من يقف خلف سياسة تحديد النسل في العالم؟/ عميرة أيسر _كاتب جزائري

تعتبر سياسة تحديد النسل من السّياسات العالمية التي انتهجتها الكثير من الدول وخاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي مقدمتها الدول الغربية، كسياسة اجتماعية واقتصادية وثقافية من أجل تحسين مستوى حياة تلك المجتمعات، وتنظيم عدد السكان فيها لزيادة دخلها ومستوى رفاهيتها، فأضحت طريقة ونمط حياة تضبطها العديد من القوانين والتشريعات الملزمة، ومن ثم أضحت بمثابة سياسة دولية تتبناها العديد من المؤسسات الدولية، ومنها تلك المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأمم المتحدة، والتي أطلقت سنة 2010م، حركة ” أمل لكل امرأة و كل طفل”، لتقييم التقدم نحو تلبية احتياجات ووسائل منع الحمل للمرأة، وقد وضعت هذه المبادرة هدف زيادة عدد المستخدمين لطرق تحديد النسل الحديثة بنسبة 120 مليون امرأة في 69 من أفقر البلدان في العالم، وذلك بحلول سنة 2020م.
فهذه السّياسة التي تبنتها الكثير من الدول بما فيها تلك الدول التي تمتلك ثقافات شرقية وكونفوشيوسية تحث شعوبها على الإنجاب، وزيادة عدد سكان مجتمعاتها كالدول العربية والصين واليابان، ودول جنوب شرق أسيا، فهذه السّياسة العالمية التي امتدت حتىّ للدول الأفريقية جنوب الصحراء، والمعروفة بارتفاع معدلات الإنجاب لدى النساء لديها، إذ وبحسب دراسة حديثة نشرت نتائجها مجلة ” دي لانست”، تراجع معدل الخصوبة لدى كل امرأة في العالم، من 4.7 بالمئة سنة 1950م، إلى 2.4 بالمئة حالياً، وفق فرانس براس، وفي المقابل فإنه قد تمّ تسجيل معدلات مرتفعة للخصوبة في أفريقيا وآسيا، بحسب هذه الدراسة، التي أجراها معهد علم النفس والتقييم الصحي في جامعة واشنطن ( أي أتش أم أي)، وهذه الجمعية ممولة من مؤسسة بيل ومليندا غيتس، حيث جمع هذا المعهد أكثر من 8 آلاف بيان صحي، لتحليل ارتفاع عدد سكان العالم، من 2.6 مليار نسمة في عام 1950م، إلى حوالي 7.6 مليار نسمة في العام الماضي. كما ذكر موقع بوابة الوسط، بتاريخ 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018م، في مقتل بعنوان ( نساء أفريقيا الأكثر خصوبة، و24 دولة عرضة لخسارة سكانها).
وبالتالي فإنّ هذه السّياسة التي ثمنتها الأمم المتحدة، وأقيمت حولها العديد من المؤتمرات والملتقيات العلمية، التي ضمت خبراء من مختلف الدول، وكان لها أهداف ظاهرية إنسانية حسب تأكيد أنصار هذه السّياسة، بالأخص وأن هؤلاء يؤكدون بأن ارتفاع عدد سكان الأرض سيؤدي لارتفاع نسب التلوث، والذي ستكون له نتائج كارثية على مستقبل البشرية جمعاء، ويركزون على أن إنقاص عددهم ضروري، خاصة مع انتشار عدد من التقارير الدولية التي تفيد بأن موارد الأرض لم تعد كافية لكل سكانها، في ظلّ ازدياد نسب الكوارث البيئية والطبيعية، التي جعلت مناخها يتغير باضطراد وفي مناطق مختلفة، وهذا ما حذر منه الصندوق العالمي للطبيعة في آخر تقاريره (ص 45)، حيث أشار التقرير إلى أن سكان الأرض يستهلكون ما يعادل الموارد الطبيعية لكوكبين حتىّ سنة 2050م، إذ من المتوقع أن يصل عددهم إلى 9.1مليون بحلول ذلك التاريخ. مثلما ذكر موقع عرب 48، بتاريخ 25أكتوبر/تشرين الأول 2006م، في مقال بعنوان ( الأرض لن تكفي مواردها سكانها عام 2050م).
فحسب هذا التقرير فإنّ موارد الأرض لن تكفي سكانها بعد سنوات قليلة قادمة، وبالتالي يجب تنظيم النسل، والعمل على تقييده ذاتياً أو إجبارياً عن طريق سنّ سياسات صارمة للحدّ منه، أو التعرض لعقوبات ردعية قاسية من طرف الدولة، حيث أن هناك دولاً لن تسمح أنظمتها إلاّ بإنجاب عدد محدود من الأبناء، وفق استراتيجية وطنية ذات أهداف مرحلية مسطرة من أجل التوافق بين حجم النمو الديمغرافي و النمو الاقتصادي للدولة، كالصين والهند ومصر، والتي طرح فيها البرلمان مقترح قانون لحرمان الطفل الثالث من الدعم الحكومي، وهي الدولة التي يزيد معدل النمو السكاني فيها عن 2 بالمئة سنوياً، وهو مرتفع بالمقارنة مع المتوسط العالمي الذي بلغ 1 بالمئة سنوياً. كما ذكر موقع الجزيرة، بتاريخ 25 جانفي/ يناير 2020م، في مقال بعنوان (مكافحة الإنجاب….. أين وصلت التجربة الصينية التي استلهمها السيسي).
ولكن هذه السّياسية التي تبنتها الكثير من الدول الرأسمالية في المقام الأول، كانت في الأصل مقترحة من طرف مؤسسة روكفلر الدولية، التي تعتبر أهم الأدوات التي تستعملها عائلة روكفلر ثاني أقوى وأغنى العائلات في أمريكا بعد عائلة روتشيلد لتنفيذ اجنداتها الخفية ، حيث دعمت هذا العائلة حركة تحديد النسل من عام 1914م إلى غاية 1945م، والتي كان هدفها إسقاط كل القوانين التي تعاقب المجهضات بالسجن، وتهدف لغرس ثقافة تحديد النسل ومنح الحق في الإجهاض لكل النساء الامريكيات، وقاد هذه الحركة كل من ايما جولدمان، و ماري دينبيت و مارغريت سانغر، وعملوا على تحطيم قوانين ” كوموستوك”، ” المخلة بالآداب والدعارة و المثيرة للشهوات”حسب وصفهم، ولم تكتفي مؤسسة روكفلر بذلك بل قدمت سنة 1930م الدعم المالي إلى معهد القيصر فيلهيم للأنثروبولوجيا والوراثة البشرية وعلم تحسين النسل التي ألهمت في وقت لاحق العلماء الألمان لإجراء التجارب من أجل تحسين النسل في الرايخ الثالث، بالرغم من علم تلك العائلة بأن هذه الأبحاث كانت تستخدم من طرف النازية لشيطنة اليهود والمجموعات العرقية الأخرى، حيث أنها لم تنبه العالم لطبيعة العلم الألماني و” الحماقة الأنثروبولوجيا” التي أصدرتها الأنثروبولوجيا الألمانية، وبقت عائلة روكفلر تمولها حتىّ بعد إصدار قوانين نورمبرغ العنصرية عام 1935م، بالإضافة إلى مؤسسة كارنجي التي كانت تعمل جنباً إلى جنب مع مؤسسة روكفلر التي كانت الممول الرئيسي لمكتب تسجيل تحسين النسل عام 1939م، كما أنها قام بدعم ندوات جامعة هارفارد الدولية لتحسين النسل، وكانت تقف خلف كل المبادرات التي يقوم بها الكثير هنري كسنجر في هذا الإطار، إذ كانت تعتبر بمثابة القوة التي وقفت خلفه من أجل تولي منصب إدارة جامعة هارفارد الدولية، التي عقدت ندوات دولية تقضي بجعل سياسة تحديد النسل سياسية دولية، وبدعم كامل من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية caiومجلس السّياسة الخارجية. كما ذكر موقع مؤسسة روكفلر Rockefella Foundation في قسم علم النفس، مقال علمي نشر بتاريخ جويلية/يوليو 2019م.
فهذه العائلة الأمريكية التي تسيطر على الكثير من الصناعات في بلاد العم سام كقطاع الصناعات الدوائية، والتي عملت إلى جانب مع عائلة روتشيلد ومورغن ودوبون وبوش وغيرها من العائلات الماسونية الصهيونية الكبرى التي تسيطر على الكثير من الشركات الاقتصادية الكبرى العابرة للقارات، والتي تتحكم باقتصاديات دول بأكملها، وتمول الكثير من المنظمات الإقليمية والدولية، على إنقاص عدد السكان في كل أرجاء المعمورة، لتحقيق حلم الحكومة العالمية، ذات الحكم العالمي الشمولي، والتي يجب أن لا يتعدى عدد السكان فيها 500 مليون نسمة، تنفيذاً لما جاء من وصايا في نصب فرجينيا الحجري، المكتوب بعدة لغات ولا يعرف أحد من يقف خلفه بالتحديد، فسياسة تحديد النسل التي أدت لتناقص رهيب في عدد السكان في الكثير من الدول، التي بات يتهددها شبح الفناء، و بالتالي على قادة جميع الدول إعادة النظر في هذه السّياسة التي تحمل في طياتها مخططاً امبريالياً استعمارياً يهدف لإنقاص أعداد البشر عن طريق حثهم على عدم الإنجاب، وذلك للاستفادة من موارد الكثير من الدول التي تعاني من نقص حاد في عدد المواليد، هذا الأمر الذي يهدد باختفاءها كدول مستقبلاً وإلى الأبد .



