احتجاج صربيا الشديد- التحديات والفرص أمام فوتشيك.. ألون بن مئير

يواجه فوتشيك لأول مرة في مسيرته السياسية الطويلة تحديًا شعبيّا ً خطيرًا لقيادته. ومع ذلك، لا تزال قدرته على الصمود قوية. ولدى الإتحاد الأوروبي فرصةٌ للعب دورٍ هام في تخفيف حدة الإضطرابات مع استمالة صربيا للخروج من فلك روسيا.

تعود الإحتجاجات المستمرة في صربيا ضد الرئيس ألكسندر فوتشيك إلى عدة عوامل رئيسية. بدأت في أعقاب حادث مأساوي في شهرنوفمبر/ تشرين الثاني 2024 حيث انهار سقف خرساني في محطة قطار في نوفي ساد، مما أسفر عن مقتل 15 شخصًا. ويعزو العديد من الصرب هذه الكارثة إلى الفساد الحكومي المستشري والإهمال وتجاهل لوائح السلامة في البناء. ويطالب المتظاهرون بمحاسبة المسؤولين عن المأساة والشفافية في تصرفات الحكومة.

ما كان انهيار السقف الخرساني في حد ذاته ليُثير مثل هذه الاحتجاجات واسعة النطاق لولا الفساد المستشري الذي أشعل حركةً أوسع نطاقًا لمكافحة الفساد. يتحدى المتظاهرون حكومة فوتشيك بشأن تعاملها مع الفساد ومزاعم تزوير الإنتخابات والتلاعب بوسائل الإعلام ومؤسسات الدولة مما يعكس استياءً واسع النطاق من قيادة فوتشيك وهيمنة حزبه على المشهد السياسي.

هل فوتشيك في خطر فقدان السلطة؟
تمثّل الإحتجاجات التحدي الأكبر لسلطة فوتشيك خلال 13 عامًا من حكمه. ورغم الضغوط، لم يُبدِ فوتشيك على أية حال أي بوادر للتنحي. ورغم اعترافه بمظالم المتظاهرين، إلا أنه ظل وفيًا لطبيعته الإستبدادية؛ لم يستسلم، بل زاد من حدة الرّهان باعتقال المتظاهرين المشاركين في احتجاجات سلمية.
أفادت منظمة مراسلون بلا حدود أنه خلال 12 أسبوعًا من الإحتجاجات المناهضة للفساد، تعرض ما لا يقل عن 12 صحفيًا للاعتداء من قبل الشرطة وأنصار الرئيس فوتشيك، وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الصحفيين.

تضغط المعارضة من أجل تشكيل حكومة انتقالية للإشراف على انتخابات جديدة، إلا أن فوتشيك رفض هذه الفكرة. تُصعّب سيطرة فوتشيك على وسائل الإعلام على قوى المعارضة اكتساب زخم؛ وبالتالي، أصبح اللجوء إلى الإحتجاجات الضخمة الأداة الوحيدة الفعّالة للتعبير عن غضب الجمهور. في حين يواجه فوتشيك ضغوطًا كبيرة، ورغم استمرار الإحتجاجات وتزايد السخط العام، لا تزال قبضته على السلطة قوية بفضل سيطرته على المؤسسات الرئيسية ووسائل الإعلام وعلاقاته العملية الجيدة مع أهم أربع قوى عالمية. وعلى الرغم من أن مكانته السياسية قد تتآكل، إلا أنه لا يزال بعيدًا عن التفكير في التخلي عن السلطة.

قوة فوتشيك الراسخة
يُعدّ النموّ الإقتصادي في صربيا أحد الركائز الرئيسية التي تسمح لفوتشيك بالإحتفاظ بالسلطة، وهو نموّ مستدام بفضل عدة عوامل. تجذب صربيا استثمارات أجنبية كبيرة بفضل سياساتها الداعمة للأعمال وقوتها العاملة الماهرة، الأمر الذي يُغذي النمو الإقتصادي في مختلف القطاعات، بما في ذلك السيارات وتكنولوجيا المعلومات والعقارات والبنية التحتية. ونتيجةً لذلك، تشهد صربيا انخفاضًا في التضخم واحتياطياتٍ نقديةٍ كبيرة وطلبًا محليًا مستقرًا وارتفاعًا في الدخل واقتصادًا متنوعًا واستثماراتٍ حكومية في مشاريع مثل إكسبو 2027.

يتمتع الرئيس الصّربي بدعمٍ قوي من قاعدته الشعبية ويستغلّ القومية بمهارةٍ لصرف الإنتباه عن المشاكل. علاوةً على ذلك، يحافظ على دعم النخب المؤثرة وبعض شخصيات المعارضة. ولا يتردد في استخدام الأساليب التكتيكية الإستبدادية – استخدام القوة والترهيب – لتأمين سلطته.

الدعم الروسي
أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن دعمه لفوتشيك وسط الإحتجاجات المستمرة في صربيا. وفي مكالمةٍ هاتفيةٍ حديثةٍ مع فوتشيك أكد بوتين دعم روسيا للسلطات الصربية ونقل أن روسيا تتفهم الوضع جيدًا وستواصل دعم السلطات الشرعية في صربيا.

علاوة على ذلك، اتفق بوتين وفوتشيك على تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين بلديهما مع التركيز على الروابط الثقافية والتاريخية والدينية والروحية. كما ناقشا التعاون العملي، لا سيما في قطاع الطاقة، كما أوردته وكالة تاس في 7 مارس / آذار، بما في ذلك تجديد اتفاقية الغاز المقرر أن تنتهي في 31 مايو. يُعد هذا الدعم الروسي مهمًا لفوتشيتش إذ يُسهم في تعزيز مكانته محليًا، وفي الوقت نفسه، في إدارة علاقاته مع القوى الكبرى الأخرى.

رد فعل إدارة ترامب على اضطرابات صربيا
لم يُدلِ ترامب بأي تصريح علني حتى الآن بشأن الإضطرابات في صربيا، ولكن بالنظر إلى تصرفاته الحالية، بما في ذلك انتقاده للبرامج الدولية والتي أدانها فوتشيك أيضًا، فمن المرجح أن يكون صمت ترامب بشأن هذه المسألة علامة على موافقة ضمنية. وعلى الرغم من أن المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى البلقان، ريتشارد غرينيل، قد شدد على أهمية الإحتجاجات السلمية وحذر من تقويض سيادة القانون، إلا أن رد فعل إدارة ترامب كان أكثر تماشيًا مع خطاب فوتشيك منه مع مطالب المحتجين.

وترامب الذي يفخر بحلّ مشاكل لم يستطع أيٌّ من أسلافه حلّها هو في وضعٍ يُمكّنه من التأثير على نهج فوتشيك في التعامل مع مظالم المتظاهرين. ولتحفيز فوتشيك، قد يزيد ترامب الدعم المالي الأمريكي لصربيا. فقد قدّمت الولايات المتحدة لصربيا ما يقرب من مليار دولار عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على مدى السنوات الـ 23 الماضية. إضافةً إلى ذلك، تُشارك الولايات المتحدة في التنمية الإقتصادية، بما في ذلك المشاريع الإنسانية، وبناء المدارس وتعزيز العلاقات التجارية.كما تتواصل البحرية الأمريكية مع الشركات بشأن مشاريع البناء التي تقودها الولايات المتحدة في صربيا. ومن المؤكد أن ترامب سيدعم فوتشيك ويشجعه على قمع الإحتجاج سلميًا، وإن لم يكن لسببٍ آخر سوى رغبته في أن يُنسب إليه الفضل في أي تطور إيجابي.

الدور الحاسم للإتحاد الأوروبي في التخفيف من حدة الإضطرابات العامة في صربيا
في ضوء رغبة صربيا في الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي والعلاقات الإقتصادية المتنامية بين الإتحاد الأوروبي وصربيا، يُمكن للإتحاد الأوروبي أن يلعب دورًا أساسيًا في التوسّط في الإحتجاجات. ينبغي على الإتحاد الأوروبي اتخاذ عدة تدابير لإقناع فوتشيك أو الضغط عليه لتخفيف نهجه في التعامل مع الإحتجاجات والموافقة على معالجة مظالم الجمهور.

ينبغي على الإتحاد الأوروبي التأكيد على أهمية المبادئ الديمقراطية، مثل حرية التجمع وسيادة القانون التي تُعدّ ركائز الإندماج في الإتحاد الأوروبي وحثّ فوتشيك على تلبية مطالب المتظاهرين وضمان حلّ سلمي للإضطرابات. كما ينبغي على الإتحاد الأوروبي الدفع باتجاه إصلاحات في استقلال القضاء وحرية الإعلام وتشجيع الحكومة على تحسين سجلها في قضايا حقوق الإنسان.

كما ينبغي على الإتحاد الأوروبي إشراك جماعات المجتمع المدني وقادة المعارضة لفهم الوضع على أرض الواقع بشكل أفضل ودعم طيف واسع من الأصوات الداعية إلى التغيير الديمقراطي. ويمكن للإتحاد الأوروبي استخدام نفوذه بشكل أكبر لضمان استمرار الإصلاحات كشرط مسبق لتعزيز اندماج صربيا.

يسعى الإتحاد الأوروبي إلى إبعاد صربيا عن فلك روسيا من خلال توسيع العلاقات الاقتصادية بشكل كبير. وقّعت بلغراد والإتحاد الأوروبي اتفاقيةً في 19 يوليو/تموز 2024 تُتيح للإتحاد الأوروبي الوصول إلى المواد الخام، وخاصة الليثيوم المُستخرج من صربيا، لإنتاج مواد خام مستدامة وتقليل اعتماده على الصين. ووصف المستشار الألماني شولتز الإتفاقية بأنها ضرورية لأوروبا “للحفاظ على سيادتها في عالم متغيّر…”. وفي أواخر العام الماضي، وقّعت صربيا عقدًا لشراء طائرات نفاثة من فرنسا، وصفه ماكرون بأنه “ذو أهمية تاريخية”، بل وألغت عقودها لشراء الأسلحة الروسية في شهر يناير/كانون الثاني.

وعلى الرغم من غياب التقدم في الماضي واستمرار الإضطرابات، ينبغي على الإتحاد الأوروبي مواصلة تعزيز الحوار بين كوسوفو وصربيا، وإن كان هذا الحوار مليئًا بالتحديات وواجه العديد من النكسات، مع استمرار التوترات العالية بشأن استقلال كوسوفو ووضع الصرب العرقيين في كوسوفو. وفي ظل هذه الخلفية، يجب على الإتحاد الأوروبي الموازنة بين رغبته في الإستقرار الإقليمي وضرورة دفع فوتشيك إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية ودعم عملية سياسية شاملة.

إن الإضطرابات غير المسبوقة في صربيا والتي قد تزعزع استقرار دول البلقان الأخرى تُتيح للإتحاد الأوروبي فرصة ليس فقط للتعاون الوثيق مع فوتشيك، بل أيضًا للضغط عليه لمعالجة مظالم الجمهور وإبداء مرونة في الحوار مع كوسوفو، الأمر الذي من شأنه أن يعزز العلاقات بين الإتحاد الأوروبي وصربيا. ويمكن لفوتشيك نفسه أن يخرج من الإحتجاجات الجارية في وضع أقوى على الصعيد المحلي إذا التزم بتوصيات الإتحاد الأوروبي مما سيساعده على المضي قدمًا في عملية الإندماج في الإتحاد الأوروبي التي يسعى إليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com