الروائيّ محمد نصار بريقٌ لا يخفتْ.. بقلم/ الأستاذ محمد معين الكفارنة

الكاتب والروائي محمد نصار يطرق أبواب النجوم بحصوله على جائزة فلسطين التقديريّة عن مجمل الأعمال الأدبية .
إنَّ الرواية الفائزة (دروب العتمة) ليستْ هي الأولى في سلسلة الرواياتِ التي أبدعَ فيها أديبنا محمد نصار ، فهو متعددُ المواهب ، و ثاقبُ الذهن ، ذو بصيرةٍ نفاذةٍ ، متنوعُ الحقول الفكريّة والأدبيّة ، ودوحةُ فكرٍ لن تنتهي ،إنّه رجلٌ يعيشُ بعلمه بين الناس ، أحسنَ سريرته فأحسنَ اللهُ علانيته ، له تزكياتٌ وشهاداتٌ ليستْ من تلاميذه فحسب بل من كلّ من يتعاملون معه ، فيشهد له كل من جالسه ، إن يصيبوا يحمدْهم ، وإنْ يخطئوا يعلّمْهم، وإنْ يجهلوا لم يعنّفْهم ، ليمتثل أمامنا علمًا و خلقًا وحلمًا وروحًا نقيةً تواقةً للكمال .
اطّلعتُ على بعض أعماله الأدبية فرأيتُ منه كيف يعودُ بنا إلى عشرات السنين في التاريخ الفلسطينيّ ومجدنا التليد ، فقد أبدعَ في ثلاثيةٍ ابتدأها برواية ( سيرة المبروكة) ، وثانيها رواية ( سوق الدير) ،وثالثها رواية ( ليل المخيم ) ثم كانت رواية ( عبدو هيبا ) التي تعرّض فيها لتاريخ القدس ، فرأيت منه كيف يستنشق نسيم الكلمة الصادقة الراقية المكتوبة بفنية عالية ، وإنّه لشيْءٌ عُجابٌ من علاقته الحميمةِ بالأدب والقصة والرواية ، فله القدْحُ المُعلّى في التأليفِ والإبداعِ فيها ، ترى في كتاباته أسلوبًا دقيقًا مشوّقًا ، فيه ائتلافٌ ونسقٌ وانسجامٌ ، ليصل بنا إلى قصصٍ مسبوكةٍ سبكًا فريدًا يأخذُ بمجامعِ القلوب ، يعزفُ فيها الحروفُ على أوتار الجمال والأمل ، فيكونَ لصوته لحنٌ جميلٌ يسمعُه كلُّ من يرهف السمع ، كيف لا ؟! وفي رواياته وقصصه رسائلُ نبيلةٌ ، وطرقٌ سرديةٌ تفاجئك في صفحاتها ، ولغةٌ عاليةٌ وطافحةٌ بالمفردات، تتوافد فيها الجملُ كأسرابِ الحمام على قِبابِ الأحداث ، ولغةٌ بيانيةٌ مركزةٌ تمنحك متعةً ودغدغةً ، وتجعلك تعيش مع روائيّ يكسرُ الرتابة السردية ، ويبثُّ في روحكَ الفضول ، ويشدُّك نحو اللّهاثِ وراء حبكاتِ قصصه.
ليس إبداع هذا الأديب بغريبٍ على فلسطينَ التي تحتضن أدباءَ كُثر ممن يحملون همَّ الحرية والكرامة ، ويرسمون الطريقَ عبر أقلامهم التي مثَّلتْ صوت روحهم لتخترقَ كلَّ الأسوار، وتهدمَ كلَّ الصروح ، بعد أنْ خفتتْ أصواتُ الكثير منا وكُممتْ ، وعطشتِ الساحةُ الفلسطينيّةُ لأعمال الإبداع والأصالة ، التي تخلعُ القناع عن زيف الاحتلال ووحشيّتِه ، وترسّخُ القيمَ الإنسانيّة والوطنيّة ، وتشكّلُ إضافة للمكنوز الثقافيّ والمعرفيّ والوطنيّ ، وتعبّرُ عن صورة فلسطين الثقافية والإبداعية على الساحتين العربيّة والدُّوليّة.
لمحة أخيرة …
كلُّنا فخرٌ بهذا الإبداعِ اللامحدودِ من الأديب محمد نصار ابن المبروكة – بيت حانون- التي تتبخر بإبداع أهلها الكلماتُ صامتةً ؛ فهي التي لا تتسع لفضاءاتها بلاغة ، ولا ينهض للتعبير عنها كثير من مفرداتنا القاصرة ، وإنَّ كلَّ أهلها يثمنون هذا المنجز الأدبيّ ، ويصنعون لأديبنا اللامع بالعطاء مِنْ أشعة الشّمس طوقًا يضعونه على عنقه ؛ لتبقى هذه الأعمال الأدبية مكتوبة فوق الضباب ، وترقى إلى متن السحاب.



