ثلاثة أعوام على رحيل الحبيب.. جاك خزمو.. ستبقى ذكراك محفورة في قلوب المحبين
تمر الأيام وتطوي السنين صفحاتها، وتبقى ذكرى الخالدين محفورة في قلوب المحبين.. جاك خزمو.. علم من أعلام الصحافة الفلسطينية، سطع نجمه منذ سبعينيات القرن الماضي، وترعرع وتألق في عالم الإعلام والصحافة والعمل الوطني والسياسي.. مناضل فلسطيني عنيد، قاوم بقلمه أشرس احتلال عرفه التاريخ.. تحدى برفقة زوجته ورفيقة دربه الدكتورة /ندى الحايك خزمو الرقابة العسكرية الإسرائيلية وانتصر عليها.. قاوم الأزمات الواحدة تلو الأخرى واستطاع تخطيها بحكمة وحنكة المناضل.. خط بقلمه أسس وقواعد العمل الوطني والإعلامي الهادف، دافع عن قضية شعبه ووطنه، واستطاع بقلمه تجسيد معاناة ملايين الفلسطينيين الذين يقبعون تحت نير الاحتلال.. أحب شعبه ودافع عن قضاياه، وأحبه شعبه ولا يزال وسيبقى يحيي ذكراه.. كان فلسطيني الهوية، عربي الانتماء، دافع عن قضايا الأمة العربية، ولطالما نادى بالوحدة الوطنية الفلسطينية، والوحدة العربية- العربية، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ورغم صراعه الطويل مع المرض، إلا أنه لم يلق قلمه الذي كان بمثابة السلاح الذي يقاوم به كل المحن والصعاب.. غادر المناضل الكبير جاك خزمو عالمنا لينتقل إلى عالم آخر بجوار ربه..
امتزجت الفاجعة بالنكسة
في صبيحة يوم الجمعة الموافق 5/6/2020 انتقل الأستاذ جاك إلى الأمجاد السماوية بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر يناهز ألـ 69 عامًا، قضاها في طاعة الله والدفاع عن وطنه والقدس ومقدساتها، فكانت الفاجعة التي جاءت في يوم النكسة.. نكسة حزيران التي أضاعت ما تبقى من أرض فلسطين.
محطات من حياة الفقيد
ولد الأستاذ جاك خزمو في حارة الشرف بالبلدة القديمة في القدس عام 1951، وتلقى تعليمه في مدرسة مارتن لوثر الإعدادية في القدس القديمة، فيما حصل على شهادة الدبلوم من كلية بيرزيت عام 1971، وشهادة البكالوريوس في الكيمياء من الجامعة الأمريكية عام 1973.
وأسس خزمو واحدة من أهم المجلات الأدبية والسياسية في القدس آنذاك، إذ كان مناضلًا مناديًا بحق الصحافة الفلسطينية ووقف أمام الإجراءات العسكرية الإسرائيلية مطالبًا بحقوق الصحفيين وانتصر على الرقابة العسكرية في ساحات القضاء.
وأسس مجلة البيادر الأدبي التي ساهمت في إنشاء اتحاد الكتاب الفلسطينيين، وواجه المرحوم جاك خزمو قوات الاحتلال وقتها التي كانت تمنع تجمع أكثر من 10 أفراد.
ثم أسس مجلة “البيادر السياسي” وهي من أوائل المجلات السياسية التي صدرت في القدس بعد الاحتلال عام 1967 وهي أول مجلة أسبوعية، صدر العدد الأول منها في 1/4/1981.
وكانت توزع في جميع أنحاء فلسطين، والقاهرة وأوروبا، وأمريكا الشمالية، أما الآن فيقتصر توزيعها على فلسطين، واشتراكات سنوية (عبر البريد) إلى الجاليات الفلسطينية في معظم دول العالم، وتطل على العالم الخارجي أيضًا عبر موقعها الالكتروني.
الدكتورة ندى الحايك خزمو
رحلت يا مهجة قلبي.. رحلت يا توأم روحي.. رحلت يا رفيق دربي.. ونِعم الرفيق والزوج والأب والأخ والصديق..
نعم كنت كل هذا وأكثر وأكثر وأكثر …
كل الكلمات لا تكفي لأن تعبر عن مشاعر الحب والحنان والعواطف الجياشة التي أغدقتها عليّ وعلى بناتك وأحفادك وكل من هم حولك.. حنان لم أرَ مثيله عند أحد، به امتلكت قلوبنا وقلوب الناس.. وبفقدانك فقدنا ينبوع الحنان ومصدر الأمان.
أغدقت بحبك وحنانك على الجميع يا صاحب أعظم وأطيب قلب في الوجود.. فطيبتك كانت تتسع للكون، وقلبك الناصع البياض تفوق حتى على بياض الثلج، فلم ولن أرى له مثيلاً أبداً..
كنت تسعى دائمًا لرسم البسمة على شفتي وشفاه بناتك وعلى من حولك.. حتى وأنت تئن من شدة الألم ومن تبعات المرض الخبيث الذي أنهك جسدك، كانت ابتسامتك تسبقك إلى أي مكان.. تفرح القلوب وتهدئ النفوس وتثلج الصدور.
كنت تكره أن ترى دمعة على عيون بناتك، وكنت تقول دائمًا: أكثر شيء يؤلمني هو أن أرى دمعة على عيني إحدى بناتي.. فمن سيمسح دموعهن؟..
كنت شمس حياتنا والنور الذي تغلب على كل أحزاننا، فالحياة بك ومعك كانت أجمل ما في الكون.
رحلت في غفلة.. في لحظة.. فرغم مرضك لم نتوقع أنك سترحل بهذه السرعة.. أن ترحل وتترك وراءك قلوبًا معذبة تئن وتتوجع من شدة الألم والحزن والحسرة..
ألم رهيب لا تستطيع كل مسكنات الدنيا أن تخفف من حدته وشدته وفظاعته.. ولن تستطيع كل كلمات العزاء أن تخفف وطأته علينا.
رحلة من العمر مضت معك بأيامها ولياليها، عشناها معًا بحلوها ومرها.. فجميعها ذكريات لن أنساها أبدًا.
في تشييع جثمانك وفي بيت العزاء كنت أنظر من حولي بذهول وأنا أرى الجموع والوفود الكبيرة التي جاءت لتعزي، ولكن رغم ذلك فإنني حتى الآن لا أصدق أن الموت خطفك من بيننا وأبعدك عنا.
أرى الجموع تؤم بيت العزاء، فيمر في ذهني شريط عمرك المليء بحب الوطن وبالعطاء اللامتناهي، حتى حين اقتربت ساعة المنون كنت ما تزال تفكر في الوطن وماذا تكتب وماذا ستفعل وماذا ستقدم .
يقولون فارسًا ترجل.. فهل ترجلت يا أيها المناضل الصلب القوي الذي قطع عهدًا على نفسه منذ نعومة أظافره أن يخدم الوطن وأبناء شعبه بكل الحب والوفاء .. وعمل بكد وبكل قوته من أجل إعلاء صوت الحق عالياً، لا يبالي بكل الضغوطات والاحتلال والرقابة العسكرية والتهديدات التي كادت أن تودي بحياته وحياة أسرته مرارًا وتكرارًا ..
نعم خدم وطنه بكل ما أوتي من عزم وبإصرار وإرادة لا مثيل لها.. لم يتوان يومًا عن واجبه وظل يصارع لوحده ( نعم لوحده) من أجل إبقاء “مجلة البيادر” صوت الحق.. صوت الأسرى والمظلومين.. صوت القدس وأبنائها .. يقتطع من قوت يومه من أجل أن تستمر مسيرة المجلة ورسالتها..
نم قرير العين يا رفيق دربي لأني لن أتخاذل، وسأعمل بكل قوتي من أجل استمرار مسيرة البيادر، ومسيرتك يا أيها المناضل الذي كرس نفسه ووقته وحياته من أجل وطنه، ومن أجل قضيته، ومن أجل أن يُسمع صوت أبناء فلسطين عاليًا مدويًا إلى كل العالم.. والتاريخ لن ينسى تضحياتك وما قدمته للوطن، وستظل أعمالك خالدة مدى الدهر..
وللحديث بقية
سمى جاك خزمو:
أبي الحبيب: ستكون مذكراتك مرجع مهم في التاريخ العربي والفلسطيني..
جاك خزمو، أبي الحبيب، لست خسارة لي فقط كأب حنون وأحسن رجال العالم، الرحل الساحر الحنون صاحب الابتسامة الجميلة والعينين المعبرتين، وحس الفكاهة الذي جعله حبيب الجماهير وكل من يعرفه ماضيًا حاضرًا ومستقبلًا، بل الأسوأ من ذلك أنت خسارة كبيرة للحضارة والتاريخ الفلسطيني والعربي، فأنت علّامة وموسوعة تاريخية متنقلة، وستكون مذكراتك مرجع مهم في التاريخ العربي والفلسطيني. لقد خسرنا أب ورفيق وصديق وإعلامي وسياسي مخضرم اجتمع بمعظم السياسيين والقادة في العالم قاطبة، وكانت له بصمة بالدفاع عن القضية الفلسطينية بقلمه وأفكاره ونصائحه وتنبؤاته السياسية والاجتماعية. وتوحيد الصف الفلسطيني، حيث كان مبنى المجلة يجمع بين جميع قياديي فلسطين تحت سقف واحد.
الله يرحمك حبيبي بابا ♥️ يا أغلى الغوالي.
لمى جاك خزمو:
منذ ان أصبحت شخصًا مدركًا وواعيًا في هذه الحياة، وأنا أُعرف عن نفسي باسم (لمى جاك خزمو) اسمي الذي افتخر به دائمًا.. هذا الاسم الذي شاء الله ان يربطه بأكثر الأشخاص حنانًا وحبًا على هذه الأرض.. نعم فأنا احمل اسم أفضل الرجال، أحمل اسم صاحب كلمة الحق، وصاحب المواقف الوطنية المعروفة التي تشهد لها مسيرته النضالية.
من أروع اللحظات التي عشتها بحياتي عندما كنت اخرج بصحبة حبيبي وصديقي جاك الى شوارع القدس كشارع صلاح الدين وشارع الزهراء لنقوم معاً بجولات لشراء بعض حاجيات البيت.
واثناء سيرنا يستوقفنا كل بضع خطوات أشخاص لا أعرفهم لكنهم يأتون من بعيد بكلمات ترحيبية وعبارات اشتياق ووجوه مبتسمة ليسلموا على أبي وهم يقولون:(أستاذ جاك.. كيف انت؟.. زمان ما شفناك) وهنا تدور حوارات كثيرة منها سياسية واجتماعية يطلبون فيها رأيه وتحليلاته عن القدس واوضاعها.. وفي منتصف اللقاء يقول والدي: لم اعرفكم بابنتي لمى.. ففي هذه اللحظات يا سادة أشعر بالفخر لأن الله قد وهبني أبًا ربما لا تملكه فتيات كثيرات…أبًا تجتمع فيه كل صفات الرجولة والطيبة. والحنان والعطاء والمثالية. أًبا تتمنى أية ابنة أن يكون جاك خزمو والدها.
من أكثر المواقف التي أعيشها حتى يومنا هذا عندما أكون في أي مكان وبين اشخاص لا أعرفهم ويعلمون أني من عائلة خزمو.. فأول سؤال يواجهني ويُطرح عليّ (ماذا يقربك جاك خزمو؟) وبعد ان أخبرهم بكل فخر انه والدي أرى في أعينهم حبهم وتقديرهم واحترامهم له، واسمع منهم قصصًا جميلة ومؤثرة قد جمعتهم بأبي يومًا ما ، أو مواقف حلوة عاشوها معه في مراحل حياته المختلفة.
فذاك يقول لقد كنا جيرانًا منذ زمن بعيد في حارة اليهود نلعب معا في حوش البيت. واخر يقول: لقد تعلمنا معا في الجامعة الامريكية في بيروت. وآخر يقول: (جاك صاحب كلمة الحق ورئيس تحرير مجلة البيادر السياسي.) وفلان يقول من أفضل رؤوساء جمعية مار مرقص السريانية، والكثير الكثير من مؤسسات وجمعيات الوطن الكبير والقدس بشكل خاص وقصص ومواقف لا تنتهي كما هي ذكراه لن تمحى من حياتي انا وعائلتي وكذلك من ذاكرة الوطن.
ولكن ما يهمني انا أني سأظل طفلته وحبيبته وصديقته التي كان يشاركها اسمه وحياته وتاريخه وقصصه وآلامه وهمومه في جميع مراحل حياته وحتى عند اشتداد آلامه ومعاناته في آخر أيام حياته.. غمرنا بعطفه وحنانه ورعايته وحبه لي ولزوجي وطفلاتي حتى اخر رمق من حياته.
حبيبي جاك شكرًا لكونك كل حياتي.
دالة جاك خزمو
الجميع يعرف من هو جاك خزمو، الرجل السياسي والصحفي والمناضل، لكن اسمحوا لي اليوم ان اخبركم عن جاك خزمو الانسان والاب .
ابي هو مثال كبير للتضحية، تعلمت منه ان اعطي دون ان آخذ ، فأبي بالرغم من آلامه وأوجاعه أخفى عني حقيقة اصابته بالمرض اللعين كوني كنت اجهز لحفل زفافي، فهو لم يكن يريد ان ينتزع مني فرحة عمري، حتى انه اجل علاجه لبعد انتهاء الزفاف، استطيع ان اقول لكم انه نجح في ذلك.
كنت اتعجب ما هذه القوة التي كان يمتلكها والتي مكنته من أن يخفي أوجاعًا مؤلمة وقاتلة كهذه ونحن نعيش في منزل واحد، فأيقنت بعدها أن هناك ملاكًا كان يعيش بيننا .
طوال حياتي كنت أحلم أن أكون مشهورة ومحبوبة، وكأنه كان يعرف طموحاتي حتى قبل ولادتي فأسماني دالة مما يدل على الشهرة .
لا بل حقق لي حلمي، فكلما تعرفت على اناس جدد كان أول تساؤل لهم: هل اباك جاك؟ نعم وبكل فخر هو أبي فتنهال علي تعليقاتهم المليئة بالحب والتقدير لابي، نعم ابي انا مشهورة ومهمة لأنني قطعة منك.
في طفولتي كنت أرى إناسا يدخلون ويخرجون من مكتبه يدعون له بالصحة والسعادة، لم أكن أفهم لماذا، لكن عندما بدأت أكبر أيقنت انه لم يأتِ اليه أحد الا وخرج مرضيًا، فأبي كان رمزًا للعطاء ولكن بصمت.
كنت أرى صديقاتي وزميلاتي في المدرسة والجامعة يخفن من ابائهن فأتعجب، فانا لم اخف منه يوما، بل هو كان ملجئي واماني في اوقاتي الصعبة، حتى ان صديقاتي بدأن يغرن مني، نعم معهن كل الحق فابي جاك ليس مثل اي اب اخر .
ابي هو سندي ظهري صديقي، ابي هو من علمني حب الاخرين والشعور بآلامهم قبل فرحهم وهذا ما دفعني لدراسة الخدمة الاجتماعية والعمل بها .
ابي شكرا لأنك علمتني كل شيء واهم شيء ان اكون انسانة.
شكرا ابي لأنك حضنتني الحضن الاخير قبل موتك.. شكرا لأنك حتى وانت تمت خففت عني الام فقدانك، وكأنك كنت تعرف ان بعدها بدقائق سيكون هذا الحضن هو الاخير.
رحمك الله يا والدي الحبيب.
محمد المدهون
عرفت الأستاذ جاك/ منذ ما يزيد عن 18 عامًا.. عرفته إنسانًا قبل كل شئ، ووطنيًا مخلصًا لوطنه وقضيته.. دافع عن قضايا وهموم شعبه.. وتعرض خلال مسرته الإعلامية الطويلة التي امتدت لعدة عقود إلى الكثير من المضايقات والاضطهادات من قبل الاحتلال الإسرائيلي.. وبقي صامدًا في مدينته القدس مدافعًا عنها، رافضًا كل أساليب التهجير والتطفيش التي استخدمها الاحتلال بحقه وبحق أبناء شعبه، وبقي متشبثًا بأرض القدس الحبيبة.. مدافعًا عنها، ومطالبًا بإنصافها وحمايتها وحماية مقدساتها وأبنائها..”
عرفت الأستاذ جاك خلال سنين طويلة وهو يدافع عن الحق والمظلومين والمقهورين، ولم يتوان عن قول كلمة الحق دومًا.. سائلًا لله الرحمة للفقيد الغالي على قلوبنا، وأتقدم من زوجته وبناته وعائلته الكريمة ومحبيه بأحر التعازي والمواساة.. داعيًا الله أن يرحمه ويغفر له.
ثلاثة أعوام مضت وذكرى الحبيب جاك لا تزال محفورة في قلوبنا وستبقى كذلك، رحمك الله يا أستاذنا ومعلمنا وقائدنا.. وإننا على دربك لسائرون.