أبو جهاد: وزير الثورة ومهندس الانتفاضة… ش*هيد خطّط لضرب قلب “إسرائيل” في مفاعل ديمونة.. أبو شريف رباح

يُعد القائد الفلسطيني الشهيد خليل الوزير، “أبو جهاد الوزير”، أحد مؤسسي حركة فتح، وركيزة أساسية من ركائز الثورة الفلسطينية المعاصرة. كان واحدًا من العقول الفذّة التي صاغت استراتيجية الكفاح المسلح الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. لم يكن “أبو جهاد الوزير” وزيرًا في حكومة تقليدية، بل كان وزير الثورة الفلسطينية ومهندس الانتفاضة الأولى، ومخططًا لأجرأ العمليات الفدائية التي تجاوزت الحدود النفسية والعسكرية للإسرائيليين، وعلى رأسها الهجوم النوعي على مفاعل ديمونة النووي في قلب صحراء النقب.
من النكبة إلى بندقية الثورة، بدأت المسيرة النضالية لأبي جهاد، حيث انضم مبكرًا إلى الحركة الطلابية الفلسطينية، ثم أسّس مع رفيق دربه الشهيد الرمز ياسر عرفات “أبو عمار” حركة فتح، متبنيًا خيار الكفاح المسلح طريقًا للتحرير والعودة. كان العقل المدبر والقائد الميداني للحركة، حيث امتاز بقدرته على الجمع بين الفكر السياسي والقيادة العسكرية. لم يكن بعيدًا عن الميدان، بل كان قائدًا ومخططًا عسكريًا في آنٍ واحد.
ولحبه العميق لفلسطين، تولّى مسؤولية “القطاع الغربي” في حركة فتح، المسؤول عن الداخل الفلسطيني المحتل، وكان المشرف والمخطط الأول لمعظم العمليات الفدائية التي نفّذتها الحركة. من أبرز هذه العمليات: “عملية فندق سافوي” عام 1975 في تل أبيب، و”عملية كمال عدوان” بقيادة الشهيدة دلال المغربي عام 1978، التي تسببت في صدمة أمنية كبيرة داخل كيان الاحتلال، بالإضافة إلى “عملية نهاريا”، وعمليات استهداف الدوريات الإسرائيلية في قطاع غزة.
ومن بين أبرز إنجازاته التي هزّت كيان الاحتلال، تخطيطه لعملية أسر الجنود الإسرائيليين الثمانية في منطقة بحمدون بجبل لبنان، والتي أسفرت عن عملية تبادل نوعية تم بموجبها إطلاق سراح ما يقارب 6,000 معتقل فلسطيني ولبناني، وإغلاق معتقل أنصار الشهير في جنوب لبنان، واستعادة الأرشيف الفلسطيني الذي استولت عليه قوات الاحتلال خلال اجتياح بيروت. كانت هذه العملية انتصارًا سياسيًا ومعنويًا كبيرًا، وواحدة من أقوى الصفعات التي وُجهت للمنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في تلك المرحلة.
دخل “أبو جهاد الوزير” دائرة الاغتيالات الإسرائيلية بعد أن خطط وأشرف على “عملية ديمونة” عام 1988، التي نفذها ثلاثة فدائيين اخترقوا التحصينات الأمنية ووصلوا إلى مفاعل ديمونة النووي، في رسالة تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وقالت بوضوح إن فدائيي فتح قادرون على الوصول إلى عمق الكيان الإسرائيلي ومنشآته الحساسة.
لم يكن أبو جهاد مجرّد تهديد أمني لقادة إسرائيل، بل كان هاجسًا دائم الحضور في أروقة أجهزتها الأمنية. فقرّرت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تصفيته واستهداف العقل المقاوم، فحركت أساطيلها وطائراتها من أجل تنفيذ عملية اغتياله، وكلفت إحدى أهم وأقوى وحداتها الخاصة، “سييريت ماتكال”، بقيادة إيهود باراك، رئيس حزب العمل السابق ورئيس حكومة العدو الإسرائيلي الأسبق، بتنفيذ العملية. وقد جرت عملية الاغتيال في 16 نيسان/أبريل 1988 في تونس، حيث أُطلقت على جسده الطاهر أكثر من 70 رصاصة، فسقط الوزير شهيدًا ومسدسه بيده. وتجدر الإشارة إلى أن إيهود باراك هو نفسه من نفّذ عملية اغتيال القادة الثلاثة في بيروت: كمال ناصر، كمال عدوان، وأبو يوسف النجار، وهو كذلك من قتل الشهيدة دلال المغربي ورفاقها، حيث كانت مهمته الأساسية تنفيذ العمليات الخاصة بالجيش الإسرائيلي.
ظنّ قادة الاحتلال أن برحيله ستنطفئ شعلة الثورة، لكنهم لم يعلموا أن تلك الشعلة قد انتقلت إلى كل بيت، وحجر، وشارع في فلسطين، لقد أصبح اسم خليل الوزير رمزًا للفداء والتضحية وخططه العسكرية مرجعًا للثوار في العالم.
وفي مشهد يعكس عمق الوفاء الشعبي لأبو جهاد الوزير فقد قام أحد اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك بترميم قبر الشهيد أبو جهاد الذي دمّره تنظيم “داعش” خلال احتلاله للمخيم، ورغم قساوة الظروف جاءت هذه المبادرة كفعل وطني فلسطيني بامتياز أعادت الاعتبار لرمز من رموز الثورة وقائد فذ من مؤسسي حركة فتح لقد أثبت هذا اللاجئ أن وفاء أبناء شعبنا لا يُقهر وأن ما فعله لم يكن مجرد ترميم قبر بل ترميم لذاكرة وطنية حاول الأعداء طمسها، وصرخة وفاء في وجه النسيان ورسالة للأجيال بأن من زرع الشهادة لا يُنسى مع الأيام.
وبهذه المناسبة العظيمة ذكرى استشهاد أمير شهداء فلسطين أبو جهاد الوزير أتوجّه بمناشدة صادقة إلى قيادة حركة “فتح” والسلطة الوطنية الفلسطينية للسعي والعمل بكل الوسائل الممكنة لنقل جثمانه الطاهر ليرقد إلى جوار رفيق دربه الشهيد الرمز ياسر عرفات في أرض الوطن، وبالرغم من رفض الاحتلال في عام 2016 طلبًا فلسطينيًا رسميًا بهذا الشأن، إلا أن الوفاء للشهداء لا يسقط بالتقادم والعزيمة لا تعرف الاستسلام ولا المستحيل، ولأن أبو جهاد لم يكن شخصًا عاديًا بل كان ذاكرة الثورة وضمير الانتفاضة من حقه علينا أن يُدفن في تراب الوطن الذي أحبّه وضحّى من أجله لا أن يبقى في منفى بعيد، وهو الذي وهب حياته من أجل العودة إلى الوطن.