سقوط حلب بين هجوم مفاجئ والمؤامرة
الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي
ما ان هدأت قليلا جبهة القتال بين المقاومين (حزب الله) والكيان الصهيوني, حتى اشتعلت بشكل مفاجئ جبهة حلب وادلب في سوريا, حيث حلب تمثل أكبر مدينة سورية ففي يوم الجمعة اشتبكت قوات وفصائل ما بين دواعش وبقايا القاعدة والجيش الحر المدعومين من تركيا وامريكا والامارات ضد القوات السورية الحكومية, للمرة الأولى منذ عام 2016، وفقا لمراقب الحرب والمقاتلين، هذا هجوم أدى إلى فرار السكان بالآلاف! في منطقة لم تستقرا منذ عام 2011 الا قليلا, حيث اجتاح آلاف المقاتلين قرى وبلدات في الريف الشمالي الغربي لسوريا, وفر السكان من الأحياء الواقعة على أطراف المدينة بسبب الصواريخ وإطلاق النار, وقتل المئات في هذه الهجمات.
ولم تتعرض حلب لهجوم من قبل قوات المعارضة والارهابيين منذ طردها من الأحياء الشرقية في عام 2016, بعد حملة عسكرية شاقة دعمت فيها قوات الحكومة السورية روسيا وإيران والجماعات المتحالفة معها.
· الجيش السوري يعاني
قال روبرت فورد الذي كان آخر سفير للولايات المتحدة لدى سوريا: إن الهجوم أظهر أن قوات الحكومة السورية “ضعيفة للغاية”. وأضاف أنه في بعض الحالات، يبدو أنهم “تم هزيمتهم تقريبًا”.
لقد كان التقدم الذي تم تحقيقه هذا الأسبوع من بين أكبر التقدمات التي حققتها فصائل المعارضة والجماعات الارهابية في السنوات الأخيرة، بقيادة هيئة تحرير الشام، أو هيئة تحرير الشام، وجاء الهجوم في الوقت الذي كانت فيه حكومة سوريا والجماعات المرتبطة بإيران، وخاصة حزب الله اللبناني، الذي يدعم قوات الحكومة السورية منذ عام 2015، منشغلة بمعاركها ضد الكيان الصهيوني.
فما ان دخل وقف إطلاق النار في حرب حزب الله ضد الكيان الصهيوني حيز التنفيذ, حتى أعلنت فيه فصائل المعارضة السورية هجومها. كما صعدت إسرائيل هجماتها ضد حزب الله والأهداف المرتبطة بإيران في سوريا خلال السبعين يومًا الماضية, وواضح انت هنالك تنسيق بي الصهاينة والجماعات المعارضة والارهابية في سوريا.
بداية الهجوم كان مخطط له يكون موجه ضد المدنيين, ان الجماعات المعارضة اغلبها ارهابية وتكفيرية, فلا تهتم بدم الابرياء المهم عندها تنفيذ اوامر الجهات الداعمة لها, لكن الهجوم توسع مع بدء انسحاب قوات الحكومة السورية من مواقعها.
· تدخل إقليمي في سوريا
ساعدت روسيا وإيران والجماعات المتحالفة معهم القوات الحكومة السورية على استعادة السيطرة على المدينة وباقي الأراضي السورية, بعد الهجمة البربرية للارهابيين و الفصائل المدعومة من الخليج وأمريكا والصهاينة بعد عام 2011, وقال الكرملين يوم الجمعة إنه يعتبر الهجوم تعديا على سيادة سوريا وأنه يدعم إنشاء نظام دستوري في المنطقة بأسرع ما يمكن, واستطاع هذا التعاون مع روسيا وايران وباقي الفصائل المساندة في رد تقدم الجماعات الارهابية المدعومة من امريكا والامارات والصهاينة بعد عام 2011, اما تركيا فإلى جانب دعم قوات المعارضة الارهابية، فقد أنشأت تركيا أيضًا وجودًا عسكريًا في سوريا، حيث أرسلت قوات إلى أجزاء من الشمال الغربي. وبشكل منفصل وعلى نطاق واسع في شرق سوريا، اما امريكا فإنها دعمت القوات الكردية السورية التي تقاتل متشددي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش), وكذلك دعموا الجيش الحر, وبصورة غير مباشرة دعموا داعش.
· ما حصل مؤامرة
قال رامي عبد الرحمن مدير مرصد الحريات في سوريا: “إن حزب الله كان “القوة الرئيسية” في سيطرة الحكومة على حلب”… لكن بعد انشغال الحزب في الحرب ضد الكيان الصهيوني, وجد الارهابيين فرصة للهجوم على حلب, وحصلت المؤامرة بالتنسيق مع الكيان وامريكا… وفي مكالمة هاتفية مع نظيره السوري، وصف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي هجمات المتمردين في سوريا بأنها “مؤامرة دبرتها الولايات المتحدة والنظام الصهيوني بعد هزيمة النظام في لبنان وفلسطين”.
ونشر المتمردون مقاطع فيديو على الإنترنت تظهر أنهم يستخدمون طائرات بدون طيار، وهو سلاح جديد بالنسبة لهم, ولم يكن من الواضح إلى أي مدى تم استخدام الطائرات بدون طيار في ساحة المعركة, ذكرت وكالة الأناضول أن مسلحين هاجموا قاعدة جوية عسكرية جنوب شرق حلب بطائرات بدون طيار في وقت مبكر من يوم الجمعة، مما أدى إلى تدمير طائرة هليكوبتر, وأضافت الوكالة أن جماعات المعارضة الارهابية قد استولت أيضا على أسلحة ثقيلة ومركبات عسكرية تابعة للقوات الحكومية.
· تصعيد وفشل مؤتمر اكتوبر
كان تطويق وحصار شرق حلب من قبل القوات الموالية للحكومة في يوليو/تموز الماضي بمثابة نذير لمزيد من تصعيد الأعمال العدائية, على الرغم من اتفاق وقف الأعمال العدائية المبرم في 9 سبتمبر/أيلول 2016، والذي تم التوصل إليه بين أمريكا وروسيا والرؤساء المشاركين للأمم المتحدة, قدمت المجموعة الدولية لدعم سوريا للمدنيين فترة راحة كانوا في أمس الحاجة إليها من العنف, وأعقب انهيار هذا الاتفاق في 19 سبتمبر/أيلول حملة جوية سورية وروسية طويلة ومكثفة على شرق حلب, واستئناف القصف من قبل الجماعات المسلحة على غرب حلب, وفي تشرين الأول/أكتوبر فشل اجتماع رفيع المستوى في لوزان، حضره ممثلون عن روسيا وأمريكا والقوى الإقليمية المؤثرة، في تجديد الاتفاق.
وفي يوم 10 في تشرين الثاني/نوفمبر دعا المبعوث الخاص للأمين العام إلى وقف فوري للقتال وإلى مغادرة المجموعة الإرهابية جبهة فتح الشام (المعروفة سابقًا باسم جبهة النصرة) مدينة حلب, من أجل السماح بوصول المساعدات الإنسانية إليها, وتسليمها للمنطقة المحاصرة. ورفضت حكومة الجمهورية العربية السورية اقتراح المبعوث الخاص بإبقاء الإدارات المحلية في شرق حلب على حالها، ولم يتحقق وقف للقتال.
· سر “برود” الموقف الروسي
مازالت تثار تساؤلات عن السر وراء “برود” الموقف الروسي لليوم الثالث على التوالي, حيث كان في عام 2016 دعم روسي غير محدود, اما في الوقت الحالي ومع دخول هجوم فصائل المعارضة المسلحة يومه الرابع، يبدو الموقف الذي تتخذه روسيا مختلفا قياسا بما اتبعته خلال السنوات الماضية، وقال الكرملين الروسي في أول بيان له على عملية الفصائل المسلحة العسكرية، الجمعة، إن “الوضع في حلب تعد على سيادة سوريا، وأن روسيا الاتحادية تدعم استعادة النظام في المنطقة”.
وقد رصد صحفيون في شمال غرب سوريا سلوكا مختلفا للطائرات الحربية الروسية عن ذاك الذي كان موجودا في السنوات الماضية، سواء عندما كانت الفصائل المسلحة تطلق عملا عسكريا أو تتحرك في مواقعها الموجودة على الجبهات.
ويرى الباحث السياسي الروسي، ديمتري بريجع أن “برود” الموقف الروسي حيال الهجوم الحاصل في حلب وريفها “واضح بالفعل”، ويشير إلى “الأزمة السياسية الحاصلة في سوريا، والتي حاولت وتحاول موسكو حلها مع تطبيق الحل السياسي”.
ويقول في حديث صحفي: “روسيا وقفت مع الأسد وما زالت تدعمه، ولكنها تفهم أن الوضع القائم الاقتصادي يصعب الأمور كلها, وفي أن تكون القوات السورية قادرة على السيطرة على كل المناطق وأن تؤمنها”.
وكانت روسيا تعرف مسبقا بالتجهيزات المتعلقة بالهجوم، وحتى أنها أرسلت رسائل لدوائر صنع القرار السياسي والعسكري في دمشق، لكن الأخيرة لم تتخذ أي تدابير لتأمين المناطق، بحسب الباحث الروسي.