هل نحن على حافة الحرب بين أمريكا والصين./ عميرة أيسر_ كاتب جزائري

تتصاعد حدّة التوترات السّياسية بين واشنطن وبكين، وخاصة بعد تهديد الأخيرة لرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي التي بدأت جولتها الآسيوية لزيارة عدد من البلدان المحسوبين على المنظومة الإمبريالية الرأسمالية، التي تعتبر من أهم البيادق التي تستعملها واشنطن لتنفيذ استراتيجيتها في أسيا، التي أصبحت تركز في العقد الأخير على محاصرة روسيا والصين، وبناء قواعد عسكرية في أراضي تلك الدول، وتوقيع اتفاقيات للدفاع المشترك، وكذا اتفاقيات اقتصادية لضمان بقاء دول مثل سنغافورة وماليزيا وفيتنام وكوريا الجنوبية واليابان، والتي تعد اقتصادياتها من الأقوى في العالم، ضمن النفوذ والحماية الأمريكية ومنع أي نوع من التقارب أو التعاون بينها وبين موسكو أو بكين، مستغلة في ذلك الخلافات الحدودية والتاريخية بين تلك البلدان، وخاصة تلك الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي والشرقي.
وتحذيرها من زيارة جزيرة تايوان التي تعتبرها الصين جزءً من أراضيها التاريخية التي لن تتنازل عنها، ولن تسمح باستقلالها حتىّ ولو كلفها ذلك الدخول في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اعتبرت الصين زيارة بيلوسي عملاً عداءياً من واشنطن يستهدف توتير العلاقات بين البلدين، فقامت على إثر ذلك وزارة الدفاع التايوانية برفع حالة التأهب القصوى على خلفية تلك الزيارة، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجان بأن الأمر سيكون تدخلاً جسيماً في الشؤون الداخلية للصين، إذا زارت بيلوسي تايوان، وحذر من أن ذلك سيؤدي إلى تطورات وعواقب خطيرة جداً، وأضاف في إفادة قدمها لصحيفة دورية متخصصة صينية، ” نود أن نبلغ الولايات المتحدة الأمريكية أن الصين على أهبة الاستعداد، وأن الجيش الصيني لن يقف مكتوفي الأيدي ستتخذ الصين ردود حاسمة وإجراءات مضادة فورية للدفاع عن أراضيها. كما ذكر موقع الجزيرة، بتاريخ 1أوت/ أغسطس 2022م، في مقال بعنوان ( واشنطن تترقب استفزازاً عسكرياً وصواريخ من بكين…..بيلوسي في سنغافورة والصين تحذرها من تايوان).
فالعلاقات الصينية الأمريكية التي عرفت حالة من الشدّ والجذب منذ السبعينيات من القرن الماضي، وهذا ما ذكره هنري كيسنجر الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي في إدارة نيكسون وجيرالد فورد، في كتابه ” مذكرات كيسنجر” والواقع في جزأين، والذي يعتبر من أهم الكتب السّياسية التاريخية، والتي وثقت للكثير من الأحداث والمواقف التاريخية التي مرت بها مختلف الإدارات الأمريكية خلال فترة الحرب الباردة.
فهذه العلاقات المتداخلة التي اتسمت بالتعاون تارة وبالصراع والتنافس تارة أخرى، وفي فترات تاريخية مختلفة، وذلك نتيجة اختلاف تركيبة الأنظمة السّياسية في كلا البلدين، وكذا تضارب المصالح الجيو استراتيجية وتضادها في الكثير من الأحيان، بالتزامن مع سعي كل من الصين وأمريكا للسيطرة على الاقتصاد العالمي، الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الحصة الأكبر من الناتج القومي فيه ولفترات طويلة من الزمن، مثلما ذكر ذلك زبينغو بريجنسكي المفكر السّياسي الأمريكي والذي شغل مناصب مرموقة في بلد العم سام، حيث استبعد بريجنسكي امكانية تكرار التجربة الأمريكية في الهيمنة المنفردة على مفاصل الاقتصاد الأمريكي، حيث قال: في هذا الصدد” في المدى الطويل تبقى السّياسة العالمية محكومة بأن تغدو متواجدة التنافر مع تركز أي قوة مهيمنة بأي دولة منفردة، لذلك فإن أمريكا ليست القوة العالمية فعلاً فحسب، بل قد تكون الأخيرة تحديداً”ً، وأضاف ” القوة الاقتصادية مرشحة هي الأخرى لأن تكون مبعثرة، ففي السنوات المقبلة لا يحتمل أن تتمكن قوة بمفردها من بلوغ مستوى ل 30 بالمئة أو نحوها من الناتج الإجمالي الخام بالعالم، وهي النسبة التي بقيت أمريكا محافظة عليها خلال الجزء الأكبر من هذا القرن، ناهيك عن نسبة ذروة 50 بالمئة التي بلغتها سنة 1945م”. من كتاب زبينغو بريجنسكي ” رؤية استراتيجية، أمريكا وأزمة السلطة العالمية”، ص 15.
وبالتالي فالعقيدة السّياسية والعسكرية والأمنية وحتى الاقتصادية الأمريكية، والتي بنيت على نظرية التفوق الأمريكي المستدام، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث أعطت أمريكا لنفسها حق الهيمنة والسيطرة على النظام الدولي، باعتبارها الدولة التي أعادت بناءه على أسس وقواعد جديدة بعد الانهيار التام الذي تعرض له على يد النازيين، وبالتالي لن تسمح لأية دولة أخرى بأن تنافسها على تلك المكانة الدولية، بما فيها دول كروسيا والصين والهند وكلها دول نووية، وذات اقتصاديات متسارعة النمو، وهذا ما تخشاه الولايات المتحدة الأمريكية، التي تراقب عن كثب تطور القدرات الاقتصادية والعسكرية للصين، التي دخلت في حلف استراتيجي واقتصادي وعسكري مع دول كروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وزادت من عدد القطع البحرية في بحر الصين الجنوبي، وبحر اليابان والمحيط الهادي.
الاستفزازات المتكررة من البحرية الصينية لسفن الصيد اليابانية حسب الادعاءات الأمريكية باعتبار أن اليابان تعتبر من أهم حلفاء أمريكا في المنطقة، وهذا ما أشار اليه جوزيف بايدن خلال زيارته لليابان، وخاصة بعد قيام طوكيو بشراء مجموعة من الجزر المهجورة من مواطن ياباني، وقامت بتأميمها وهو ما اعتبرته الصين عملاً عداءياً يستهدفها، وقامت باتخاذ عدّة إجراءات التي تأكد سيادتها على تلك الجزر، وعمت مظاهرات غاضبة تخللها أعمال عنف في معظم المدن الصينية، وأرسلت بكين عدّة سفن تابعة لهيئة مراقبة البحرية إلى المنطقة المتنازع عليها، كما أنها أعلنت العلامات الرئيسية وخطوط الأساس للمياه الإقليمية المحاذية، مما يعني أنه بات لزاماً على السفن العسكرية والمدنية الغير صينية استئذان السلطات الصينية والحصول على موافقتها لدخول المنطقة. كما ذكر موقع الجزيرة للدراسات، بتاريخ 1أكتوبر/ تشرين الأول 2022م، في مقال بعنوان ( الصين ونزاعات المحيط الهادي الأسباب والمألات).
فسياسة احتواء الصين ومحاولة تقليص نفوذها الإقليمي في وسط وجنوب شرق أسيا، التي اتبعتها واشنطن منذ نهاية الحرب الباردة لم تعد تجدي نفعاً في ظل تنامي النزعة القومية في الصين، واصرارها على لعب دور فعال على المستوى الدولي، ومساهتها بالتالي في حلّ الكثير من القضايا الدولية العالقة، كالقضية الفلسطينية والأزمة الروسية الأوكرانية بالإضافة إلى تعاظم دور القوة التكنولوجية الناعمة التي باتت تشكل مصدر دخل مادي كبير للصين، ووسيلة مهمة لجمع المعلومات الاستخباراتية، وخاصة عن طريق شركاتها التكنولوجية كهواوي، أو الشركة المالكة لتطبيق تيك توك، و المملوكة بالكامل للحكومة الصينية.
فالتنافس الأمريكي الصيني على أحقية قيادة العالم مستقبلاً، لن يبقى محصورة في الجوانب السّياسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية، بل سيتحول ذلك التنافس لصراع عسكري بين الطرفين، ولن تكون الحرب بالوكالة بينهما كما كانت خلال فترة الحرب الأهلية الكورية 1953.1950م، بل ستصبح المواجهة العسكرية مباشرة، وستكون هناك الكثير من المسببات المنطقية لتلك الحرب، على غرار التدخل السافر للولايات المتحدة الأمريكية في الشئون الداخلية للصين في تايوان، أو إقليم الايغور أو التبت، أو محاولتها استغلال الثروات الباطنية و المعدنية والغازية المكتشفة في جزر تعتبرها الصين ملكاً لها كجزيرة بارسيل المتنازع عليها مع فيتنام، بالإضافة للتواجد العسكري الأمريكي الكثيف في أسيا بعد تغير الأستراتيجية الأمريكية التي أصبحت تركز على تلك القارة أكثر من غيرها، وهي التي ينمو اقتصادها بطراد مع توقعات بأن يصل اجمالي دخل القارة لحوالي 148 تريليون دولار سنة 2050م، حسب التقرير الصادر عن بنك التنمية الآسيوي سنة 2011م، وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية كما استطاعت السيطرة على اقتصاديات دول أوروبا الغربية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية واستنزفتها، تريد أن تفعل الشيء نفسه مع دول قارة أسيا الصاعدة، وخاصة دول منظومة أسيان، ولتحقيق ذلك يجب علينا إزاحة دول بعينها كالصين من خلال غزوها عسكرياً، بعدما عجزت عن اضعافها عن طريق اتباع سياسة فرض العقوبات الجماعية ضدّها، فالحرب بين واشنطن وبكين أضحت مسألة وقت، وكلا البلدين يعرفان ذلك جيداً، ويستعدان لتلك المواجهة المصيرية بينهما منذ عدّة سنوات خلت.