المؤسسة العسكرية الجزائرية في عين الإعصار./ عميرة أيسر- كاتب جزائري.

تتعرض المؤسسة العسكرية التي تعتبر الحامي والمدافع والحصن الحصين للدفاع عن الجزائر،  لحملة شرسة من طرف بعض الأبواق والخونة والعملاء المحسوبين على أجهزة استخبارات أجنبية أو دول أو منظمات ومنظومات ارهابية راديكالية، عملت ولا تزال على ضرب أمن واستقرار الوطن، خاصة بعد أن أعلنت القيادة العسكرية عزمها على التصدي لكل المحاولات التي يقوم بها الكيان الصهيوني والمخابرات المغربية ومن يدور في فلكها، لفصل منطقة القبائل والصحراء الكبرى عن جسد الدولة الجزائرية، وبعد أن بدأت الجزائر في الاعتماد على الصناعات العسكرية المحلية في خفض  معدلات استيراد الأسلحة من الدول الحليفة والصديقة، فبرنامج التسلح الجزائري، خاصة  الصاروخي أصبح ينشر الهلع والخوف والرعب في نفوس الكثير من أعداء الوطن،   لأن امتلاك الجيش الجزائري لتقنيات صناعة الأسلحة المتطورة والحديثة، وكذا الشراكة مع دول وشركات لها خبرة واسعة وسمعة عالمية في تطويرها لأهم أنواع العتاد الحربي والعسكري، يجعل من الجيش الوطني الشعبي، بالإضافة للاحترافية العالية التي يتمتع بها وخاصة بعد أن أصبحت دول جيوش دول عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية تستفيد من خبرات هذا الجيش في مكافحة الارهاب بعد أحداث 11سبتمبر/أيلول 2001م، التي أكدت للمجتمع الدولي بأن وجهة النظر الجزائرية حول ظاهرة الارهاب قد أصابت كبدة الحقيقة، وهذا ما دفع واشنطن لتعزيز علاقاتها السّياسية والعسكرية والاستخباراتية مع الجزائر، لأن واشنطن تعتبرها شريك مهم وموثوق في مكافحة الارهاب، وستؤدي على الأرجح دوراً رئيسياً في منطقة الساحل، حيث يزداد نشاط الجماعات الإرهابية بشكل كبير، مما دفع الجزائر لزيادة ميزانيتها المقترحة للعام الماضي للإنفاق الدفاعي، وتصل هذه النسبة إلى 130 بالمئة تقريباً، لذلك ستكون لديها قدرة كبيرة على لعب هذا الدور، بالمقابل فإن عدم تحقيق الاستقرار الداخلي سيؤدي لإضعاف فعالية الدولة الوطنية في مهمات الأمن القومي، لذلك يجب أن تعزز واشنطن من انخراطها الاقتصادي والسياسي في هذا البلد، ولن تتمكن الجزائر على الأرجح من الحفاظ على وضعها المالي القوي دون التقليل من اعتمادها على الهيدروكربونات، ومع ذلك فشلت الجزائر حتى الأن في جهودها لتحقيق التنويع الاقتصادي، كما أن عملية تنقيبها على احتياطات ضخمة من الزيت الصخري لم تؤت ثمارها، ولا تشكل الإصلاحات القانونية الأخيرة لتشجيع الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة سوى خطوة صغيرة نحو الابتعاد عن سيطرة الدولة الكبيرة على الاقتصاد. كما ذكر موقع the Washington institution for wear east policy، بتاريخ 15ديسمبر/كانون الأول 2022م، في مقال بعنوان( تعزيز العلاقات الأمريكية الجزائرية وسط انعقاد قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا ).

وبالرغم من كل الانتكاسات الاقتصادية والدبلوماسية التي عرفتها البلاد في السنوات الفارطة نتيجة غياب الرؤية الاستراتيجية الثاقبة في الكثير من الملفات الدولية الحاسمة، وهذا ما انعكس سلباً على قبول الجزائر في منظمة البريكس، أو تراجع الترتيب الوطني بالنسبة لتصنيفات المؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى، وهذا ما أدى لانكماش الاستثمار الأجنبي المباشر في النصف الأول من 2024م، إذ بلغ 403 مليون دولار مقابل 504 مليون ودولار، من الفترة ذاتها من العام الماضي، ولم تنجح كل الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال حسب التقارير الدولية الصادرة عن الهيئات الأممية في تنويع الاقتصاد الجزائري الذي لا يزال يعتمد على المحروقات وقطاع الطاقة في ضمان تحريك عجلة التنمية الاقتصادية في ظل غياب مخطط وطني استراتيجي شامل للنهوض بالقطاع الاقتصادي وتوسيعه، إذ أن الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد، قد انخفض تدريجياً من 2.3 مليار دولار في سنة 2010م، إلى 1.38 مليار دولار في 2019م، حتى أنه تم تسجيل سحب الاستثمارات في عام 2015م، بعد الصدمة النفطية عام 2014م، ثم تراجع العديد من الاستثمارات في مجال المحروقات. كما ذكر موقع الجزائر Ultraبتاريخ 19 جانفي/يناير 2022م، في مقال بعنوان ( تدفق الاستثمار الأجنبي إلى الجزائر……الأسباب والحلول ؟)

الوضع الاقتصادي الغير مستقر الذي عرفته البلاد أدى لانتشار حالة من السخط والتذمر لدى شرائح واسعة من المجتمع، رغم الزيادات في الأجور ومنح المتقاعدين التي أقرتها الحكومة مؤخراً، فانهيار العملة الوطنية والقدرة الشرائية للمواطن، وعجز السّياسة الاقتصادية الحالية في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية، ستكون لها تداعيات سلبية على الأمن القومي للدولة مستقبلاً، ان لم تتخذ السلطة اجراءات فورية وعاجلة للتعامل معها، ومحاولة إيجاد حلول علمية مبنية على نظرة اقتصادية استشرافية في ظل ازدياد النزعة العرقية الانفصالية لدى العديد من المكونات الدينية والانفصالية،  في دول الإقليم الجغرافي، كحركة تحرير ازواد الانفصالية في شمال مالي التي تريد فصل منطقة الجنوب الكبير عن الدولة الجزائرية، فمنطقة الساحل والصحراء الكبرى التي هي خليط عرقي وثقافي وديني متجانس، من قبائل العرب والتوبو والصغاني والمبماره وخاصة الطوارق، بدأت بعض القوى الاستعمارية التقليدية في المنطقة كفرنسا في استمالة، بعض قياداتها السّياسية والعسكرية وخاصة في النيجر ومالي، من أجل دفعها لضرب المصالح الجزائرية في تلك الدول، أو دعم الحركات الإرهابية في الجنوب الجزائري  مستغلة في ذلك غياب التنمية لدى العديد من الولايات الجنوبية التي تعاني التهميش والإقصاء منذ الاستقلال، والتي تحولت لقنابل موقوتة، قد تنفجر في أية لحظة، فالجيش الجزائري مستهدف من طرف العديد من الأطراف في الإقليم المنزعجة من مواقف الجزائر في الملف  الليبي ودعمها للوحدة الوطنية ورفضها التام للتواجد العسكري في تلك الدولة، وفي الدول المجاورة، بالإضافة لدعمها اللامشروط لحق الشعوب في تقريرها ودفاعها عن القضية الفلسطينية وتحقيقها انجازات ومكتسبات دبلوماسية تحسب لها في هذا الملف بالتحديد، لذلك على القيادتين السّياسية والعسكرية تنسيق الجهود من أجل رسم سياسة جيواستراتيجية بعيدة المدى تراعي التوازنات العسكرية والاقتصادية والاثنية في منطقة شمال أفريقيا والصحراء الكبرى، وايحاد حلول سريعة وعاجلة لكل المشاكل الاجتماعية والسّياسة الداخلية، وتغليب لغة العقل والحوار والمنطق على لغة القوة والعنف، لأن البلاد على فوهة بركان والحفاظ على السّلم الاجتماعي يجب أن تكون أولوية قصوى في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ الدولة الجزائرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com