نتنياهو في خطابه الأخير: عجز سياسي أم هروب إلى الأمام؟

༺༺༺༻༻༻
بقلم: د. أحلام محمد أبو السعود
الباحثة في الشؤون الفلسطينية وسفيرة الإعلام العربي
༺༺༺༻༻༻
في خطاب مسجّل خلا من أي مضمون سياسي جديد، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مخاطبًا الداخل الإسرائيلي بلغة التحدي والتصلب، متوهمًا أن تكرار عبارة “لن نخضع” كفيل بترميم ما تهشّم من ثقة الجمهور بقيادته، وبتهدئة عائلات الأسرى الذين يزداد غضبهم يومًا بعد يوم.
الخطاب، الذي تضمن تكرارًا شعاراتيًا أكثر من كونه رؤية استراتيجية، جاء في لحظة سياسية فارقة يعيشها الكيان الإسرائيلي، حيث تتصاعد الضغوط الشعبية للمطالبة بصفقة تبادل شاملة تُنهي معاناة الأسرى المحتجزين في غزة، وترتفع أصوات من داخل المؤسسة العسكرية والسياسية تدعو لمقاربة واقعية تعيد الاعتبار لأولويات الأمن الإسرائيلي بعيدًا عن حسابات نتنياهو الحزبية.
عائلات الأسرى تردّ بقوة
ردّ “مقر عائلات الأسرى” على تصريحات المتحدث باسم نتنياهو، عومر دوستري، كان صارخًا، حيث أكّدوا أن “الغالبية الساحقة من الشعب تؤيد اتفاقًا يعيد جميع الأسرى، حتى لو تطلّب ذلك وقف الحرب”. هذا الرد يعكس شرخًا واضحًا بين الحكومة والجمهور، ويفضح الهوة بين خطاب نتنياهو المتعنت، ومطالب الشارع الذي بات أكثر وعيًا بأن الحرب لم تعد تحقق أهدافها، بل تُستخدم غطاءً سياسيًا للهروب من المحاسبة.
الشارع الإسرائيلي يفقد صبره
تتوسع رقعة الغضب الشعبي في إسرائيل، خاصة في صفوف عائلات الجنود والمدنيين المحتجزين، الذين يرون أن الحكومة تماطل وتضحي بأبنائهم من أجل مكاسب سياسية ضيقة. الحراك الشعبي يعود إلى الميادين، والمظاهرات تتكاثر أمام مقر الحكومة، تنديدًا بالخطاب الفارغ والعناد السياسي.
الموقف العربي والدولي: قلق متزايد
تصريحات نتنياهو تُعد نسفًا صريحًا لجهود الوسطاء، خاصة مصر وقطر والولايات المتحدة، التي قدمت مقترحًا واقعيًا لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق الأسرى، وهو ما تماشت معه المقاومة الفلسطينية بإيجابية، بينما قابلته إسرائيل بصمت ثم تعنت.
دول عربية عدة عبّرت عن امتعاضها من الموقف الإسرائيلي، واعتبرت أن تعنت تل أبيب يُعرقل مسار الحل السياسي، ويؤكد أن الحكومة الإسرائيلية تضع شروطًا تعجيزية، بدلًا من تقديم إجابات واضحة عبر القنوات الرسمية للمفاوضات.
ختامًا: نتنياهو في مأزق
الخطاب الأخير لم يكن مجرد استعراض بلاغي، بل وثيقة إدانة سياسية لرجل فقد زمام القيادة، ويخوض معاركه الداخلية على حساب الأمن الإقليمي والسلام العادل. وبينما يزداد المشهد تعقيدًا، تبقى الحقيقة الأوضح أن استمرار الحرب لم يعد يحظى بإجماع داخلي، ولا بشرعية دولية.
إن المأزق الحقيقي اليوم ليس في وجود أسرى، بل في غياب قائد يُدرك أن السياسة فن الممكن، لا عناد المستحيل.