الخيبة نصيب اللاهثين وراء مخرجات زيارة بايدن/ فادي أبوبكر

لعلّ الاهتمام الكبير الذي حظيت بها زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط من قبل المحللين والكتّاب والمراقبين في مختلف أنحاء العالم، يحتّم علينا كفلسطينيين أن ننظر إليها من منظور أوسع وأشمل، كي نصل إلى تشخيص واقعي سليم، نحو تحديد مسارات ما بعد زيارة بايدن إلى المنطقة.

وبالحديث عن المنظور الأوسع والأشمل للزيارة، يمكن القول أنها جاءت في سياق الاستقطاب الدولي والإقليمي ومحاصرة النفوذ الروسي والصيني في المنطقة، لا سيّما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وتصاعد حدّة الصراع والتنافس بين القطبين الغربي والشرقي في ساحات  ومجالات مختلفة مثل الفضاء ، والأمن السيبراني والطاقة المتجددة والصناعات العسكرية وغيرها من المجالات التي تُقاس بها قوة الدول .

حيث تتشابه الأحداث والتحولات الجارية مع المسارات التي كانت إبّان الحرب الباردة -عصر القطبية الثنائية-، في مؤشر على انتهاء الهيمنة الأميركية المطلقة، والأحادية القطبية،  ولعلّ  تصريح بايدن على هامش زيارته الأخيرة للسعودية “أن بلاده لن تترك فراغاً في الشرق الأوسط لتشغله روسيا والصين” ما هو إلا اعتراف ضمني بالمحاولات المضنية من قبل الولايات المتحدة لمحاولة استعادة  قيادة النظام الدولي.

كما وتأتي الزيارة لتدعيم الكيان الإسرائيلي أمنياً واقتصادياً في المنطقة، باعتباره ركيزة أساسية وضرورة حيوية  لحماية مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وعلى الرغم مما جاء في البيان الختامي لـ”قمة جدة للأمن والتنمية” التي عُقدت في 16 تموز/يوليو 2022 لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأردن ومصر والعراق والولايات المتحدة، حول ضرورة التوصل لحل عادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، ووقف كل الإجراءات الأحادية التي تقوض حل الدولتين، واحترام الوضع التاريخي القائم في القدس ومقدساتها، فإن الاتفاقيات السعودية الأميركية التي تم توقيعها على هامش الزيارة، والتي بلغ عددها 18 اتفاقية، تعزّز من  فرص تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، واتّساع رقعة التطبيع العربي الإسرائيلي.

وحول الثمن الذي ستدفعه الولايات المتحدة و الكيان الإسرائيلي ( شرطي الشرق الأوسط) للعرب فيما يخص القضية الفلسطينية، فإنه لن يتجاوز تقديم سلسلة من التسهيلات التي تتعلّق بالحياة اليومية للفلسطينيين، وهذا ما أكّده بايدن بنفسه في مؤتمر صحفي مع نظيره الفلسطيني محمود عباس على هامش زيارته مدينة بيت لحم بتاريخ 15 تموز/يوليو 2022،  بقوله ” خيار حل الدولتين هدف بعيد جدا الآن”،حيث اختزل بايدن الرؤية الأميركية لحل الصراع، بالإعلان عن تقديم 200 مليون دولار لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، و100 مليون دولار لمنظومة المستشفيات بالقدس، وإنخراط إدارته في محادثات مع “إسرائيل” لتحسين الظروف الاقتصادية للشعب الفلسطيني، وبناء شبكة الجيل الرابع للهواتف، وتقديم الطاقة المتجددة .

جاءت زيارة الرئيس الأميركي في ظل ظروف اقتصادية صعبة ومعقّدة للغاية، لتصوير التسهيلات الحياتية بأنها هدايا ثمينة تُقدّم للفلسطينيين، وليظهر بايدن بصورة “المنقذ” للشعب الفلسطيني، ونقول هنا أن الخيبة نصيب اللاهثين وراء مخرجات زيارة بايدن، لأن الكرامة بالنسبة للشعب الفلسطيني هي الحيلة والفتيلة ، ولا يمكن أن يقبل بتغليب الإقتصادي على السياسي، فلولا الدماء الطاهرة التي بذلها الشهداء لما وجد “السياسي” الحبر الذي يُوقّع به.

وعليه فإن المطلوب فلسطينياً التعامل مع موجبات الواقع الدولي الجديد، بعدم وضع كل البيض في سلة الولايات المتحدة الأميركية، والأخذ بعين الاعتبار القوتين العظمتين روسيا والصين، في حال الدخول في أي مناقشات أو مفاوضات مع الكيان الإسرائيلي مستقبلاً.

والأهم من ذلك كلّه، هو التركيز على وحدة الحالة الفلسطينية وقوتها على الأرض، من خلال إنهاء الإنقسام الداخلي، وترتيب وتمتين الجبهة الوطنية، خاصة في ظل تراجع أهمية القضية الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي ؛ هذا المجتمع الذي لا يعترف إلّا بالقوة، ولن يتعامل معنا بجدّية، إلا ونحن متحدون، وفي حالة اشتباك دائم مع الاحتلال الإسرائيلي على الأرض، تُنذر القاصي والداني بأن لا سلام ولا أمن ولا استقرار بالمنطقة كلّها دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.

كاتب وباحث فلسطيني

fadiabubaker@hotmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com