طيف من الماضي ../ الكاتبة عبير هلال
سلمتهُ الرسالة باليد وهيَ تتأمل تعابيرَ وجهه..ثم أعطتهُ مجالاً ليقرأها في حضورها ، قبلَ أن تغيب وسط الزحام . قرأ الرسالة على عجالة وكأنهُ يعرف أنها تود جوابهُ على ما ورد طيها. تنحنحَ بعد أن انفرجت شفتاه عن ضحكة خفيفة، ربما فيها شيء من السخرية،إما من نفسه أو من لعبة القدر معهُ، خاصةً أنهُ قرر َ نسيان الماضي والتقدم بحياته كيفما أتفق.
نظرتْ باتجاه الطريق الذي أتتهُ منهُ ، وكانت مترددة أن تعود أدراجها .انتظرتهُ أن يدعوها للدخول لترتاح قليلاً وربما لاحتساء فنجان شاي ساخن حتى تعود الحرارة إلى جسدها المرتعش من شدة برودة الجو.
عادَ للتنحنح ، ثم نظرَ إليها وقال: أنتِ ابنتي، أليس كذلك؟ هذهِ مزحتها الأخيرة ..حتى حينَ قررت تهديدي بالانتحار، قررت ارسالك لي . يا لقسوتها !حرمتني منك طيلة هذه السنوات، وحين عرفت أنني سأتزوج مجدداً قررت أن ترسلك إلي لمنعي من الزواج. منذ عرفتها وهي تحب خلقَ الدراما ..حتى طريقتها في الاعداد لوليمة دائماً صاخبة..
ايتسمت ْ لهُ بحزن: صدقتْ يا والدي! أنا أعرفها . أطلب منك أن تتزوج وتمضي بحياتك ،.وحين تظن أنها انتصرت عليك.، اصفعها بزيارتك لها مع زوجتك الجديدة .بالمناسبة هل تقبل زوجتك الجديدة أن أعيش معكما ، وصدقاً سأشعر بنشوة النصر عليها .
قال َ لها بغضب: عودي إليها إنها أمك ..
أجابتهُ بحدة: من حقي أن تصرف عليَ ، ألستَ والدي؟ لمَ لا يمكنني العيش في كنفك ؟
-أيمكنك التخلي عن والدتك؟
-أبي ، هذا طبعاً إنْ سمحت لي بقولها، أنت لم تفهمني ، أنا ووالدتي سنعيش معك ومع زوجتك الجديدة.
فغرَ فاهُ ، ثم قال : وأين هي الأن؟
-تستعد للانتحار .إن لم تحضرها إلى بيتك فتأكد أنها ستقدم فعلاً على انهاء حياتها.. لهذا أطلب منك أن تتزوج قبل حضورها للعيش معك حتى لا تفسد حياتك ومشاريعك. هذهِ المرة هيَ جادة .
-أخبريها على لساني أنني مزمعٌ على السفر فورَ زواجي .
_وأنا؟
-كنتُ سأعتبرك ِ فعلاً ابنتي ، لكنكِ طماعة مثلها..لم تأتي إلي إلا لهدفٍ واحد _أموالي – يبدو أنكما قرأتما بالصحيفة الخبر أنني ورثت كل أموال وأملاك عمي الطائلة.
– لكنني ابنتك..
-لكن للأسف دمها الفاسد يجري في عروقك.. كنت سأتقبلكِ في حياتي وبيتي .والأن اذهبي ولا تعودي إلى هنا أبدا. اتركي لي عنوان بيتك وسأرسل لك كل شهر المال الكافي . اغلقي الباب خلفك وبلطف حتى لا تكسري الزجاج .همس في أعماقه وهوَ يتوجه نحو المطبخ ليعد لنفسهِ القهوة: قد كسرتني يا ابنتي! نجحتِ بما فشلت والدتكِ بفعله..
جلسَ يحتسي قهوتهُ ، وهو َ يفكر هل سيتزوج حقاً؟ خطتهُ هل نجحت أم فشلت؟
الحب هوَ أن تعيد المياه إلى مجاريها وهذا يتطلب قلوب نقية ، لا تشوبها شائبة ، ولا يغلفها الطمع..
سيبقى ينتظر عودتهما ،فهما حاضرهُ ومستقبلهُ .سينتظر يد القدر لتقودهما إليه.. وضعَ فنجان القهوة على شفتيه وارتشفها بسرعة ولم يعد يهتم إن احرقتهما أم لا!!
نظرَ نحوَ النافذة ورأى طيفين خجلين، يحاولان التسلل لحديقة منزله وقلبه.