اعتذار.. أحمد أبو ارتيمة

نعم أعتذر ولا أجد حرجاً في ذلك
أعتذر عن كثير من قناعاتي في العامين الأخيرين التي تبين لي أنها كانت مبنيةً على عاطفة لا على حكمة في التقدير السياسي..
كثير من القناعات بنيتها على فرضية أن صاحب الحق سينتصر بمعجزة خارقة دون اعتبار لموازين القوى ولقوانين السياسة والاجتماع..
بنيت هذه القناعة مثلي مثل كثيرين على التربية النمطية التي شربتنا مفاهيم من قبيل المفاصلة والولاء والبراء والحسم والمفارقة مع الجاهلية لكن ما تبين لي لاحقاً أن الحياة أعقد من ذلك بكثير وأن ظنك أنك صاحب حق لا يعني أنك ستنتصر دون اعتبار لموازين القوى ولطبيعة المعادلات السياسية والأوضاع الإقليمية والدولية
تبين لي أن امتلاك الحق المبدئي لا يخولك حق إعلان الحرب وفتح الجبهات مع العالمين وأن من يصدم رأسه بالجدار فإن رأسه هو الذي يتحطم وليس الجدار..
تبين لي أن الانتصار والتمكين يكون بمراكمة النقاط والتدرج السلس وليس بالضربة الحاسمة والقفزة الهائلة.
تبين لي أن السياسة لا تقوم على حق وباطل وإيمان وكفر إنما تقوم على علاقات قوى ومصالح وأن العمل في حقل السياسة هو التشبيك مع القوى المختلفة بما يحقق المصالح المشتركة ويقلل المفاسد والأضرار..
تبين لي أن المغامرات غير المحسوبة والمواجهات غير المتكافئة هي ضرب من الجنون وأن مفاهيم التضحية والشهادة ليست أكثر من انتحار إن انتزعت من سياقها ولم تراع فقه المآلات وطبيعة المرحلة والإمكانات المتاحة..
تبين لي أن الحكمة تقتضي أن ننحني أمام العاصفة حتى لا تقتلعنا دون أن يعني هذا الانحناء هزيمةً نفسيةً داخليةً..
تبين لي أن الاعتراف بالواقع الجديد ليس عيباً وهزيمةً بل هو ذكاء وشجاعة وأن الفطن هو من يلتقط التغير منذ بدايته ويعترف بالقوى الجديدة وإن لم توافق أهواءه الأيديولوجية والسياسية ويبني مساره على البحث عن المتاح في هذا الواقع الجديد وأن من ينكر التغيرات فإنه سيخسر كثيراً وسيتجاوزه الزمن دون أن يعبأ به وأن ربح شيء أفضل من خسارة كل شيء..
تبين لي أن التاريخ لا ينتهي عندنا وأننا مجرد حلقة من حراك اجتماعي تاريخي دائب وأننا إن لم نفهم ظروف المرحلة وإن لم نفرق بين الأمنيات والإمكانات فإن الأمر سينتهي بنا إلى التلاشي والذوبان دون أن يتوقف التاريخ بزوالنا..

منسق مسيرات العودة. كادر حمساوي سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com