التجريب الشعري في كتاب “سرّ الجملة الاسمية”/رائد الحواري| فلسطين

الكاتب الجيد هو الذي يقدم ما هو جديد، ويفتح الأبواب أمام المتلقي لنهل المزيد من المعارف. اللافت في هذا الكتاب (اكتشاف) “فراس حج محمد” لأهمية الجملة الاسمية ومكانتها في الأدب، ففي بداية الكتاب يؤسس لهذه المعرفة بقوله: “واستطاعت الجملة الاسمية أن تتخلى عن الفعل تماما، ليس في “إنتاج جملة واحدة، أو عدة جمل متقطعة، بل بناء نصوص كاملة المعنى والفكرة، في حين لم تستطع الجملة الفعلية أن تتخلى عن الاسم ووجوده، بل أن وجوده شرط أساسي في تحقيق مفهوم الجملة، كتركيب لغوي له معنى، وهذا المعنى لا يتحقق  دون وجود الاسم، منطوقا، أو ضميرا، أو مستترا، متصورا ذهنيا” ص20، ضمن هذا الاكتشاف يتم البناء في كتاب “سر الجملة الاسمية”.

ثم يقدم مجموعة نماذج من الشعر والنثر حول هذا الأمر، مبينا أن كل من كتب بالجملة الاسمية لم يعِ أنه كان يكتب ويؤسس لأهمية الجملة الاسمية في الأدب، حتى أنه ينقل حديث جرى مع الشاعر “سامح أبو هنود” الذي كتب بالجملة الاسمية دون أن يقصد، وكما يستشهد بالعديد ممن كتب بالجملة الاسمية، منهم: خالد جمعة، مادونا عسكر، راشد عيسى، أمينة عبد الله، نزار قباني، إيهاب الشلبي، حافظ إبراهيم، أحمد فؤاد نجم، محمود عيسى موسى، ومحمود درويش الذي يعتبره الشاعر الباعث على هذا الاكتشاف من خلال ما جاء في ديوان “حصار لمدائح البحر”، وقصيدة “هي جملة اسمية” ثم يقدم ما كتبه في هذا المضمار، آخذا تعليقات ومداخلات القراء حول ما كتبه في الجملة الاسمية، فينقل مداخلة “مادونا عسكر” وما كتبه الشاعر “رضا السبوعي” على مداخلتها، كما ينقل مداخلة “أمينة حسين” وما كتبه “رائد الحواري”.

 وبهذا يكون الناقد قد قرن رؤيته للجملة الاسمية من كافة الجوانب، كشرح نظري، نماذج أدبية، (لقاءات) مع من كتب الجملة الاسمية، مداخلات القراء على الجملة الاسمية، هذا ملخص الجزء الأول من الكتاب.

الجزء الثاني من الكتاب هو ديوان “هي جملة اسمية” وهو مجموعة قصائد جاءت دون أفعال، ففي الديوان يؤكد الشاعر “فراس حج محمد” على أن أي شاعر عندما يريد أن يكتب شيئا جديدا يستطع ذلك، وكل ما يحتاجه هو الإصرار والإرادة، وهذه ليست المرة الأولى التي يخصص فيها الشاعر كتاباً/ ديواناً بموضوع واحد، فهناك ديوان كامل متعلق بالمرأة: “أميرة الوجد” وكتاب متعلق بحرف الفاء: “الإصحاح الأول لحرف الفاء”  وكتاب كامل متعلق بالقهوة “طقوس للقهوة المرة” وكتاب متعلق بالنساء “نسوة في المدينة” وديوان متعلق بالحب “الحب أن” وهذا ما يجعل “فراس حج محمد” متعدد المواهب والقدرات، بحيث يجيد الكتابة وبغزارة في أي موضوع يريده.

بداية ننوه إلى أن عناصر الفرح/ التخفيف التي يلجأ إليها الشعراء/ الأدباء تتمثل في المرأة، الطبيعة، الكتابة، التمرد، فهذه المواضيع/ العناصر تعد إحدى وسائل الراحة/ الهدوء التي تحرر الشاعر/ الأديب من قسوة الواقع وبؤس الحال، وهذا ما أكده “فراس حج محمد” في ديوانه: “هي جملة اسمية” فهو يتناول المرأة بصور عديدة، حتى أنه يمجدها وكأنه ربة: يقول عنها:

“(22)

صباحك عنبري الحال

بلاغي النهي في طرفة دنف

سحابي شفيف م النسائم ألطف

منعش ثمل الكؤوس في ابتهاج شفف

صباحك مترف ترف

مخملي الروح في الهوى لهف

جملة شعرية شقراء

جديلة شعرها من نهرها ذرف

صباحك قبلة وعباءة ملتفة حمراء

 والجسم معترف” (157-158)

نلاحظ أن المرأة أوجدت الطبيعة: “صباحك (مكرر ثلاث مرات، وهذا يعطيها القدسية) سحابي، النسائم” وأوجدت الكتابة/ القصيدة: “بلاغي، جملة، شعرية” والتمرد نجده في “ثمل الكؤوس” وبهذا تكون المرأة هي الباعث والمُوجد لكل ما هو مفرح وجميل.

 وإذا ما توقفنا عند بعض الألفاظ المجردة سنجدها متكاملة ومتواصلة: “النسائم/ منعش، شعرية/ شقراء/ شعرها” وهذا ما يجعل القصيدة موحدة في موضوعها/ فكرتها وألفاظها.

الشاعر في غالبية ما كتب تحدث عن حرف الفاء، وفي “هي الجملة الاسمية” كتب عن حرف الفاء وأثره عليه:

“(32)

هي كل شيء هنا

الفعل والحرف البهي

الاسم والصورة

متن الكتاب، الشرح

العامل الثري النقي الكلام الفلسفي النخبوي

الجدة القصوى من التأويل والدهشة

فاء، ألف، طاء، ميم

تاء الوجد، نون الأبجدية

انبلاج غموضها بوضوحه

حد انصهار اللفظ في سرج الغمام

لحن وموسيقى..

ورفّ وارف الأحلام في لغة الحمام” (166)

عندما بدأ الشاعر المقطع بالضمير “هي” أكد قوة حضورها الذي نجده في “هنا” وكل الأشياء الجميلة: “البهي، الثري، النقي، النخبوي، انبلاج، لحن موسيقي” كما نجدها في الطبيعة من خلال: “الغمام، الحمام” وفي الكتابة: “الحرف، الكتاب، اللفظ، لغة” وهذا يشير إلى أن الشاعر ينظر إلى المرأة بطريقة استثنائية، فهي سبب فرحه، وما تغنيه بـ: “فاء، ألف، طاء، ميم، تاء” إلا ناتج عن هذه الروية والأثر الذي يتركه فيه.

وإذا ما توقفنا عند ذروة الفرح في “لحن وموسيقى” نجدها جاءت بعد حروف اسمها التي أسرت الشاعر بحيث انعكست عليه من خلال لفاظي: “ورف وارف” وهذا يقودنا إلى اسم الشاعر الذي يبدأ بحرف الفاء كاسمها، فنصل إلى فكرة التوحد الذي يريده “فراس” معها وبها.

يتناول الشاعر المرأة بأكثر من جانب، الجانب الجسدي والجانب الروحي/ العاطفي، فعندما يتناولها كجسد نجد (المادة) طاغية:

“(30)

لي منها كلها

من أسفل أسفلها

حتى أعلى علوها

من وسطها

من خلفها وأمامها

من كلا جانبيها

من فكرة في رأسها” (163)

دائما الوصف المادي لا يثير المتلقي، لما فيه من جمود، فألفاظ: “أسفل، أعلى، خلفها، أمامها، جانبيها، رأسها” لا جمالية فيها، وهي أقرب إلى الصورة العادية، حتى أن مقاطع قاسية: ” أسفل أسفلها، فكرة في رأسها” فهذا التملك فيه من العبودية ما يجعل المتلقي يمتعض من هذه الرؤية لجسد المرأة. بينهما عندما يتحدث عن الروح/ العاطفة/ الحب نجده يهيم في عالم من الجمال:

“(31)

ولي فيها مآرب أخرى

إعجابها

نظراتها

زهوتها

إشراق طلعتها

صورتها في حلو جلوتها

لي فيها روحها” (165)

فهنا الألفاظ ناعمة وهادئة، تريح المتلقي، كما توصل له صورة أثر المرأة الجميل والممتع، مما جعله ينسجم مع المقطع مستمعا بهذا الحب النقي.

عندما يستخدم الشاعر صيغة المثنى فهذا يحمل بين ثناياه فكرة التلاقي/ التزاوج/ الجمع بينهما، من هنا نجد الشاعر يستخدم صيغة المثنى في مقطعين (13، 101):

“(13)

خداك أندى وردتين

شفتاك أنظر جملة في قبلتين

نهداك أغنيتان حالمتان في عزف اليدين

عيناك ليلتان وشهوتان

بريق كلتا النظرتين

نهران في ذات المصبّ

ألف ونون الفخذتين” ص150.

نلاحظ العديد من الألفاظ التي تشير إلى المثنى، منها ما هو متعلق بجسد المرأة: “خداك، ، شفتاك، قبلتين، نهداك، حالمتان، اليدين، عيناك، ليلتان، شهوتان، النظرتان، نهران، الفخذتين” ومنها ما هو متعلق بجمالها: “وردتين، أغنيتان”  وأخرى متعلقة بما يريده الشاعر: “شهوتان، نهران” وبهذا يكون الشاعر قد تناول جمال المرأة كسجد، كروح/ كعاطفة، وأثر هذا الجمال عليه.

إذا ما تقدمنا من النصوص الدينية القديمة، سنجد أن السوري القديم مجد “أنانا/ عشتار” وتغنى بها وبخصبها، فراس حج محمد يقدمنا من هذا التمجيد في هذا المقطع:

” (11)

ثدياك لؤلؤتان ممتنان

منتصبتان

استعارتان مكتملان في الشهوة

مثلثك المعرق

عند المجمع المائي

متقد، غريق، سائل

في بحر من النشوة

مثل مهابة الإشراق

مغسول في نهر الحياة

من أقصى السفوح المائجات إلى أعلى من الذروة

هنا فيض هنا وصل

وأغنية

مشارفك اللذيذة أحرف مولودة

في غمر القوة

وحيٌ شهيّ السِّفْر

بدئي التوله آيات من السطوة” (147-148).

هذا المقطع يقودنا إلى ما كتبه السوري القديم عن عشتار:

“الحمد لعشتار، لأشد الإلهات رهبة

التي ترفل باللذة والحب

المفعمة بالحيوية والسحر والرغبة

عشتار التي ترفل باللذة والحب

المفعمة بالحيوية والسحر والرغبة

حلوة الشفتين وفي فمها يكمن سر الحياة

يا من بظهورها يكتمل السرور

ذات الجلال والحجاب

قوامها جميل وعيناها مشرقتان

ومن نظراتها تنبعث الفرحة والعظمة والطمأنينة

الرحيمة الودودة التي تتصف بالرضا

وتصون المرأة: أمة وحرة ووافدة”

(عشتار ومأساة تموز، فاضل عبد الواحد، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1986، ص 46-47).

إذا ما قارنا بين المقاطع السابقة وما جاء عن عشتار، سنجد التلاقي في أكثر من حالة، الفكرة وما هو متعلق بالمرأة: الجمال الجسدي، الجمال الروحي، العاطفة والحب، الطبيعة، الخصب والنماء، الحياة المقرونة باللذة والمتعة، واللغة والشكل الذي عُبر به عن  المرأة/ عشتار، صيغة المثنى، التكرار، معني الألفاظ، التغني وتمجيد كل ما في المرأة/ في عشتار.

إذاً، هناك تلاقٍ في الفكرة بين ما كتبه “فراس” الحديث والمعاصر، وبين ما كتبه السوري قبل أكثر من أربعة آلاف عام، وتلاقٍ في اللغة والأدوات/ الشكل الذي عُبر به عن الفكر، وهذا يقودنا إلى طرح سؤال: هل هذا التلاقي صدفة أم مقصود؟

إذا عدنا إلى ما كتب من نصوص أدبية معاصرة شعر/ نثر سنجد أن العديد من الأدباء والشعراء كتبوا بالروح ذاتها التي كُتب بها أسلافنا القدماء، وهذا يعود إلى أن البيئة/ الجغرافيا/ المجتمع هو استمرار للماضي، من هنا نجد هذا التلاقي والتماثل في الفكرة والأداة/ الشكل الذي يقم فيه الأدب.

والآن نتوقف قليلا عند ما جاء في المقطع المعاصر، فنجد صيغة المثنى في: “ثدياك، لؤلؤتان، ممتنان، منتصبان، استعارتان، مكتملان” وهذا يشير إلى الرغبة في اللقاء والتمع بجمال الجسد وما فيه.

ونجد شكلاً آخر لصيغة المثنى من خلال تكرار الحروف في ألفاظ: “لؤلؤتان، مثلثك، اللذيذة” وهذا يقودنا إلى العقل الباطن للشاعر الذي يتماهى عقله الواعي مع عقله الباطن، مما جعله يستخدم ألفاظا تؤكد رغبته باللقاء، مما جعل شكل اللفظ المجرد يخدم الفكرة التي يريد تقديمها.

كما أن التكامل والتواصل في معاني الألفاظ يسهل وصول الفكرة للمتلقي: “الشهوة/ مثلثك، مثلثك/ المائي، المائي/ متقد، متقد/ غريق، غريق/ سائل، سائل/ بحر” هذه الطريقة في تقديم الفكرة تجعل النص موحداً ومنسجماً، مما ينعكس أثره إيجابيا على المتلقي الذي يستمع ويتماهي مع النص.

هناك قافية تدفع القارئ/ المستمع ليتوقف عندها، كما هو الحال في الراء، الشاعر يستخدم قافية الراء في ثلاثة مواضع “4، 17، 94” سنأخذ المقطع الأخير كنموذج لهذا التوقف/ التأمل:

“(94)

وحبيبتي فلاحة… فيها الهوى أطهر

بحروف قصتها

فرع جديلة أخضر

معروفة عراقة

مد الفضا بعذوبة الكوثر” (216).

عندما يستمع المتلقي لألفاظ “أطهر، أخضر، الكوثر” إيقاع حرف الراء يدفعه ليتوقف، وهذا يعود إلى ارتباط اللفظ بالمعنى وبالحرف، فالكلام الذي تحمله “أطهر، أخضر، الكوثر” بحاجة إلى وقفة من المتلقي يعبر به عن احترامه لها، فمكانتها هائلة وليست عادية.

وإذا علمنا أنها متعلقة بالمرأة، نصل إلى القدسية/ الهالة التي تكللها، فكما توقفنا عن الألفاظ المتعلقة بها، علينا التوقف عند المرأة/ الإنسانية، وبهذا يكون الشاعر قد أوصل فكرة احترام المرأة بأكثر من طريقة/ شكل/ وسيلة.

أنقى الألوان هو الأبيض، فهو الذي يمنح السكينة للمشاهد، يتناول الشاعر اللون الأبيض في مقطعين “83، 86”:

“(86)

كل شيء أبيض حتى حبر الليل أبيض

مثل وصل الحب أبيض

في صفحة الجسم الوردية الزهراء خيط أبيض في النهر

أبيض

صوتك المجبول بالآه اللذيذ أبيض

ورسم الضحكة البيضاء

والنور في الآفاق وحي حامل الكلمات أبيض” (210).

إذا ما توقفنا عند هذا المقطع سنجد مجموعة ألوان: الأبيض، الحبر/ الأزرق، الوردية، الزهراء/ الزهري، الآفاق/ تداخل الألوان وتمازجها” لكن الشاعر يراها بيضاء، بمعنى النقاء والصفاء والجمال.

هذا على صعيد فكرة الألوان، لكن الألوان عند الشاعر متعلقة بلقاء المرأة: “حبر الليل، وصل الحب، الجسم الوردي، صوتك المجبول بالآه” فرغم أن اللقاء متعلق بالجسد وما فيه من نشوة، إلا أن طريقة تقديم هذا اللقاء جاءت بصور أدبية تثير المتقي أدبيا أكثر منه جسديا، وما وجود الطبيعة: “الليل، الوردية، النهر، النور، الآفاق” إلا من باب التمتع بالجمال المجرد، البعيد عن الجسد.

ما تناولته آنفا، يتحدث عنه الشاعر، ويبين ما في “سر الجملة الاسمية” من أفكار/ مضامين، والطريقة والشكل الذي قدم به، وذلك في مقطعي “70، 71”:

“(70)

أمقدس هذا الكتاب؟

منذ الفاتحة الأولى إلى السطر الأخير

فيه شيء ناعم وحينا قلق

فيه عهن وتراب وأشواك

حجر

فيه شمس وطقوس وبشر

فيه نور خافت

جسد

قعر

فيه طيف من خيال ولغة

أمراوغ هذا الكتاب إذن؟

أمدنس كأجنحة الغراب

يداه قائمتان في قعر سقر؟” (196)

فهنا يؤكد الشاعر الطريقة/ الشكل/ اللغة/ الأسلوب الذي قدم به كتاب “سر الجملة الاسمية” فهو كتاب يؤسس لمدرسة جديدة “الجملة الاسمية” وما فيها من جمال/ عظمة/ مجد لا تقدر عليه الجملة الفعلية، وبما أن الكتاب جديد ونظري، ويحتاج إلى مزيد من الدعم من الكتاب/ الشعراء، فقد أوجب ذلك استخدام ألفاظ شديدة: “قلق، عهن، حجر” وما الأسئلة التي طرحها: “أمقدس، أمراوغ، أمدنس” إلا إشارة إلى (خوف) الناقد من أن لا يكون موفقا في رؤيته للجملة الأسمية، فهو (مرتبك/ متردد) وهذا أظهره من خلال التناقض بين “أمقدس، أمدنس” وقد أكد هذا الارتباك/ التردد حينما استخدم “أمراوغ” بهذا يكون الناقد قد تحدث عن الجزء الأول من الكتاب وما فيه من طرح جديد يحتاج إلى توقف القراء والمختصين بشأن ما جاء في “الجملة الاسمية.

 أما في يتعلق بالديوان “هي جملة اسمية” ستوضح ما جاء فيه من خلال:

“(71)

صديقي كائن لطيف مثل تلك الشجرة

كائن لغوي ذو بسمة خفرة

عاشق لقهوة امرأة هي مثله

خلوده المطهرة

له ولها قلب النبي وحكمة مسطرة

صديقي مثل هذي الأرض

عنوانه سمرتها

شقائق النعمان في مد حضرتها

بساطة الألوان في فستانها

أو طعم ثمرتها

بخصلة شعرها المنثور

بقامة منسقة

صديقي غارق في جملتين

بعيدتين في التأويل

بين يديه أغنيتان بلحن السحرة” ص197.

أعتقد أن المقصود بصديقي هو ديوان “هي جملة اسمية” من هنا تم الحديث عنه: “كائن لغوي، غارق في جملتين” وبما أن الشاعر تناول المرأة بشغف فقد وضح هذا الأمر من خلال: “عاشق لقهوة امرأة” كما نجد الطبيعية التي كانت حاضرة وبقوة: “هذي الأرض” وكما تناول الألوان في موضعين، ها هو يشير إلى هذا الأمر: “الألوان”.

إذاً، الشاعر يكشف ما جاء في الديوان من خلال هذا المقطع، وبما أن فكرة التماهي مع المرأة كانت حاضرة في الديوان، فقد أشار إلى هذا الأمر من خلال جمع المذكر مع المؤنث: “صديقي/ شجرة/ جملتين، لغوي/ خفرة، عاشق/ امرأة، له/ لها، عنوانه/ سمرتها، النعمان/ حضرتها، الألوان/ ثمرتها، السحرة/ أغنيتان” وبهذا يكون الشاعر قد أوضح ما يريده في “سر الجملة الاسمية” نظريا وتطبيقيا.

يختم الشاعر الديوان بحمد لله الذي باب فتح العلم له فأنتج هذا الكاتب بقسميه النظري والتطبيقي:

الحمد لله هذا العلم والقلم

                نور البصيرة أسرار الهدى حكم

في كل شيء بعين الله ناظمة

                فجر جلىٌّ لقلب دفقه كلم

باسم عَلِيٍّ بفيض الله قدرته

                باد بعليائه بدء ومختتم” (222)

اللافت في خاتمة الديوان أنها تتناول حالة إيمانية، من هنا تم ذكر الله جل جلاله ثلاث مرات، وفي كل بيت، وهذا له علاقة بقدسية رقم ثلاث وما يحمله من فكرة دينية.

ونلاحظ عدم وجود أي لفظ مؤنث في الخاتمة، وهذا يشير إلى أن الموضوع/ الفكرة/ المقام لا يسمح بوجود أنثى، فهو متعلق بإيمان الشاعر وبمنّ الله وفضله عليه.

===========

* الديوان من منشورات الرقيمة، القدس، فلسطين، الطبعة الأولى، 2023.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com