قراءة قرآنية في غزوة طوفان الأقصى

✍🏻محمد إبراهيم المدهون

غزوة طوفان الأقصى كانت فرقاناً بين الحق والباطل وامتداداً لهذه المعركة المستمرة حتى تحرير فلسطين حيث يمثل الشعب الفلسطيني رأس الحربة لمشروع الحق والمظلومية, في مواجهة العدوان البربري الصهيوني رأس الحربة لمشروع الباطل والشر (المشروع الغربي). قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم :13- 14]. والاحتلال الظالم يستقوى بالقوة المادية ظاناً أنها مصدر النصر (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت : 15]. والله توعدهم (الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يُحشرون). ورغم ذلك الله يقطع على نفسه عهداً بنصر المؤمنين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ) [النور: 55] ووراثة الأرض (الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128]

غزوة طوفان الأقصى حملت للفئة المؤمنة على طريق الحق معاني القران حين صرف الله عنها التهدئة فكانت ذات الشوكة (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ) [الأنفال : 7]. وتتحقق معية الله بالدعاء بملايين الأكف من المؤمنين في أرجاء المعمورة بألا تُهزم هذه الفئة. ويواسي الله تبارك وتعالى هذه الفئة بما قدمت من شهداء (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) [آل عمران: 140]. وأنه (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ) [آل عمران: 111]. وبما أصابها من امتحان (وإِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140]. ولذلك رفعت غزة في غزوة طوفان الأقصى شعار رسول الله صلى الله يوم أحد (لسنا سواء قتلاكم في النار وشهداؤنا في الجنة). وحدثت الزلزلة التي يميز الله فيها الخبيث من الطيب ويتحقق بعدها نصر الله (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب :10-11]. وتجسد شاخصاً قول الله تعالى (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب: 22]

غزوة طوفان الأقصى فرقانٌ بين الشعب الفلسطيني الذي أمده الله بقوة وصبر عجيب وسكب في قلبه رضا شديد بقضاء الله وتسليم مطلق لمشيئته وهو يودع خيرة شبابه شهداء في غزوة مباركة فكانت الطمأنينة والسكينة (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً) [الفتح: 4]. بينما قذف الرعب في قلوب العدوان رغم آلة الجبروت والدمار التي يقودها (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الأحزاب: 26]. وتجسد رعب المواجهة لدى جند الباطل في الميدان وكان حقاً (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ) [الحشر: 13].

وتجسد في غزوة طوفان الأقصى معاني القرآن حول حقيقة يهود (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ) [البقرة : 96]. حيث تجلى في كافة مواجهاتهم الحقيقية مع جند الله وهم يفرون من الموت ويصرخون متشبثين بحياة. فتجسد فيهم قوله تعالى (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) [الحشر: 14]. فشتت الله شملهم ومزق صفهم وجعلهم (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 53].

غزوة طوفان الأقصى فرقانٌ بين الإيمان والنفاق حين يلوم البعض بصوت خافت على المقاومة معلناً انتهاء التفاهمات وأن حماس وغزة جنت على نفسها وجلبت القتل والذبح (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ) [آل عمران : 156].
ويتوهم فريق النفاق أن أيامها معدودة وأن عليها أن ترفع الراية البيضاء سريعاً قبل أن يستفحل فيها القتل (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب :12- 13] وحين يسألوا لماذا لا تعلنوا برنامج مقاومة بعد فشل وموت أوسلو (وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا) [القصص : 57]. والناس في تقدير الموقف على فريقين (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ) [النساء: 88].

غزوة طوفان الأقصى كانت فرقاناً بين أصحاب الإعلام والسياسة وأصحاب القلم والتحليل الذين وقف فريق منهم مع الحق. ولكن برز فريق التطبيع الذين ابتلعوا ألسنتهم باعتبارهم أصدقاء للظلمة ال (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْل) [النساء :108]، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [البقرة :11]. أولئك الذين جسدوا قول الله تعالى (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً [18] أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ [19] [الأحزاب :18- 19].

غزوة طوفان الأقصى أظهرت فريقاً من الناس عن قصد حسن يستهويهم نقل الأخبار وإشاعة الأنباء دون تحقق من صدقها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات : 6]. والبعض يسعى لذلك قاصداً إشاعة الفتنة (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : 83]، (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة : 47]. هؤلاء وأولئك علينا الحذر منهم بالوعي والإيمان والحرب والاستئصال فهم الذين يقولون (وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) [هود : 91].

غزوة طوفان الأقصى حسمت الخيارات السياسية ولكن هناك فريق ما زال يتلظى بنيران الحيرة، ولا يحسم خياراته. وبقي معلقاً بين خيارات التنسيق المذل التي لا يؤمن بها وخيارات الشعب التي لا يستطيع الإقدام عليها وهؤلاء لا يؤمنون بقيادتهم ولا يملكون أمراً أمام سيف الراتب المسلط على رقابهم (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) [النساء: 143]. (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا) [النساء: 91].

غزوة طوفان الأقصى سينجلي غبارها بملحمة تاريخية عظيمة وقلب للطاولة وبعثرة لأوراق الاحتلال ومن دار معه وبثبات شعبي أسطوري وانتصار للدم على السيف وللكف على المخرز وبقوله تعالى (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين)َ [آل عمران : 139]. وستبدأ الحشود في العمل من أجل الإعداد لإعمار غزة بأموال عربية! وسيخرج ذات فريق النفاق ليقول أنه من المستحيل منح أموال الإعمار لحماس كي تقود عملية الإعمار(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا) [المنافقون : 7].

غزوة طوفان الأقصى بكل تجلياتها شكلت ملحمة خالدة واصطفافا متجلياً وافتراقا بين مرحلتين سنأخذ منها لمستقبلنا المشرق بالعز والكرامة والتحرير والعودة.
وإلى الملتقى مع غزوة قريبة سترسو سفينتها في الأقصى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com