قصة قصيرة.. سنوات الضياع…. عبير المدهون

إتصلت به وقالت أريد أن أتحدث معك قليلاً..
فرد عليها ببرود انا مشغول نتحدث عندما أعود من العمل .
فقالت له أحتاج أن أكون معك بمفردنا خارج المنزل ..
فضحكَ وقال ما هذا الموضوع المهم؟
لا اريد ابناءنا أن يسمعوا حديثنا.أراك في المقهى الصغير على شاطئ البحر بعد ان تنتهي من عملك .

فقال حسنًا نلتقي بعد العمل وتمتم بصوت خافت يبدو أنه قد مسها شيء من الجنون ، وأغلق الخط بغضب.
نظرت إلى المرآة وقالت أنت قوية يكفي إلى هنا ،و بدأت في تجهيز نفسها كان الوقت يمر بطئ جداً .خلال تلك الساعات الثقال كانت الذكريات المُرّة تحاصرها من كل زاوية، ومكان،عشرون عام مرت على زواجها منه لم تشعر بها بالسعادة معه.
هو طبيب وهي ربة منزل تزوجها صغيرة ورفض أن تكمل تعليمها.
بنى سعادته على حطامها.يُهينها كلما سنحت له الفرصة و يُعايرها بجهلها الذي كان هو السبب به. أنجبت منه طفلين بنت و ولد وهما في سن الشباب كلاهما في الجامعة.كانت تحمل مسؤولية كبيرة خلال غيابه وقت عمله بالسعودية ، عندما كانت تسافر له بصحبة ابناءها وقت الإجازات السنوية كانت تشعر بالقهر بين أربعة جدران لانشغاله بالعمل ، يرهقها بإقامة الولائم بحجة ان أصدقائه يشتهون طعام امهاتهم ،
لم تكن حُرّه بقرار هو الآمر الناهي ، لا صديقات ،ولا جيران يسمح لها بالتواصل معهم ،حتى هاتفها المحمول حصلت عليه هدية من ابناءها ، فتحت لها ابنتها حساب على الفيس بوك حتى تخرج من عزلتها ،،
دخلت إلى العالم المجهول عالم لم تراه سابقاً !!؟
أصبح عندها صديقات …. بدأت نظرتها إلى الحياة تختلف ! اكتشفت عالم واسع ثقافات وأفكار… و بدأت بتكوين شخصية جديدة قوية نوعاً ما ، تحدثت مع الناس وسمعت آراء كثيرة ، اتركيه وانظري الى حياتك ، الحياة مرةً واحدة ، فلتكُن لكِ شخصية مستقلة ،اطلبي الطلاق ، تمردي عليه ، أنتِ إنسانة حرة لا يحق له أن يستعبدك ، أنتِ صغيرة وجميلة ابدئي حياة جديدة مع شخص اخر يحبك …وعندها بدأت تفكر في نفسها وحياتها ومستقبلها ، ثم بدأت الأفكار تضرب في رأسها الى متى الانتظار لا بد أن اتخذ في حياة قرار يكفي!؟.
انتبهت إلى الساعة التي تشير إلى الثالثة فأخذت حقيبتها وخرجت مسرعة ركبت سيارتها وغادرت ، وعندما وصلت المقهى وجدته في انتظارها ، تأملته من بعيد جالس يحتسي فنجان من القهوة ويدخن سيجارة وبيده هاتفه كما هي العادة.
إقتربت وبصوت خافت قالت مرحبًا فنظر لها وقال هل يستحق الأمر كل هذا العناء ؟ فأجابته نعم
فقال هل الأمر بخصوص الأبناء؟ لا
فقال بستهزاء : اتحفينا بما تريدين .ثم عاد بنظره إلى هاتفه.
فأغمضت عيناها وأخذت نفساً عميق……..
انا لست سعيدة معك ولم اكن يوم .
لقد دمرت مستقبلي حين منعتني من إكمال دراستي بالجامعة حتى أقوم برعاية الاطفال. قتلتني بالإهمال وبالحرمان .عشت معك أيام ثقال لم أكن أشعر معك بالأمان ولم يزر قلبي يوماً الاستقرار. عشرون عام عشتها في ضياع.
اكره نفسي واكره ظروفي وضعفي وصمتي ، تحملت من أجل الأطفال وعلى أمل أن يتغير بك الحال أو أن ينصفني الزمان ، لكنك تزداد قسوة وإهمال ، وها هم أبناءنا قد كبروا وكل يستطيع أن يعتمد على نفسه واليوم أنا هنا لإنني أتخذت القرار ..
فلا شيء يجبرني على البقاء معك بعد الآن!؟
أصبحت على يقين بعد فوات العمر أنك لن تتغير في يوم من الأيام ،
لقد ضاع عمري معك هباء ولم يعد عندي قدرة على الصمود او الثبات ، أرجوك أن ننهي هذه المأساة وأن نفترق بهدوء وأن ننسى كل ما فات فأنا أحتاج أن أعيش بسلام ما تبقى لي من أيام في هذه الحياة ….

وفجأة سمعت صوت يقول لها :هل جئنا هنا من أجل أن تغمضي عينيك و تلتزمي الصمت يا جميلة الجميلات ؟؟!
تكلمي فأنا متعب بعد يوم عمل شاق.. فتحت عيناها لتجده كعادته بالغضب قد استشاط ، فوقف وقال انا ذاهب فالجلوس معك ممل على أي حال ،،أراك بالمنزل ..وتركها وغادر ..
شعرت بمرارة الكلمات التي كانت تقف في حلقها وبكت في صمت وسال الدمع على خدها وهي تلعن ضعفها وخوفها لم تستطع أن تقول ما كان يجول في خلدها ولم تعبر عما كان يقهر قلبها ، وغادرت وهي تجر أذيال الخيبة على ضعفها وقلة حيلتها وجبنها، ومضت وهي تحدث نفسها ويبقى الوضع على ما هو عليه..والضعيف يلجئ للصمت والتسليم بواقع الحال….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com