اللواء محمود الناطور “ابو الطيب”: رسالة مفتوحة إلى وزير الثقافة الفلسطيني

لقد قدر لنا أن نعيش مرحلة المد الثوري الفلسطيني ، منذ سنوات النكبة الأولى، والتي عرفنا من خلالها النهضة الفلسطينية في كافة المجالات العسكرية والسياسية والتنظيمية والإعلامية والثقافية، وكل المجالات التي كانت بمثابة تعبير عن النهوض الشعبي والثوري الفلسطيني ، في مواجهة المشروع الاستعماري، بالرغم من نقص الإمكانيات، والتي تم الاستعاضة عنها بتلك الروح الثورية من أبناء شعبنا، روح التضحية والعطاء والفداء.

 في هذه الأيام التي يسعى الجميع فيها وراء المناصب والكراسي نتذكر هذا الجيل من عمالقة الثورة الفلسطينية ، جيل المؤسسين ، الذين ضحوا بأغلى ما يملكون من اجل فلسطين، ولعل الكثير من أبناء شعبنا اليوم ، لا يذكرون القائد المؤسس عبد الفتاح عيسى الحمود أول شهيد في اللجنة المركزية لحركة فتح ، والذي تخرج من كلية الهندسة جامعة القاهرة عام 1957، وتوجه للعمل مع شركة الزيت العربية الأمريكية (ارامكو) في الظهران، وبعدها انتقل للعمل مع شركة شل (قطر) نائبا لرئيس قسم العمليات البحرية حيث أرسلته الشركة في دورة تدريبية عام 1966م إلى هولندا. وبعد انتخابه في اللجنة المركزية الاولى لحركة فتح أوكلت إليه مهمة “أمين سر إقليم الأردن”، استقال على اثرها من شركة شل ، وعاد إلى بيت والده في مدينة الزرقاء، حيث استقر هو وزوجته وأولاده الخمسة في غرفة واحدة ، وفي رسالة أخرى لأحد الأخوة قال: “إنها حياة جديدة هذه التي بدأتها الآن، إنني بدأت العام الماضي الأسود الذي أغرقني الريالات الزائفة”. لقد كان شعاره طلقة على الحدود خير من ألف كلمة تقال” وكان على قناعة تامة بالثورة الشعبية وحرب الشعب، هذا هو الجيل الذي علمنا التضحية والفداء من اجل فلسطين. هذا هو التطبيق الحقيقي لشعار “خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن”.

وانطلاقا من إيماننا أن المعرفة حق ، فإننا قد شاركنا ومن خلال مركز الناطور للدراسات في مشروع استراتيجي يهدف إلى إعادة الوعي إلى الذاكرة الفلسطينية وإنعاش ذاكرة الأجيال الصاعدة بالتاريخ الثوري ونضالات الآباء والأجداد ونفض الغبار عن تاريخ الثورة الفلسطينية ، تأسيسها ، معاركها ، تحالفاتها ، المؤامرات التي واجهتها ، قادتها، شهداءها ، والتي تتعرض لمحاولة طمس واخفاء لمرحلة هامة من المراحل المضيئة في تاريخ شعبنا.

 

وحاولنا من خلال مركز الناطور للدراسات منبرا فتحاويا هاما للتصدي لتلك المؤامرة والرد على تلك الأصوات المعارضة بالتعاون مع الكثير من الكتاب والإعلاميين والسياسيين. وقمنا بإصدار العديد من الكتب والدراسات لإظهار الصورة الحقيقية والنضالية لحركة فتح في أوساط الشعب الفلسطيني، وبإمكانكم الاطلاع على إحصاءات مشاهدات المركز الناطور للدراسات والتي تتجاوز 100000 متابع، ما يؤكد أهمية هذا المركز لدى العديد من المتابعين لمضمونه السياسي المعمق بعيدا عن الدعاية الإعلامية والمواد الصفراء.

وسعينا جاهدين للتصدي لتلك للهجمة الشرسة التي تتعرض لها حركة فتح، والتي تركزت على الأجيال الصاعدة ، في محاولة لتجهيلها وخلق حالة من اليأس في نفوسهم وصولا إلى إنهاء التصاقهم واعتزازهم بقضيتهم الوطنية ، وقطع صلتهم بالآباء والأجداد ، سواء من خلال طمس تلك الهوية الوطنية أو من خلال تشويه تلك الصورة النضالية التي من المفترض ان تكون بوصلتهم باتجاه استكمال المسيرة والمشوار باتجاه النصر والحرية والاستقلال. وللأسف الشديد استغلت تلك القوى الكثير من وسائل الإعلام وبعض الأقلام المأجورة، والذين يدعون علاقاتهم التاريخية بحركة فتح ، مستغلين الفراغ والتقصير الإعلامي الفتحاوي الذي سمح لهؤلاء باستغلال تلك الثغرات للنفاذ إلى عقول أبناءنا، ولعل اخر نتائجها نتائج جامعة بيرزيت التي فشلت فيها حركة فتح بصورة غير مسبوقة.

وعلى اثر مقابلتنا الأولى معكم أثناء عرض كتاب الأخت حنان عواد في رام الله ، توسمت فيكم خيرا وحرصا وطنيا على حماية الموروث الثقافي الفلسطيني، وتأكد هذا الشعور عندما عرضتم أن تقوم وزارة الثقافة بطباعة هذه الكتب والمؤلفات على نفقة وزارة الثقافة وهو الأمر الذي اعتبرنا أن من شأنه أن يضمن وصولها الى اكبر عدد من القراء تحقيقا للهدف الذي نسعى اليه جميعا.

ووضعنا بين أيديكم في وزارة الثقافة الفلسطينية الكتب التي قمنا بإصدارها ، والتي اعتبر الكثير من المؤرخين والكتاب والسياسيين أنها تؤرخ لمرحلة تاريخية هامة من حياة شعبنا وثورتنا الفلسطينية المعاصرة، حتى تتمكن الأجيال القادمة من الاستفادة من هذا الجهد الذي نرجو ان يكون عونا وداعما في إعادة بناء الذاكرة الفلسطينية . باعتبار ان وزارة الثقافة الفلسطينية هي إحدى مراكز الدفاع عن الإرث الثوري والنضالي للشعب الفلسطيني.

وقمنا بتزويد وزارة الثقافة بأرشيف وثائقي خاص بالقضية الفلسطينية منذ العام 1921م قامت مؤسسة المانية بتجميعه على أفلام ميكروفيلم بتكلفة تجاوزت 3.5 مليون مارك الماني وقمنا مع العديد من الإخوة ببذل جهود كبيرة من اجل تحويل هذا الأرشيف إلى اسطوانات (CD) .. ونجحنا بالتنسيق مع مؤسسة الأهرام المصرية بعملية التحويل المطلوبة حتى أصبح هذا الأرشيف متوفر على هيئة اسطوانات (CD) بتكلفة بلغت 144 الف دولار (مائة وأربعة وأربعون ألف دولار). وقدمنا هذا الأرشيف الهام إلى وزارة الثقافة بدون أي مقابل ، والذي يعتبر بمثابة ثروة وثائقية تخدم شعبنا وقضيته العادلة في جميع المجالات سواء الإعلامية أو السياسية أو القانونية إضافة إلى أهميته القصوى لمراكز الأبحاث والجامعات ومؤسسات البحث العلمي في بلادنا.

وقدمنا للوزارة العديد من الكتب التي تستعرض تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة ، والصادرة عن مركز الناطور للدراسات والأبحاث، واقترحنا إعادة طباعة هذه الكتب بمعرفة وزارة الثقافة الفلسطينية، بما يخدم مشروع النهضة الثقافية الفلسطينية. ولكن وللأسف اصطدمنا بتعقيدات بيروقراطية ، واهمال متعمد من وزارة الثقافة ، وعلى الرغم من مرور أكثر من عامين على اتفاقنا مع وزارة الثقافة على إعادة طباعة الكتب ، الا أن ذلك لم يحدث حتى تاريخه ، وهو ما جعلنا نطرح تساؤولات عن الهدف من وراء هذا التأخير، والتذرع بحجج واهية وغير مقبولة، ولم نجد سوى إجابة واحدة ، تجعلنا نتعرف على أسباب تراجع الحالة الثقافية الفلسطينية، بالرغم من الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها المؤسسة الرسمية الفلسطينية والتي من المفترض أن تخلق حالة إبداعية هائلة ومؤثرة في مجريات الصراع.

ولكن يبدو أن هذا “التفاؤل” سرعان ما تحول إلى “الإحباط” ، بسبب التعقيدات الإدارية التي لا نعلم ما هو هدفها ..! والتي جعلتنا نتوقف ونتساءل ما الذي يحدث ..؟، هل انتم بالفعل تريدون طباعة الكتب أم لا؟ هل أنتم معنيين بالحفاظ على تاريخ الثورة الفلسطينية ؟ هل انتم بالفعل تريدون صناعة أجيال فلسطينية مناضلة تواصل مسيرة الثورة والحرية والاستقلال..؟.

واكتشفنا أننا بمفردنا في هذه المعركة، حتى أن كافة مؤسسات وقيادات حركة فتح لم تفكر على الإطلاق في شراء أو طباعة أية كتب قمنا بإصدارها ، وللعلم فان الجامعة الإسلامية في غزة قامت بشراء جميع الكتب التي أصدرناها ووضعتها في مكتبها ، وبإمكانكم الاطلاع على مكتبة الجامعة الإسلامية على موقعها الالكتروني لمعرفة مدى اهتمامهم بهذا التاريخ، فاختلافهم معنا لم يمنعهم من الحفاظ على هذا الإرث النضالي الذي يتمسكون به أكثر من مؤسساتنا وجامعاتنا الفتحاوية.

وللمفارقة أيضا فإن جامعة تل ابيب قامت بشراء عدة نسخ من تلك الكتب، وبإمكانكم الاطلاع على المكتب الوطنية الإسرائيلية لتجدوا أنهم يقوموا بعرض تلك الكتب على موقعهم الالكتروني، والحكومة الفلسطينية الفتحاوية ومؤسسات حركة فتح الإعلامية والثقافية لم تحرك ساكنا !.

هل وصلت حالتنا المتردية إلى مرحلة أن عدونا يبحث عن تاريخنا ويضعه أمام طلابه ونبقى نحن نتفرج ولا نسعى حتى لا نعاش ذاكرة أجيالنا القادمة.

 لقد شاهدت مصادفة مقابلتكم على شاشة قناة فلسطين تباركون فيها قرار السيد الرئيس محمود عباس طباعة الكتب الفلسطينية الصادرة قبل النكبة ، في إطار اهتمامات سيادة الرئيس الفلسطيني بإحياء ذاكرة أبناء شعبنا والاطلاع على مجريات أحداث تلك الحقبة من التاريخ التي لا زالوا يعانوا من آثارها وويلاتها حتى اليوم. وكان من مدعاة استغرابي هو موقفكم الغير معني على الإطلاق بدعم أية مبادرات ثقافية في اطار معركة الوعي التي ينشط الاحتلال في إطار محاولاته لـ”كي الوعي الفلسطيني”، اعتمادا على غياب المؤسسات الفلسطينية الرسمية التي من المفترض ان تتصدى لهذه المعركة ، والتي لا تقل ضراوة عن المعارك السياسية والعسكرية التي يخوضها الشعب الفلسطيني، منذ بداية الصراع وحتى اليوم والغد.

 أليس من الأولى ياوزير الثقافة أن تقوموا بدعم جهودنا التي اطلعتم عليها في هذه المعركة، معركة الوعي ..؟، اليس من الاولى يا وزير الثقافة ان تقوموا بالوفاء بالتزاماتكم تجاه أبناء شعبنا للإفراج عن هذه الحقبة من التاريخ الفلسطيني المشرف التي لا يعلمها الكثير من أبناء شعبنا ، وخاصة فئة الشباب..؟. وكم كان إحباطنا كبيرا عندما تابعنا ذلك البرنامج على قناة جامعة القدس المفتوحة والذي عرضوا من خلاله اين وصلت حالة الثقافة الوطنية والنضالية لأبناء شعبنا ، عندما طلبوا من الطلبة التعرف على صورة الشهيد القائد المؤسس خليل الوزير “ابو جهاد” وللأسف فان الغالبية العظمى من الطلبة لم يتعرفوا عليه ، هل هذا الامر عادي بالنسبة لكم ؟ هل هذا الأمر لا يمثل كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ؟؟.

 يا وزير الثقافة الفلسطيني ، هل تعلم أين وصلت الحالة الثقافية الفلسطينية في عهدكم ، ان كنت لا تدري بإمكانكم التوجه إلى مكتبة بلدية نابلس، والتي يمتد تاريخ تأسيس لمرحلة العهد العثماني، والتي كان قد أطلعني مدير المكتبة على الجهد الكبير الذي يقومون به،  للحفاظ على الإرث الوطني الذي تمثله هذه المكتبة، واخبرني انه طلب دعم المكتبة من التنظيمات الفلسطينية، وإمدادها بالكتب الجديدة للاستمرار بدورها الثقافي،  وللأسف الشديد قام الكثير من التنظيمات بالتجاوب وإرساله مئات الكتب، باستثناء حركة فتح التي لم تقم بأي مبادرة لدعم هذه المكتبة ، وهو ما عبر بالفعل عن تقصير الحركة وأزمتها الثقافية التي تعيشها. وبادرنا بصورة شخصية بإرسال عشرات النسخ من الكتب الصادرة عن المركز لتكون تحت اطلاع أبناء شعبنا.

لقد اعتبرنا أنفسنا دائما وابدا جزء من هذه الحركة الفتحاوية العملاقة ، ولم نتأخر او نتردد في الخوض في غمار أية معركة عسكرية أو سياسية دفاعا عنها ، وعلى سبيل المثال أثناء أزمة رواتب اسر الشهداء والاسرى بادرنا بإعداد تقرير موثق يظهر مدى اعتزاز إسرائيل بعملاءها وتكريم نتنياهو لعدد من ضباط الموساد الذين قاموا بتنفيذ عمليات إرهابية في الدول العربية منذ سنوات طويلة ، وهو ما اعتبرناه بمثابة دحض للرواية الإسرائيلية التي تحرض ضد الأسرى والشهداء الفلسطينيين. وسلمنا هذا التقرير للعديد من قادة الحركة والسلطة وللأسف الشديد لم يستغلوه ولم يستفيدوا منه ، معتمدين فقط على حالة الغياب الرسمي التام والعجز الإعلامي الواضح الذي استغلته الكثير من القوى المعارضة.

 وهذا ما جعلنا نعتقد أن هناك جهات غير معنية بحركة فتح، التي باتت تتعرض للهجوم من القريب والبعيد في هذه المرحلة ، وبإمكانكم أن تتوجهوا إلى أية معارض للكتاب لتطلعوا على حجم الكتب والمنشورات التي تهاجم حركة فتح وتاريخها ، ولكم أيضا أن تتابعوا المواقع على الانترنت لتتيقنوا حجم الجهات المعادية لحركة فتح ومدى قوتها ونفوذها في أوساط شعبنا في الداخل والخارج ، بعد أن أصبح الفضاء مفتوحا والمجال واسعا لكل أولئك المغرضين ، في ظل سلبية  الكثير من أولئك الذين يعتبرون أنفسهم في مواقع مسؤولية وقيادية في حركة فتح.

من حقنا أن نتساءل هل المطلوب ان نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه المؤامرة بحق شعبنا وقضيتنا وتاريخنا ..؟ هل المطلوب منا ان نذهب ونعتذر لأولئك الذين وقفنا طول حياتنا في وجوههم وتصدينا لهم ولافتراءاتهم على حركة فتح وتاريخها وقادتها ..؟.

وعلى الرغم من هذا التحدي فإننا قررنا أن نواصل القيام به، نظرا لما تمليه علينا ضمائرنا النضالية ، ويكفينا فخرا إننا نلاقي التقدير من أبناء شعبنا، والذين يعرفوننا جيدا ان دائما ما نقدم لهم كل خير ، وهذا ما يشهد به الكثير من أبناء شعبنا الذي قمنا بالمساعدة في إرسالهم إلى دول العالم للحصول على الدراجات العلمية المختلفة ، وها هم اليوم في الكثير من المراكز والمواقع في فلسطين وخارجها، هؤلاء هم رصيدنا الحقيقي.

 لقد رفعنا شعارا ووضعنا هدفا نصب أعيينا أن نكون أوفياء لفلسطين وجنودا في الخندق الأول دفاعا عن الثورة الفلسطينية وما تمثله من تضحيات وشهداء وجرحى وأسرى ، وهذا الذي دفعنا لتركيز كل جهودنا على تأريخ مسيرة الثورة تخليدا لأولئك الذين ضحوا بأرواحهم على طريق النصر والحرية. ولم ندخر جهدا في التصدي لتلك الأصوات الناعقة التي تتهجم دائما على الثورة الفلسطينية وقياداتها. أؤكد لكم أن هذا لن يحدث فكما كنا دائما في المواقع القتالية الأولى في مواجهة الخطر .. فإننا سنبقى أوفياء على عهد الشهداء .. عهد الثورة .. سيظل هذا المركز يعمل بلا كلل وبلا هوادة .. فحركة فتح ملك لأبنائها الذين ضحوا وكتبوا تاريخها بالدم وليس بالحبر.

إن قدرتنا على تحقيق النصر في هذا الصراع الحضاري، الذي أكد عليه الشهيد الراحل سعد صايل “ابو الوليد” ، يتطلب منا أن نكون على نفس القدر من التحدي والمسؤولية والأمانة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com