العملية الأمنية في جنين ودورها في تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية
مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية- لندن
تأتي العملية الأمنية التي نفذتها السلطة الفلسطينية في مخيم جنين ضمن سياق سياسي وأمني معقد على الساحة الفلسطينية. المخيم، الذي تحول إلى موقعا لعناصر المقاومة في الضفة الغربية، كان مصدر تهديد مستمر للاستقرار المحلي، بحسب رواية السلطة ومفرداتها وبياناتها.
ومع هذا فرن الحملة، التي أُطلقت تحت شعار “حماية وطن”، تعكس تصميم السلطة على فرض النظام والقانون في وجه التحديات الأمنية والسياسية الداخلية والخارجية. مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية في لندن وضع ورقة تقدير موقف عن هذا التصعيد ، وهي الورقة التي تسعى إلى تحليل أبعاد الحملة ودورها في تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية، إلى جانب تقييم النتائج والتحديات المستقبلية للمواجهات مع المسلحين وجماعات المقاومة.
الورقة تشير في بدايتها إلى أن السياق العام للعملية يتزامن مع تصاعد التوترات في غزة واستمرار الحرب الإسرائيلية التي تجاوزت عامًا. في الوقت الذي تعيش فيه الضفة الغربية حالة من القلق، ظهرت ضرورة ملحة لتدخل السلطة الفلسطينية في مخيم جنين، ثاني أكبر مخيمات الضفة الغربية، الذي تحول إلى معقل لجماعات المقاومة ضد الاحتلال.
التحركات الأمنية جاءت في ظل تصاعد الحديث عن احتمالية أن تتحمل السلطة مسؤولية إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية. هذا التوقيت يعكس أهمية تعزيز سيطرة السلطة على الأوضاع الأمنية كشرط ضروري لتوسيع دورها السياسي والإداري مستقبلاً.
دوافع العملية
- حماية النظام الداخلي: تسعى السلطة الفلسطينية إلى فرض سيادة القانون في مناطقها، وإعادة الاستقرار الأمني في الضفة الغربية. النشاطات المسلحة في جنين هددت الاستقرار، وأضعفت صورة السلطة أمام المجتمع المحلي والدولي، رغم أن هذه الجماعات المسلحة تعمل وفقا لمخطط معلن ضد الاحتلال وتحاربه ، ويتم القاء القبض على عناصرها على يد الاحتلال دوريا .
- تعزيز مكانة السلطة إقليميًا ودوليًا: العملية جاءت استجابة لضغوط دولية وإسرائيلية تطالب السلطة بفرض سيطرتها الأمنية كشرط للحصول على الدعم السياسي والاقتصادي. إسرائيل، على وجه الخصوص، حذرت من تدخلها المباشر إذا لم تتحرك السلطة.
- التعامل مع التحديات الداخلية: جماعات المقاومة في جنين استفادت من الفراغ الأمني لتحقيق مكاسب سياسية على حساب السلطة، وهذه الحملة تهدف إلى إحباط محاولات هذه الجماعات لزعزعة الاستقرار.
نتائج العملية
- فرض القانون الرواية الرسمية الفلسطينية تقول أن الأجهزة الأمنية في تفكيك شبكات مسلحة، واعتقال عدد من المطلوبين، ونزع أسلحة. هذا يعزز صورة السلطة كجهة قادرة على حماية المواطنين.
- إرسال رسائل سياسية: العملية وجهت رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن السلطة قادرة على إدارة شؤونها الأمنية، مما يزيد من فرص حصولها على دعم دولي مستقبلي.
- تعزيز الاستقرار المحلي: القضاء على النشاطات المسلحة يساهم في تقليل التوترات الأمنية في الضفة الغربية، ويمهد الطريق لإعادة بناء الثقة بين المواطنين والسلطة.
التحديات المستقبلية
- ردود الفعل الشعبية: قد تواجه السلطة انتقادات داخلية من بعض الفصائل أو شرائح المجتمع التي ترى في هذه التحركات الأمنية تضييقًا على الحريات، خاصه وآن هدف هذه الجماعات هو مقاومة الاحتلال.
- التعامل مع التدخلات الخارجية: استمرار الدعم الخارجي للجماعات المسلحة يشكل تحديًا للسلطة. إيران، على سبيل المثال، قد تسعى لتعزيز نفوذها من خلال تمويل هذه الجماعات.
- الحفاظ على المكتسبات الأمنية: النجاح الأمني في جنين يتطلب استمرارية في السياسات وتعزيز القدرات الأمنية لمنع عودة النشاطات المسلحة.
دعم السلطة الفلسطينية: ضرورة ملحة لضمان نجاح جهود السلطة الفلسطينية، يجب تعزيز الدعم الداخلي والخارجي. داخليًا، يتطلب ذلك إعادة بناء الثقة بين المواطنين والسلطة من خلال تحسين الخدمات وتوسيع فرص المشاركة السياسية. خارجيًا، يجب أن يعمل المجتمع الدولي على تقديم الدعم المالي والتقني للسلطة لتعزيز قدراتها الأمنية، مع الضغط على الأطراف الإقليمية لوقف دعم الجماعات المسلحة.
خاتمة تعد العملية الأمنية في جنين خطوة محورية في مساعي السلطة الفلسطينية لفرض سيادة القانون وتعزيز مكانتها كجهة قادرة على إدارة شؤون البلاد. نجاح هذه العملية يبعث برسائل متعددة: داخليًا، تؤكد السلطة أنها قادرة على حماية المواطنين وإعادة الاستقرار؛ وخارجيًا، تظهر السلطة كطرف رئيسي يمكن التعويل عليه في إدارة الشأن الفلسطيني. إلا أن هذا النجاح يتطلب استمرارية في النهج الأمني والدبلوماسي، إلى جانب تعزيز الدعم الدولي لضمان تحقيق أهدافها طويلة الأمد. تعزيز قوة القانون على حساب السلاح هو السبيل الوحيد لحماية الوطن وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني.