اضراب اتحاد العاملين العرب في “أونروا” في الضفة الغربية.. دفاع عن المبادئ والقيم والحقوق

تقدير موقف:
مركز دراسات اللاجئين

شرع موظفو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في الضفة الغربية منذ 22 كانون الثاني / يناير 2023 في إضراب دعا له “اتحاد العاملين العرب في الوكالة”، ورغم قبول الاتحاد بتعليق الإضراب كاستجابة لوساطات حملت ضمانات بتخلي “أونروا” عن تعنتها تجاه مطالبهم، إلا أن الإضراب سرعان ما تم استئنافه كنتاج لاستمرار هذا التعنت.
في الحقيقة يبدو الاضراب كنزاع عمل وحراك نقابي تقليدي، تكرر في عدة مناسبات على مدار السنوات الماضية، فالإضراب الذي يجري حاليا على مستوى موظفي الضفة الغربية، شملت بدايته أيضا إقليم غزة، الذي خاض الموظفون فيه اضرابا جزئيا.
كما أن حالات إضراب واحتجاج مماثلة تكررت خلال الشهور الأخيرة في معظم ساحات عمل الوكالة، وقد شهد شهر تشرين الثاني/ نوفمر2022 إضرابات جزئية واحتجاجات نفذها العاملون الفلسطينيون في “أونروا” احتجاجا على سياسات التقليص المماثلة والانتهاك المستمر لحقوق الموظفين في مناطق عمل وكالة “أونروا” المختلفة، التي يعاني فيها الموظفون من رفض مطالبهم، وتحسين رواتبهم.
هناك سياسة ثابتة تنتهجها إدارة اونروا في القاء عبء التقليصات على كاهل اللاجئين والموظفين الفلسطينيين، في الوقت الذي تجنب فيه موظفيها الدوليين هذه الأعباء، واحتفاظهم برواتب أعلى بنسبة كبيرة وموازنات إدارية تلتهم جزءا كبيرا من ميزانية يفترض ان تكرس بشكل أساسي لدعم اللاجئين والعاملين على خدمتهم في تجمعاتهم وأماكن وجودهم.
إلا ان الناظر الى حقيقة ما يجري يكتشف انه رغم أن الإضراب حمل مطالب للعاملين بشأن حقوقهم الوظيفية التي تواصل إدارة الوكالة الانقضاض عليها وتقليصها في الأعوام الأخيرة، إلا أنه لم يكن معزولا عن خلفيات أعمق تتعلق بسياسات إدارة الوكالة، مثل مسلسل التقليصات التي تسلب حقوق الموظفين الفلسطينيين، والتي هي في الحقيقة امتداد لمسلسل التقليص الشامل للخدمات المقدمة للاجئين والذي تنفذه “أونروا” منذ سنوات، والذي طل مختلف القطاعات من صحة وتعليم ومساعدات غذائية.
كما لم يكن معزولا عن الحملة التي تستهدف قمع موظفي الأونروا، التي تهدف الى سلخ الموظفين عن وطنيتهم وعن انتمائهم وعن قضيتهم وعن أي تفاعل مع حقوق وقضايا واهتمامات شعبهم، باستخدام عناوين براقة كالحياد، وكمحاربة الإرهاب او العداء للسامية.
وعليه فان اضراب اتحاد العاملين العرب في “أونروا” في الضفة الغربية لا يمثل نفسه فقط، بل يمثل مختلف قطاعات اللاجئين وحقوقهم، كما يمثل ارادة الفلسطينيين في الدفاع عن المبادئ والقيم والحقوق عبر تحركات متصاعدة ضد سياسة التقليصات التي تمضي قدما في تفكيك شبكة خدمات أونروا، وتسير بشكل متسارع نحو تحلل “أونروا” من معظم التزاماتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين.
وبعملية رصد بسيطة لمسار الأونروا يمكن الاكتشاف بسهولة طريقة تعامل إدارة “أونروا مع موظفيها فضلا عن جموع اللاجئين، الأمر الذي تكشفه سياساتها العدائية تجاه موظفيها ومواقفها السلبية المتزايدة فيما يتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين.
فلم يقتصر موقف الإدارة على التعنت والتمسك برفض تلبية مطالب الاتحاد، بل سارعت الأونروا لإجراءات تصعيدية بحق قيادات الإضراب، كما نظمت حملة إعلامية سعت لابتزاز اللاجئين الفلسطينيين واستعدائهم على الموظفين الذين طالبوا بحقوقهم.

بل قابلت “أونروا” احتجاج موظفيها بإجراءات تعسفية شملت:
– إيقاف بعض الموظفين ومن بينهم رئيس اتحاد العاملين في الضفة.
– تسجيل خصومات مالية وعقوبات بحق موظفين آخرين
– قيادة حملة للتحريض ضد المضربين، حاولت من خلالها تحميلهم مسؤولية إخفاقها في حشد التمويل اللازم، ونقص الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين
– ادعت “أونروا” أن إضراب العاملين قد يهدد فرصها في إنجاح مؤتمر المانحين.
– ادعى المتحدث باسم الوكالة عدان أبو حسنة أن اللاجئين الفلسطينيين والفئات الأكثر هشاشة يدفعون ثمن هذا الإضراب.
– وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” أبلغت المدرس في مدرسة جبل الطابور في مخيم نهر البارد محمد ابو خليل) أبو عرب (بقرار فصله في 8 شباط / فرباير2022، بسبب ما نسبته له من نشاط سياسي.
– كما فصلت الموظف نديم الحاج من عمله على خلفية نشاط مماثل، قبل أن تتراجع تحت الضغط الشعبي.
– وفي آذار/ مارس 2023 أوقفت المعلم رياض مصطفى عن العمل بعد نشر لمقطع فيديو يتضمن وداع والدة الشهيد ابراهيم النابلسي لابنها.
– واصلت اونروا على نحو دؤوب خلال العام الماضي تصعيد إجراءات الترهيب والتحذير والعقوبات الملحقة بالموظفين على خلفية دفاعهم عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين أو تعبيرهم عن مواقف سياسية داعمة لنضال شعبهم.

يتبين ان كل ما سبق يأتي في إطار تنفيذ وكالة “أونروا” لاتفاق الإطار الموقع بينها وبين الإدارة الأمريكية والذي تضمن تشريع عمليات الملاحقة السياسية ضد الموظفين في “أونروا” على خلفية المواقف من الحقوق الفلسطينية، في تخلي واضح من قبل “أونروا” عن دورها في الدفاع عن حقوق اللاجئين لمصلحة الرقيب الذي ينتهك هذه الحقوق ويعاقب من يدافع عنها.

– ومن الجدير بالذكر انه خلال الأعوام الماضية لجأت “أونروا” إلى تقليص مستمر في عدد موظفيها الفلسطينيين في مختلف مناطق عملها.
– كما قامت بتسريح أعداد من الموظفين والمتعاقدين في حالات عدة.
– إلى جانب عزوفها المستمر عن إجراء تعيينات جديدة، وهو ما وضع أعباء هائلة ومتزايدة على عاتق الموظفين.

رفع الموظفون المضربون شعارات ومطالب تتعلق بحقوقهم وحقوق اللاجئين الذين يقدمون لهم الخدمات، فإلى جانب احتجاجهم على التقليصات المستمرة، يتعلق هذا الإضراب بدفاع الموظفين عن حقهم في “أونروا”.

– في مطالبهم أشار المضربون إلى إخلال إدارة “أونروا” بما تم الاتفاق عليه بشأن ملئ الشواغر الوظيفية المتزايدة.
– وكذلك رفضهم لزيادة نصيب المعلمين من الحصص التدريسية التي تنوي “أونروا” رفعها من 25 الى 27 حصة أسبوعيا جراء نيتها عدم تعيين بدائل عن 300 معلم سيغادرون قطاع التعليم قريبا
– الوضع في قطاع الصحة أيضا حيث ان 21 % من موظفي قطاع الصحة هم على بند البطالة والعقود المؤقتة بما يقوض قدرة هذا القطاع على تقديم خدمات لائقة باللاجئين.
– علما بان لوائح “أونروا” تنص على ضرورة عدم تجاوز نسبة العاملين على بند البطالة لـ ٥ ٪ من إجمال الموظفين.

وعلى مستوى الحقوق الوظيفية المباشرة لموظفيها المعينين بالفعل، رفضت “أونروا” إجراء أي زيادة على رواتبهم رغم الغلاء المتزايد في مستوى المعيشة في معظم مناطق عمل الأونروا، وهو ما وضع ضغوطا اقتصادية واجتماعية متزايدة على هؤلاء الموظفين.

الخلاصة:
الاحتجاج وإن كان يحمل لواءه الموظفون المضربون بشكل أساسي، إلا أنه يعرب بشكل كبيري عن نقمة عميقة في مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين ولدى عموم الفلسطينيين تجاه سياسات وكالة “أونروا.
ترى العديد من القوى الفلسطينية أن تقليص “أونروا” لخدماتها هو إجراء مسيس يشكل انصياعا للضغوط الهادفة إلى تصفية قضية اللاجئين وحقوقهم.
موقف الفعاليات الفلسطينية والقوى السياسية كان داعما ومؤيداً تصاعديا لمطالب الموظفين المضربين، وشاركت في وقفات تضامنية معهم، أبرزها تلك التي نظمتها لجان اللاجئين وشاركت فيها مختلف الفصائل، بجانب بيانات صدرت عن هذه القوى السياسية نددت فيها بتعنت “أونروا” وبإجراءات التقليص، والعقوبات المفروضة ضد الموظفين المحتجين.
لم يتطور موقف الفصائل والقوى السياسية باتجاه مقاربة شاملة للتعامل مع سياسات التقليص التي تقوم بها وكالة “أونروا”، والتي تقود إلى تصفية تدريجية لمعظم خدماتها، وتحلل واضح من التزاماتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين، بما يشكل إذعانا لمساعي تفكيك وكالة “أونروا” وتصفية حقوق اللاجئين ووجودهم.
خاصة أن التقليصات صارت تهدد إمكانيات حصول اللاجئين الفلسطينيين على الخدمات الحيوية التي يحتاجونها من أجل البقاء، وتشكل عامل ضغط باتجاه تهجير هؤلاء اللاجئين من خلال خلق ظروف تستحيل فيها الحياة وتهيمن على معظم مخيمات ومجتمعات اللاجئين الفلسطينيين.

التوصيات:
– وعليه نوصي مختلف الأطراف المعنية بحقوق اللاجئين الفلسطينيين وفي مقدمتها الأطراف الفلسطينية الرسمية، والهيئات والأطر الشعبية ذات الصلة والتي تحظى برصيد وثقل في مجتمعات اللاجئين، وكذلك التشكيل والطيف الواسع من المؤسسات الأهلية العاملة بين اللاجئين، بالتحرك الجماعي باتجاه صياغة رؤية ومقاربة لمواجهة شاملة مع سياسات وكالة “أونروا”
من أجل الضغط عليها وإلزامها بمهامها وواجباتها التي تأسست لأجلها، ووقف توجهها المتسارع من أجل نزع حقوق اللاجئين في الخدمات الحيوية والتعليم والصحة والإمداد الطارئ والإغاثة والتشغيل، واستحضار رؤية تنموية لمجتمعات اللاجئين.

– القيام بحملة مساعي وجهود ضاغطة محليا ودوليا يعيد التأكيد على مسؤولية الأمم المتحدة عن مهام وكالة “أونروا”، بما يشمل استصدار قرار أممي بوضع موازنة ثابتة لـ “أونروا” كجزء من موازنة الأمم المتحدة.

– الموقف الفلسطيني الرسمي الذي تمثله دائرة شؤون اللاجئين برئيسها احمد أبو هولي الذي بات متهما بالتواطؤ مع أونروا، لدرجة استهدافه بشكل مباشر من الفعاليات الشعبية للاجئين في الضفة في مؤتمر صحفي قبل عدة أيام.
يشكل واجب على مختلف القوى السياسية لملئ هذا الفراغ، والتعويض عن هذا التخاذل الرسمي للسلطة والمنظمة، الملتزمة باتفاق أوسلو إزاء تهميش قضية اللاجئين، على اعتبار أن ما يجري هو سلوك سياسي ينتج عنه أثر سياسي واضح على قضية الفلسطينيين الرئيسية، ويمس أغلبيتهم المتمثلة باللاجئين، وهو ما يتطلب مواقف وتحركات سياسية من أعلى الهرم السياسي الرسمي والفصائلي.

– التعويض عن التخلي والتخاذل الرسمي للسلطة والمنظمة، بفتح خطوط اتصال وتواصل من أعلى هرم قيادات الفصائل مع الدول العربية المضيفة لجهة وضع خارطة طريق لمواجهة سياسات “أونروا” والأطراف المهيمنة عليها.
والحيلولة دون انسحاب “أونروا” تدريجيا من التزاماتها، بما له من ابعاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على قضية اللاجئين كما على الدول المضيفة.

*منقول بتصرف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com