الإسراء والمعراج .. المرأة، والصّدّيق، والوطن، والمسجد الأقصى، وقريش، والنّصر.. معمر حبار
القارىء للسّيرة النبويّة الشّريفة، ومعجزة الإسراء والمعراج يقف على حقائق تمّ ذكرها كلّما أتيحت الفرصة، ويضاف لها:
دور الذاتية والمحلية في فرض النّفس:
أسري بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، من بيته، ومن مكّة. أي من وطنه وليس من أوطان أخرى حتّى لا يقال تلقى الدّعيشم من الدولة الفلانية، والمجتمع الفلاني.
ويفهم من هذا أنّ من أراد القوّة، والعظمة، والحضارة عليه بالانطلاق من الذّات، وثقافته، ومجتمعه، والمحلي القليل الذي يملكه. وهذا لا ينفي الاعتماد على الآخرين وبما يعزّز الداخل، ويحفظ المجتمع، ويعزّز دينه وثقافته وعاداته وقدراته.
أهمية المسجد الأقصى:
تكمن أهمية المسجد الأقصى في كونه كان محطّة إسراء حين أسري إليه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومحطّة معراج، ومحطّة الرّجوع إليه من المعراج، ومحطّة العودة منه إلى مكة بعد انتهاء معجزة الإسراء والمعراج.
هذا التّكرار المتعمّد يدلّ على عظمة المسجد الأقصى. ولذلك كانت سورة كاملة باسم سورة الإسراء: “سُبْحَٰنَ اَ۬لذِےٓ أَسْر۪يٰ بِعَبْدِهِۦ لَيْلاٗ مِّنَ اَ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لْحَرَامِ إِلَي اَ۬لْمَسْجِدِ اِ۬لَاقْصَا اَ۬لذِے بَٰرَكْنَا حَوْلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنَ اٰيَٰتِنَآۖ إِنَّهُۥ هُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْبَصِيرُۖ،الآية رقم 1.
ومن هنا وجب الدّفاع عن المسجد الأقصى مرّة، وثانية، وثالثة، ورابعة. والعدد -هنا- لا يقصده لذاته إنّما الدّفاع عنه طيلة الحياة، وبكلّ الوسائل، ومهما كانت الظروف.
نظرة قريش الضيّقة:
نظرت قريش لمعجزة الإسراء من الناحية المادية أي المسافة. وهذا مبلغ علمهم. ولذلك لم يتحدّث إليهم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في هذا الموضوع. لأنّه صلى الله عليه وسلّم، بعث لمهمّة أعظم وأجلّ من مسافة تطوى، وعين لا ترى أبعد ممّا حدّد لها، ومكان تجارة.
ونفس الحديث يقال للذين ينظرون لمعجزة الإسراء والمعراج من النّاحية “العلمية؟ !” بزعم “أنه لم يره أحد ممن عاصره حتى يكون معجز له”. وقريش قالت “لم يره أحد”، و”العلماء؟ !” المعاصرين تبعوا قريش في النّظرة الضيّقة حين قالوا “لم نره”.
حين يكون النّصر الفاصل من الله تعالى:
جاء الإسراء والمعراج عقب وفاة السّند الظاهري لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والمتمثّل في زوجه سيّدتنا أمّنا خديجة بنت خويلد رحمة الله ورضوان الله عليها، وعمّه أبو طالب. ما يدلّ على أنّ سند البشر ودون استثناء لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. محدود، وضيّق، ومؤقّت، وغير فاصل. ولذلك كان دعم الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم. قويّ، وفاصل، وغير منتظر، ودائم، ولا يمكن حصره من حيث الزّمان والمكان والوسيلة، ولا يمكن ردّه بأيّ حال من الأحول، ويتعدى أحلام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وذكرنا منذ سنوات أن لا أحد، ومهما كان له الفضل على سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في أيّ عنصر من عناصر الحياة كالنصرة، والعلم إلاّ الله سبحانه وتعالى. ودون نكران من قدّم الدّعم، والعون، والمساندة من أيّ كان ومهما كان.
كن كالمرأة في الدّعم، والسّند:
وضعت سيّدتنا أمّنا خديجة مالها، وتجارتها، ونفوذها، وقبيلتها، وعطفها، وحنانها، ومشورتها، وعائلتها، وسمعتها، وماضيها وحاضرها، وصلابتها، وثباتها تحت تصرّف زوجها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وواجهت معه عداوة قريش، ومحاربتهم له، والحصار المضروب عليه، ومنعه من أداء حقوقه وعبادته بيقين، وصدق، وأمانة، ووفاء خارق مدهش.
لم تطلب تعويضا على خسائرها المادية التي تعرّضت لها من طرف قريش. ولم تشكو يوما صعوبة العيش، وتهديدات قريش. وظلّت متشبّثة بزوجها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ولا عجب إن حزن صلى الله عليه وسلّم، على فراقها، وظلّ يفضّلها على الجميع.
ومن استطاع أن يكون كالمرأة سيّدتنا خديجة بنت خويلد في دعم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فليفعل ولا يتردّد.
العدو يعرف الصّاحب الذي يحمي صاحبه في الغيب:
اتّصلت قريش حين سمعت بمعجزة الإسراء بسيّدنا أمير المؤمنين الصّدّيق، رحمة الله ورضوان الله عليه لتسأله عن المعجزة التي أنكرتها، وراجية أن يوافقها. فكانت النّتيجة أنّ سيّدنا الصّدّيق خيّب ظنّهم، وناصر صديقه، وحبيبه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبقوّة ودون تراجع حتّى تراجعت قريش عن استفزاز المسلمين عبر عدم إعادة طرح السؤال.
يعرف الصّاحب لدى العدو قبل الصديق. ولجأت قريش لسيّدنا الصّدّيق لأنّها كانت تعلم -وهي العدو- علم اليقين أنّه صديق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وكانت تريد أن تدخل بين صديقين، وحبيبين لتفرّق، وتوقع بينهما. لكن سيّدنا الصّدّيق كان صادقا مع صديقه، وحبيبه صلى الله عليه وسلّم. فكان له عونا، وسندا وهو لا يعرف -حينها- شيئا عن معجزة الإسراء والمعراج.
السّبت 25 رجب 1445هـ، الموافق لـ 25 جانفي 2025
الشرفة – الشلف – الجزائر
––
الشلف – الجزائر
معمر حبار