الإسلام وأحزاب التجهيل والتقديس.. بكر أبوبكر

بناء على سؤال عميق من أحد الأساتذة الكرام حول الاسلام العظيم، وما يتعلق بالتنظيمات الإسلاموية واستغلال الكثير منها للدين لمصلحتها السياسية بعيدًا عن فهم الدعوة وأصالتها واقترابًا من الفكرة السلطوية والحصرية ضمن البوتقة الحزبية كان لنا الجواب التالي

 -فكرة الدعوة[1] للإسلام عامة هي فكرة المقصود بها التوجه الى المجتمعات غير الإسلامية، وعندما تنتقل الدعوة لداخل المجتمع المسلم (الإسلامي) فالمقصود بها تنقية العقائد، وإصلاح سلوكيات المجتمع، والتبيان للمتشككين بشأن ما، ومحاججة الخصوم،وليس تكفيره. والدعوة عامة تتخذ الأشكال الثلاثة (حكمة، موعظة، جدل) سواء للمسلم أو الكافر.

 -وليس الانطلاق من مسلّمة أو افتراضية تجهيل (ثم تكفير المجتمع) المسلم التي بدأها سيد قطب وانجرفت بها كل التنظيمات الاسلاموية المتطرفة التي خرجت من بطن “الاخوان” وعباءة فكر قطب التجهيلي للمجتمع (كتابه: معالم في الطريق، وشذرات له في كتابه: في ظلال القرآن).

-“الاخوان المسلمين” يخلطون الفكر الدعوي الثابت، مع العمل السياسي المتغير فتاهوا بين التقديس لفكرهم العقدي-السياسي مقابل التجهيل للآخرين، وبين قبول الآخر أو انكاره (معركة الفسطاطين/المعسكرين)، وبين اتهام الآخر بعقيدته أو مسلكه حتى لو اختلف معهم سياسيًا أي بالمتغيّر، مع تمايز اخوان المغرب الذين فصلوا الدعوي عن السياسي من زمن طويل.

-اختلف الاسلامويون المتطرفون فيمن يجوز إطلاق صفة المسلم عليه، داخل المجتمع (أي لم يعتمدوا صيغة المؤمن القوي والضعيف كما الحديث الشريف بمعنى مساحات تتسع للجميع بغض النظر عن مستوى ايمانهم، وربما ضعف بعض ممارسات طقوسهم وسلوكياتهم) فكان من شأن بعض الجماعات أن حكمت بتجهيل (ثم لاحقًا تكفير) المجتمع وتنزيه جماعتهم، ومنها من كفّر الحاكم أو توسع وكفّر السلطة أو أركانها خاصة أجهزة الأمن، وأحيانا مستوى معين فيها (كما حصل في مصر وكذلك في الانقلاب في غزة)، واعتبر المجتمع غير كافر بل جاهل.

 -وفي جميع الأحوال بدأ النظر يتخذ منحى تقديس الفكرة مطلقة الصواب، (الأيديولوجية المنبثقة عن الثابت الديني) وصانعها (الأمير، الزعيم، الإمام..)، ثم حاملها ثم حامليها أجمعين (الحزب/الجماعة) ما أدى لانقطاع فكري-نفسي، وعزلة ثم في أحيان أخرى انقطاع وعزلة مكانية تؤدي للهجرة بعيدًا عن أفراد المجتمع الأخرين.

-التيارات الاسلاموية المتطرفة بدأت في مصر أساسًا ومن بطن “الاخوان” وتوزعت ومارست العنف المسلح (صالح سرية، وشكري مصطفى، عبدالسلام فرج….) ثم حين انتقالها الى أفغانستان تلاقت الركائز الثلاثة

-الاخوان المسلمين الرسميين (الفلسطيني د.عبدالله عزام) والسلفي-القتالي السعودي (أسامة بن لادن) والاخواني المنشق ضمن تنظيم الجهاد في مصر د.ايمن الظواهري.

-عام 1978-1979 كان عاما حرجا وأساسيا بتاريخ التحول لدى جماعات التطرف الاسلاموي التي حكمتها 5 عوامل كالتالي وأثرت بها: 1- اتفاقية كامب ديفد و2-احتلال أفغانستان و3-انتصار الثورة الإيرانية و4-حادثة جهيمان باحتلال الحرم، وفي 5-ظل تصاعد التنافس الغربي الشرقي

-التقت الأنوية الثلاثة ودعمت مع الامريكان والباكستانيين “المقاومة الأفغانية” حتى انتصرت، ثم ما كان من أمر اجتياح جماعة طالبان لأفغانستان، وكان نشوء القاعدة (فكرة المجاهدين العرب ومكتب الخدمات بدأ مع عبدالله عزام، لكن القاعدة بمظهرها المعروف عام 1989م-1990م). حتى مقتل بن لادن عام 2011م

-اختلف أمراء القاعدة على التالي بعد تحرير أفغانستان بين 3 آراء أن التالي هو العدو الداخلي (السلطة والمجتمع-رأي الظواهري) أو ان العدو التالي هو العدو الخارجي (أمريكا-بن لادن) او من يشار له أنه قال بل فلسطين (عبدالله عزام) (رواية نبيل نعيم المنشق عليهم لاحقًا) فانتصر تيار بن لادن حتى غيرت غزوة 11/9/2000 الأمر وخاصة بعد مقتل ابن لادن ليصبح رأي الظواهري هو السائد.

-نشأت التيارات الاسلاموية صاحبة أولوية قتال العدو الداخلي بالتعاون مع الأمريكي أو بالاستخدام الأمريكي المباشر لهم. مع الزرقاوي وصولا لإبراهيم البدري السامرائي (أبوبكر البغدادي) مع تحالف ذيول البعث الناقمين على طردهم (بزعامة حجي بكر)، ومن مهاني السنة في ظل العنف الشيعي-الإيراني-العراقي والمدعوم أمريكيا أيضًا فنشأت “داعش”. وباعتقادي أحد أهم عوامل استخدامهم هو الانتقام الامريكي من فكرة الجهاد ضدهم (العدو الخارجي) بتحريض كل مكونات الأمة على بعضها البعض، ورعاية التطرف فيها لما يمكّن الأمريكي من الهيمنة على المنطقة وحماية “إسرائيل” وتسييدها وهو ما حصل لاحقًا.

-جذور الفكر المتطرف ابتعدت عن فكر “الاخوان المسلمين” الرسمي المنسوب لحسن البنا، بهذه المرحلة لأنها لم تجد سوى أدبيات قطب، (وعودة أحيانا للهندي الباكستاني-ابوالأعلى المودودي) وبعض أدبيات ضعيفة لإخوان مصر المنشقين، وكانت بحاجة للإيغال بالتطرف فعادت لكتب أمثال ابن قدامة وابن تيمية وغيرهم لتقوم بالاستناد اليها والتحوير والتغيير خاصة فيما كان من فكرة التترس (رمي الكفار وقتلهم بما يستتبع قتل أسارى المسلمين أو إصابتهم فيه نصر المسلمين وحفظ دينهم وديارهم، ونفوسهم وأموالهم وأعراضهم) لتصبح رمي السلطة أو الحكومة (المسلمة لكن الكافرة برأيهم) وما يستتبعه من قتل للمسلمين.

-وما كان من شأن استخدام (فتوى ماردين) لابن تيمية التي حوّرت لتجيز قتل الخارج عن الشريعة من المسلمين، وقيل أن بعض التنظيمات الجهادية استخدمت الفتوى الماردينية لتبرير عملياتها، من ضمنها اغتيال الرئيس المصري أنور السادات.

-عموما يمكننا الاطلال على فكر الاخوان المسلمين في كتابنا: طريق مغلق، الديمقراطية والتعبئة في التنظيمات الاسلاموية، كالتالي ملخصًا بنقاط

مضامين التعبئة الفكرية في “الاخوان المسلمين”

أولا : المظلومية والضحية

ثانيا: المؤامرة وعدم الاعتراف

ثالثا: القداسة والولاء

رابعا: مدرسة الفسطاطين

خامسا: التقية والتبرير

سادسا: خلط السياسي الحزبي بالدعوي العقدي

سابعا: الطاعة كالميت بين يدي المغسل

ثامنا: الممانعة والمقاومة

تاسعا: حاضنة للفكر المتطرف والتكفير

عاشرا: التميّز وعقلية العُصبة

-حاليًا تستخدم “حماس” الملامح السبعة الرئيسة التالية في حراكها وممارساتها[2]، وبشكل أساسي في تعبئتها الداخلية (الأيديولوجية-السياسية) وهي باختصار:

الملمح الأول: التضخيم والتهويل، والمبالغات

الملمح الثاني: الاستبعاد وعدم قبول الآخر

الملمح الثالث: الربانيون الرساليون في مواجهة الظَلَمة

الملمح الرابع: تأصيل الكراهية وتصدير الحقد

الملمح الخامس: السخرية والبذاءة

الملمح السادس: الكذب والدجل أوالتحريف

الملمح السابع: الايهام والايحاء والاسقاط.

الحاشية:

1(ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هِىَ أَحْسَنُ) النحل 125، وهي ثلاثة طرائق لأنواع ثلاثة من الناس : أولها : الحجّة المفيدة للعقائد اليقينية وذلك هو المسمّى بالحكمة (للمتقبلين)، وثانيها : الأمارات الظنّية وهي الموعظة الحسنة (للمتشككين)، وثالثها : الدلائل التي القصد منها إفحام الخصم وذلك هو الجَدل (للخصوم) . والآية تقتضي أن القرآن مشتمل على هذه الطرق الثلاثة من أساليب الدعوة، وأن الرسول إذا دعا الناس بغير القرآن من خطبه ومواعظه وإرشاده يسلك معهم هذه الطرق الثلاثة . وذلك كله بحسب ما يقتضيه المقام من معاني الكلام ومن أحوال المخاطبين من خاصّة وعامّة .

2لمراجعة كتاب بكر أبوبكر المعنون: طريق مغلق، الديمقراطية والتعبئة في التنظيمات الاسلاموية. وكتابه الآخر: أوعية الفكر الاسلاموي محاولة للفهم، والأقدم وهو: حركة حماس سيوف ومنابر.  

[1]  (ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هِىَ أَحْسَنُ) النحل 125، وهي ثلاثة طرائق لأنواع ثلاثة من الناس : أولها : الحجّة المفيدة للعقائد اليقينية وذلك هو المسمّى بالحكمة (للمتقبلين)، وثانيها : الأمارات الظنّية وهي الموعظة الحسنة (للمتشككين)، وثالثها : الدلائل التي القصد منها إفحام الخصم وذلك هو الجَدل (للخصوم) . والآية تقتضي أن القرآن مشتمل على هذه الطرق الثلاثة من أساليب الدعوة، وأن الرسول إذا دعا الناس بغير القرآن من خطبه ومواعظه وإرشاده يسلك معهم هذه الطرق الثلاثة . وذلك كله بحسب ما يقتضيه المقام من معاني الكلام ومن أحوال المخاطبين من خاصّة وعامّة .

[2] لمراجعة كتاب بكر أبوبكر المعنون: طريق مغلق، الديمقراطية والتعبئة في التنظيمات الاسلاموية. وكتابه الآخر: أوعية الفكر الاسلاموي محاولة للفهم، والأقدم وهو: حركة حماس سيوف ومنابر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com