًا الطريقة التي عالج بها الفيلم موضوع “النطف المهربة” واعتبروه إهانة للأسرى، ومعهم كل الحق في ذلك.
إن السينما هي فن هادف يسعى لتسليط الضوء على القضايا التي تهم المجتمعات بطريقه ممتعه و مشوقه. فالدراما لا تتوقف عند حد الترفيه والتسلية بل تحمل رسائل ذات مغزى، وتساهم في التأثير على الرأي العام والوعي المجتمعي. وبعد ان شاهدت فيلم أميره سأقوم في، هذا المقال، بمراجعه السيناريو، بحكم تخصصي في مجال النقد السينمائي، ثم سأعقب على التبريرات التي قدمها المخرج محمد دياب في دفاعه عن الفيلم.
كما نعلم تدور أحداث فيلم أميرة في فلسطين وهو يحكي قصة فتاة تدعى أميرة وُلدت لأب أسير في سجون الاحتلال عن طريق النطف المهربة. ويقرر الأسير (نوار) إنجاب طفل آخر ولكن الفحوصات تكشف انه عقيم، ليتضح فيما بعد أن حارس السجن الإسرائيلي هو صاحب النطفة التي ولدت منها أميرة.
بالنسبة للسيناريو، أرى أن البناء الدرامي يفتقر لعنصر الإقناع في مواضع عده، سأستعرضها فيما يلي:
أن الديناميكية السردية التي ترتكز عليها قصة الفيلم هي ” الدعوة لخوض تجربة أو مغامرة” وفي هذه البنية عادةً تبدأ الأحداث عندما يتم الاقتراح على البطل بأن يخوض تجربة ما، ثم يرفض البطل أو يتردد، وبعد ذلك يقبل خوض التجربة. في الفيلم، الأسير (نوار) يعرض على زوجته (ورده) إن ينجبا طفل آخر، فتتحمس ابنتهما (اميره) للفكرة و تقول “إذا أنت حابب تمام” ولكن الام تتردد وتقول “عندنا أميرة الله يخليها”. و عندها يؤكد نوار لزوجته أن القرار بيدها وحدها. تنزعج أميره من موقف والدتها و ينتهي الأمر بأن توافق ورده على خوض تجربة الإنجاب من نطفه مهربه للمرة الثانية. حسب منظري علم كتابه السيناريو يجب أن يكون السبب الذي يجعل البطل يغير رأيه قويا بحيث يتعاطف الجمهور معه ويتفهم ضرورة حدوث هذا التحول. لم أجد سببا مقنعا لتغير موقف وردة حتى أن زوجها سألها “شو غير رأيك” وقال لها أكثر من مرة ” القرار لك.” ولم نلحظ أي ضغوط عليها من أم الزوج ولا من إخوته.
اميره هي من اصرت على تحقيق رغبة والدها و اتهمت امها بالانانيه ” انتي بتفكري بحالك” هل هذا سبب قوي يدفع الام للموافقه؟ هل الفتاه لها تأثير طاغي على الام في حين ان الاب اعطى الام حريه الاختيار. لقد قدم الفيلم علاقه غير متوازنه بين الام وابنتها. طوال الفيلم، كانت اميره تتكلم قبل امها وكانت هي من تسيطر و تقرر في اغلب المشاهد ، ثم اين المرجعية التي يستند عليها اتهام الام بالانانيه؟ فهي زوجه اسير و تحملت مسؤوليه تربيه طفله بمفردها، هل كل هذه التضحيات تعتبر لاشئ في نظر اميرة ! اضف الى ذلك ان الام شخصية متعلمه و تعمل في مدرسه فمن غير المنطفي ان تكون سلبيه، لقد كانت في موقع (المفعول به) دائما. ولم يعرض لنا الفيلم أي مشاهد عن ماضي اميره و طفولتها حتى نتفهم طبيعه علاقتها بأمها و طبيعة علاقتها بمن حولها. وهذا من جوانب الضعف في بناء شخصيات الفيلم.
بعد موافقه الام يقوم نوار بتهريب النطفه، لفت انتباهي ان عمليه تهريب النطفه من السجن ووصولها الى المستشفى تمت بسهوله. المفروض ان عمليه التهريب هي عقبه تواجه البطل فلا بد ان تظهر في الفيلم كنقطة محورية وفي جو من الاثاره حتى تكون مقنعه اكثر وتثير مشاعر و انتباه الجمهور و تجعله يتعاطف مع الاسرى يتفهم حساسية و صعوبة عملية تهريب النطف مهما خفف الاحتلال اجراءات المراقبه.
بعد فحص النطفه المهربه نعرف ان نوار لديه قصور في الغدد التناسليه ولايمكن ان ينجب، وهنا تبدأ رحله بحث لمده تزيد عن عشرين دقيقه للاجابه عن السؤال ” من صاحب النطفه؟” طبعا يتم حبس ورده واتهامها بالخيانه و لم نسمع أي صوت يبدي تعاطف مع ورده او يحاول ان يخفف عنها او يساندها بأي شكل! ولم يكن لها أي صديقات! لماذا لا يوجد في السيناريو نوع من التوازن في مواقف الشخصيات؟ لقد قدم صوره نمطيه واحده للمجتمع الذكوري الشرقي المتعصب.
عندما تتصاعد احداث الفيلم مع انتشار خبر تبديل النطفه يأخد الصراع منعطفا جديدا يرتكز على فكرة أن حياة اميره في خطر طالما بقيت في الاراضي الفلسطينيه او بلغه الدراما (صراع امرأه في مواجة مجتمع لا يرحم). تحث ورده ابنتها على السفر فورا حتى لا يقتلها الفلسطينيون و نوار يقول لها “سافري”، “انتي مش منا” ، و”ممكن يعتبروكي جاسوسه” ، السؤال هنا ما هي المرجعيه الذي اعتمد عليها هذا التطور في الصراع الدرامي؟ لم يتم التمهيد في بدايه الفيلم ووسطه لهذا الانطباع السلبي عن المجتمع الفلسطيني حتى يستشعر المشاهد طبيعه الخطر ويتعاطف مع ورده واميره.
ظهر في الفيلم رسم نجمه داوود على باب استديو التصوير الخاص باميره ، لم نعرف من فعل ذلك و لكننا نفهم من كلام ورده مع ابنتها ان أي شخص له علاقه باسرائيل هو هدف مستباح للفلسطينيين. لماذا اختار كاتبوا السيناريو (محمد دياب واخوته) تصدير صوره سلبيه توحي ان المجتمع الفلسطيني همجي واعمى ومجرد من الاعتبارات الانسانيه والاخلاقيه في التعامل مع “الاخر”؟
على أي حال ان غياب التمهيد لهذه الصورة المجتمعيه السلبيه في بناء السيناريو، يجعل قرار اميره بتنفيذ عمليه داخل اسرئيل والموت رد فعل تراجيدي مبالغ فية خاصة وان هذه النهايه تتنافى مع طبيعة شخصية اميره التي شاهدناها طوال الفيلم تجادل و تعبر عن اراءها بصراحة و تواجه الازمات والمواقف بشجاعه، اضف الى ذلك ان اميرة في الفيلم شخصية حالمه فهي تعيش قصة حب مع زياد و تحب التصوير بما يستلزمه من خيال خصب وابداع وادراك لقيمه الحياة.
وكان من اكثر المشاهد سذاجه في الفيلم مشهد عبور اميره للسياج الشائك من اجل الوصول الى الجندي الذي بدل النطفه و قد ساعدها في ذلك زياد . استوقفني ان زياد اعطى اميره لحظه عبورها للسياج مسدس و سألها: ” بتعرفي تطخي” فردت عليه: “جربت مرة،، مرتين.” فيقول: “ممتاز” هل من المعقول ان يوافق حبيبها زياد وعمها على ارسالها لقتل جندي اسرائيلي دون ان يدربوها على استخدام السلاح و يتأكدوا من استعدادها النفسي والجسدي لهذه المهمه!
لقد قدم الفيلم نماذج مشوهه من الرجوله في فلسطين: نوار عقيم وهذا يرمز الى العجز و انعدام الافق ثم ان قرارة بالانفصال عن وردة لتسافر مع ابنتها خارج فلسطين يناقض ما قاله لها في بدايه الازمه “مستعد احارب الدنيا على شانك” ويتناقض مع ما أرساه السيناريو في البداية من حب وتقدير لتضحيات الزوجة، ام ان وردة اصبحت بالنسبه لة وصمة عار بعد ان نبتت في احشائها نطفه اسرائليه، فتركها؟
اخوة نوار (سعيد وباسل) يتركون اميره تواجه مصيرا قاسيا دون بذل جهد في مساعدتها على التعايش مع واقعها الجديد، حتى زياد يخذل اميره حيث انه كان قد اخبرها بأنه سيلحق بها ويرافقها في تنفيذ عمليه القتل داخل اسرائيل ولكنه لا يفعل. الاستاذ هاني الذي كان يعطف عليها في المدرسه شخص غير سوي (شاذ جنسيا) فأي مستقبل ينتظر مجتمع بهذه التركيبة؟
سأنتفل للحديث عن خصوصيه المكان، احداث الفيلم بشكل عام تدور بين سجن مجدو و الاراضي الفلسطينيه المحتله ولكننا لا نرى في الفيلم انعكاسات الاحتلال على مفاصل الحياه اليوميه حيث ركزت القصة على موضوع تهريب النطفه و ما تبعه من ازمه عائليه. يبدو ان الاخوة دياب ارادوا ان يكون الفيلم دراما اجتماعيه تعالج قضية نسب ولا علاقة له بالتعقيدات السياسيه و القيود التي يفرضها الاحتلال. اقول لهم: في فلسطين لايمكن فصل القضايا الاجتماعيه عن الواقع المرير الذي يفرضه الاحتلال وكان الاجدر بهم ان يوظفوا القيود التي يفرضها الاحتلال على الفلسطينيين في تعميق الخط الدرامي لقصة الفيلم بحيث يتفهم الجمهور خوف ورده و عدم شعور باسل بالرضا و غير ذلك من ضغوط تعيشها الشخصيات لان الاحتلال يحاصرهم.
و من الغريب ان المشاهد التي تتعلق بحياة الاسرى داخل السجن كانت تحمل انطباع ايجابي عن علاقه الاسير بالسجان حيث خلت من مظاهر المعاناه والاضطهاد الذي يتعرض لها الاسرى باستمرار، شاهدنا الاسرى وهم يلعبون كره القدم وشاهدناهم وهم يعملون في ورشه، وشاهدنا نوار وهو يجري العديد من المكالمات الهاتفيه مع اسرته دون ان يكتشف امره. ماذا عن حملات التفتيش اليوميه للزنازين؟ ، ماذا عن الاهانه والقمع؟، ماذا عن العزل الانفرادي؟ كان من باب اولى وحتى يكون الصراع مقنعا ان يتم ابراز بعض مظاهر البيئه التي يعيش فيها الاسير تحت سطوة الاحتلال وهذا لن يخرج الفيلم عن كونه دراما اجتماعيه بل سيجعلنا اكثر تعاطفا مع نوار وامثاله.
أنتقل للتعقيب على بعض التبريرات التي قدمها محمد دياب في دفاعه عن فيلمه. قال دياب في مداخلة مع قناة العربيه ان هذا العمل متخيل و بعيد عن الحقيقه، و في هذا الصدد اود ان اوضح بانه معروف عن السينما انها فن نستطيع من خلاله ان نروي قصص مصوره و عندما نشاهد فيلما مثل “اميرة” ، تبدأ عقولنا بتحويل القصة الى معنى ثم نستخلص رساله او عبره من هذا الفبلم. ان السيناريست والمخرج مسؤولان عن تأطير القضيه التي يطرحها الفيلم بما يساهم في توجيه تفكير المشاهدين و تحريك مشاعرهم سلبا او ايجابا، و حتى لو كان الفيلم روائيا من خيال الكاتب فإن هذا لا يقلل من اهمية المحتوى و اثره في خلق انطباع ايجابي او سلبي عن الموضوع من خلال طريقة المعالجه الدراميه.
لقد ظهرت في اخر القيلم عباره تؤكد ثبوت نسب اطفال النطف لكن هذه العباره مكثت على الشاشه ثوان معدودة مقارنه بالصور التي انطبعت في عقول المشاهدين بعد ان جلسوا امام الشاشه لمده تزيد عن ساعة ونصف يتأملون صوره الام المتهمه بالخيانه ويتسالون عن صاحب النطفه.
ايضا مما قاله محمد دياب ان الفيلم يطرح اسئلة عن الوجوديه : هل الاتسان يأخد افكاره من المجتمع ام اختيارات شخصيه؟ وهنا انا اسأله لماذا جعلت نهايه الفيلم مغلقه و سوداويه ؟ لماذا لم تجعل النهايه مفتوحه او تساؤوليه حتى تترك للجمهور مجال للتفكير؟ لماذا لم يسعفك خيالك في تجسيد عنف و ظلم السجان بدلا من تصوير الاسير على انه عقيم و مغفل وينتمي الى مجتمع متعصب بشكل أعمى.
لقد خذلتنا شعوب عربيه يوم طبّعت علاقاتها مع إسرائيل بلا ثمن، فأرجوا ان لا تخذلنا السينما والسينمائيين العرب.
د. غادة الراعي – ناقدة سينمائية