نبض الحياة.. يوم الأرض والعيد يتعامدان.. عمر حلمي الغول

نعم يوم الأرض عمده أبناء الشعب المنغرسون في تراب الوطن، ولم يستسلموا امام خيار الطرد والتهجير عام النكبة الكبرى 1948، وواصلوا البقاء والتخندق في تراب الوطن الفلسطيني الاغلى، رغم كل الانتهاكات وجرائم سلطات الاستعمار الإسرائيلي الوحشية السياسية والعسكرية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتربوية الثقافية والسيكولوجية، الا ان أبناء الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة تحدوا الموت، وصهروا بإرادتهم الفولاذية كل اشكال القهر والظلم القومي من يهود الخزر الصهاينة، أداة الغرب الامبريالي بقيادة واشنطن، عاصمة الإرهاب العالمي، وتماهوا مع ارض وطنهم التي لاتشبه أحدا غيرهم، وبقيوا كالمخرز في عين الصهيونية وقاعدتها الإسرائيلية المأجورة واللقيطة.
يتعاظم اليوم أكثر من ذي قبل احتفاء الشعب بذكرى يوم الأرض، مع تعاظم مؤامرة التهجير القسري الإسرائيلية الأميركية من كل ارجاء الوطن الفلسطيني، والتي تلازمت مع الإبادة الجماعية على الشعب في قطاع غزة، وتتوسع بخطى حثيثة في الضفة الفلسطينية عموما والقدس العاصمة تحديا، عبر عملية تشريع البؤر الاستيطانية، ومضاعفة عمليات النهب والتهويد والمصادرة للأرض، التي فاقت العام الماضي 2024 كل ما سبقها من عمليات تهويد واستيطان استعماري على مدار عقود الاستعمار الصهيوني ما بعد هزيمة عام 1967، فضلا عن فرض التهجير على المخيمات الفلسطينية في محافظات الشمال، اسوة بما شهدته مخيمات قطاع غزة في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وقامت آنذاك بتهجير الفلسطينيين الى المدن المصرية في العريش ورفح والشيخ زويد وغيرها من المناطق، لكن مشروعهم باء بالفشل، كما سيبوء الان وغدا والى ما شاء الله الى ان تتحرر فلسطين وتعود لشعبها دولة مستقلة ذات سيادة، وتستعيد دورها ومكانتها كمنارة للعالم العربي والاقليم الشرق اوسطي وللعالم اجمع كونها ارض الرسلات السماوية.
وعبقرية وجمالية هذا العام 2025، انه جمع في شهر آذار / مارس الحالي كماً من المناسبات الزمانية والدينية والوطنية والاجتماعية الجندرية: فبدأ شهر رمضان المبارك والصوم الكبير لاتباع الديانة المسيحية مع مطلع الشهر، وكان الثامن منه يوم المرأة العالمي، والحادي والعشرون منه عيد الام والثلاثين منه يضم عيدين في يوم واحد، عيد الأرض وعيد الفطر السعيد المبارك، وعيد إضافي للصمود والدفاع عن الحقوق الوطنية، وانتفاضة الحراك الشعبي في 25 منه ضد انقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية في قطاع غزة، والمطالبة الشعبية بتنحي الحركة الانقلابية عن الحكم، وتسليم الراية الوطنية للممثل الشرعي والوحيد للشعب، لمنظمة التحرير الفلسطينية والدولة والحكومة، لإعادة الاعتبار للقضية والاهداف والوحدة الوطنية وللنظام السياسي الواحدة، والقانون الواحد والسلاح الواحد، وكف يد الاخوان المسلمين عن تمزيق الشعب وتهديد مصالحه الوطنية العليا.
نبض الحياة.. الشعب كفر بالظلم.. عمر حلمي الغول
18 شهرا مرت على الإبادة الجماعية الصهيو أميركية ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة، سقط خلالها نحو ربع مليون انسان بين شهيد وجريح ومفقود، جلهم من الأطفال والنساء، وتم تدمير معالم الحياة الادمية بمختلف مستوياتها، وما بقي من مساكن أو أماكن عبادة أو مستشفيات ومؤسسات لا تزد عن اطلال بلا أعمدة، أو أعمدة متداعية، وتلازم مع ذلك، حروب نزوح وتجويع والامراض والاوبئة، وفقدان مصادر البقاء من ماء وكهرباء ووقود، ومع ذلك تحمل أبناء الشعب أهوال وكارثية الإبادة الجماعية النازية الإسرائيلية الأميركية، طيلة نحو 16 شهرا، وما ان تم ابرام اتفاق الدوحة في 17 كانون ثاني/ يناير الماضي، ودخلت الهدنة الأولى حيز التنفيذ في 19 من ذات الشهر، حتى تنفست الناس الصعداء، وعادت الى مدنها ومخيماتها في محافظتي غزة وشمال القطاع، رغم معرفتهم ان بيوتهم مدمرة أو شبه مدمرة، الا انها سعت لترميم وتجسير حياتها ضمن الواقع الجديد، حتى يفرجها رب العباد.
لكن استعراضات حركة حماس اثناء الافراج عن الرهائن الاسرائيليين، وفتح الأميركي ادم بولر الحوار المباشر معها بشكل علني، زاد من ظلال الأوهام في أوساط قياداتها، وعمق من جهلها في فن إدارة الصراع مع العدو الصهيو أميركي، وسقطت فريسة وهم البقاء في دوامة الانقلاب الأسود، وذهبت بعيدا في تشددها، مع انها أخذت علما بعد 7 تشرين اول / أكتوبر 2023 بأن كل أسلحتها الموجودة لديها لا تساوي شيئا، او بتعبير ادق، صفرا على الشمال أمام أسلحة الدمار الشامل الأميركية والأوروبية الإسرائيلية، وأغمضت عينيها عما يبيت له بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم بالعودة لدوامة الحرب بدعم مطلق من إدارة دونالد ترمب، ليس هذا فحسب، بل امدتها بأسلحة محرمة دوليا، التي رفضت إدارة بايدن السابقة توريدها لإسرائيل، وسهلت عودتها لإلقاء حمم جهنم ابادتها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة فجر الثلاثاء الموافق 18 اذار / مارس الماضي، مما أدى الى سقوط نحو الف مواطن بين شهيد وجريح في دقائق معدودات، وعادت دورة الدم والابادة والكارثة تجتاح أبناء الشعب في القطاع من الشمال الى الجنوب، ومن الشرق للغرب.
ولا أضيف جديدا، كان أبناء الشعب في قطاع غزة كفروا بالانقلاب الحمساوي منذ اللحظة الأولى، وتعمق رفض الشعب في محطات مختلفة لاختطاف قيادة حماس قطاع غزة من الشرعية في أواسط حزيران / يونيو 2007، حيث عاثوا فسادا ونهبا (قادة وانصار الانقلاب) لأبناء الشعب، وحولوا القطاع الى مكان موبوء بالتخلف، والفقر والفاقة، ومرتعا لانتشار المخدرات وحبوب الهلوسة والدعارة، حتى أمسى القطاع طاردا للحياة، مما أجبر الشباب على ركوب أمواج البحر والموت وسط الأمواج العاتية والانواء، كما طوعوا قيادات في القوى السياسية باستخدام أساليب لا إنسانية وابتزوهم بها.
بعيدا عن تجربة الانقلاب الحمساوي البشعة والعبثية، والمتناقضة مع أبسط قواعد وقيم الشعب الفلسطيني الوطنية، ورغم تحمل الشعب اهوال الفاجعة والابادة لمدة 16 شهرا، فاض به الغليان والسخط مما دعاهم عصر ومساء اول أمس الثلاثاء 25 اذار / مارس الحالي الى الشوارع في بيت لاهيا وجباليا والشجاعية، وهم يرددون شعارات: “برا برا .. حماس برا”، ولا “نريد حكم الاخوان، تجار الدولار” وغيرها من الشعارات المطالبة حركة حماس بتسليم مقاليد الحكم أما لمنظمة التحرير، او للجامعة العربية، وتسليم الرهائن للإسرائيليين تحت قيادة الوجهاء والمخاتير ورجال الإصلاح من أبناء المناطق، لنزع الذرائع من نتنياهو واقرانه. مع أني لا أعتقد ان رئيس الائتلاف الحاكم النازي سيوقف الإبادة الجماعية، الا إذا طلبت منه إدارة ترمب وقفها.
المهم الشعب قال كلمته، بعدما تعمق كفره وغليانه وسخطه من وجود سلطة حماس الانقلابية، التي هددت وتهدد مستقبل وحدة الشعب والقضية والمشروع الوطني والاهداف والمصالح العليا، وطالبهم بالخروج من دائرة الحكم، وتسليم مقاليد الأمور لمنظمة التحرير والدولة والحكومة. بيد أني اشك، ان تتنازل حركة حماس عن خيار بقاءها في دوامة الامارة الطالبانية، ولهذا قيادة حماس الميدانية والمقيمة في الدوحة، ستعمل من خلال جهاز “مجد” الأمني خلال الساعات والأيام القادمة على ملاحقة رؤوس الحراك، واختطافهم، أو اغتيالهم بوسائل مختلفة، بذريعة انهم سقطوا نتاج القصف الإسرائيلي الا في حال توسع نطاق الحراك، وتواصل في كل المدن والمحافظات في آن، وقام كل رب اسرة له ابن في حماس، بمطالبته بالانسحاب من الحركة، وعدم البقاء فيها، وملاحقة جهاز أمنهم “مجد” وعناصر كتائب القسام، وهددوهم بعظائم الأمور، ان لم يسلموا الولاية لمنظمة التحرير.
وبالمقابل على الحكومة الفلسطينية تعزيز وتكريس وجودها فورا في المحافظات المختلفة، وعلى حركة فتح وفصائل المنظمة مساعدة الحكومة على تكريس مكانتها وحضورها في مدن ومخيمات ومحافظات القطاع، حتى لا يكون هناك فراغ في القطاع.الامر ليس بسيطا، ولا سهلا، وانما معقد وحمال أوجه، لا سيما وان لحظة انفجار الحراك الشعبي جاءت وسط معمعان جهنم الإبادة الجماعية الإسرائيلية، التي تعمل قياداتها المختلفة على اشعال فتيل الفتنة الداخلية لنقل الحرب الاهلية الى الداخل الفلسطيني، بدل ان تشتعل نيرانها في إسرائيل، واستغلال ذلك في تسريع التهجير القسري لأبناء الشعب من قطاع غزة. الامر الذي يفرض وضع رؤية شاملة، واملاء الفراغ فورا، وقطع الطريق على حركة حماس ودولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية ومن خلفها إدارة ترمب الأميركية.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com