غزوة الخندق من خلال من كتاب نور اليقين 27 – الحلقة الأولى.. معمر حبار

ثأثر يهود بني النضير:

قال الكاتب: “كان في نفوس بني النضير دائما أن يأخذوا ثأرهم”. 160

أقول: ثأر اليهود تجاه القرآن الكريم، وسيّدنا رسول الله صلى الله عليهم وسلّم، والأمّة الإسلامية معروف منذ قرون، وما زال، وسيظلّ. وهذه عقيدة راسخة وتمتدّ رسوخا مع الزّمن وامتد.

تحريض اليهود قريش، وقبائل العرب ضدّ المسلمين:

قال: “فذهب جمع منهم إلى مكة وقابلوا رؤساء قريش وحرّضوهم على حرب رسول الله ومنوهم المساعدة”. 160

أقول: اليهودي لا يهمّه من تكون، وضدّ من تكون. المهم عنده أن تكون له تبع في محاربتك لأخيك، وجارك. وسيعدك، ويمنيك، وما يعدك إلاّ غرورا في قتل أخيك، وطرده، والتّضييق عليه. وهكذا كانوا مع قريش في حربهم ضدّ أبناء وطنهم الواحد مكّة. وسيظلّون على هذه العقيدة أبد الدهر.

قال: “ثمّ جاؤوا إلى قبيلة غطفان وحرّضوا رجالها كذلك”. 160

 أقول: لا يكتفون أبدا بتحريض الأخ ضدّ الأخ. بل يسعون وإلى الأبد بتحريض الإخوة (هكذا بالجمع) ضدّ الإخوة. فحرق الأخ، والجار -عندهم- لا يكفي. بل لا بدّ من حرق الإخوة، والجيران.

قال: “فتجهزت قريش وأتباعها. وعددهم أربعة آلاف. وتجهزت غطفان ومعهم ألف فارس. وتجهزت بنو مرّة وهم أربعمائة. وتجهزت بنو أشجع. وتجهزت بنو سليم وهم سبعمائة. وتجهزت بنو أسد. وعدّت الجميع عشرة آلاف محارب قائدهم العام أبو سفيان”. 160-161

أقول: لا يهدأ لليهود بال حتّى يروا رأي العين قتال الأخ لأخيه، وحرق الجار لجاره. ولا يكتفون بالتّحريض حتّى يروا دماء الإخوة تسيل أنهار. وقد جمعوا عشرة آلاف محارب ضدّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومن ستّة قبائل. وهو مالم تستطع قريش لوحدها أن تجمعه. فجمعه يهود بن النضير لقتال أبناء قريش بأبناء قريش.

استشارة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم:

قال: “ولما بلغه عليه السلام أخبار هاته التجهيزات استشار أصحابه فيما يصنع. فأشار عليه سلمان بعمل الخندق وهو عمل لم تكن العرب تعرفه فأمر عليه السلام المسلمين بعمله وشرعوا في حفره”. 161

أقول: القائد العظيم له وجهة نظر يعرضها على قادته للمناقشة. وعظمة القائد في استشارة قادته، ومجتمعه. وعظمة القائد في أن يأخذ بالرأي الفاعل الذي تظهر مكاسبه أكثر من خسائره. وعظمة القائد لا يهمه في كون الرأي فعله أحد، أو دولته من قبل أم لا؟ إنّما ينظر للفاعلية في الميدان، ونتيجته المرجوّة.

واستشار سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قادته ومجتمعه وهو المؤيّد بالوحي. وعرض رأيه للمناقشة. وأخذ برأي سيّدنا سلمان الفارسي. أي من مجتمع غير مجتمعه، وأفكار غير أفكاره، وخطّة غير خطّته. وبما أنّ سيّدنا سلمان الفارسي ضمن الجيش، والمجتمع فهو منهم. ولا يقال له أبدا: هذه خطّة لا تعرفها العرب، ولا يمكن الأخذ بها. بل يأخذ بكلّ ما يحفظ الدولة، والمجتمع ويعزّز أمنها واستقرارها. ولا يهم بعد ذلك صاحب الفكرة، وجنسيته.

إنجاز الخندق عمل شاق، ومرهق:

قال: “وقد قاسى صعوبات جسيمة في حفر الخندق لأنّهم لم يكونوا في سعة من العيش حتّى يتيسّر لهم العمل. وعمل معهم عليه الصلاة والسلام فكان ينقل التراب”. 161

أقول: الفكرة الصّعبة الشّاقة تؤدّي إلى نتيجة مريحة مربحة. وحفر الخندق بوسائل أقلّ من تقليدية، وندرتها، وعدم علمهم واعتيادهم بالفكرة عمل شاق بحدّ ذاته. وإذا أضفنا الفقر، والحاجة، وانعدام الوسائل، وضيق الوقت، وقوّة العدو، وسرعته للوصول إلى الديار يجعل حفر الخندق أكثر صعوبة وخطورة.

شارك القائد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، جنده ومجتمعه في حفر الخندق. وعانى ما عانوه من مشقة في حفره، وإعداده. وهذا سرّ تكاتف المسلمين حول قائدهم، وخوضهم للفكرة وهم لا يعرفونها، ولم يروها من قبل، ولم يعتدها العرب. بل لم تفعلها أبدا.

حراسة الخندق عمل شاق:

قال: “وجعل عليه السلام على الخندق حراسا حتى لا يقتحمه المشركون باللّيل، وكان يحرس بنفسه ثلمة فيه مع شدة البرد”. 162

أقول: حفر الخندق كان عملا شاقا، ومرهقا. وتكاتف الجميع لإنجازه وعلى رأسهم القائد سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وحراسة الخندق من تسلّل قريش عبره كذلك كان عملا شاقا، ومرهقا. وتناوب لأجل حراسته الجميع وعلى رأسهم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وبما أنّ الخندق من وسائل الحرب، والأسلحة التي لم تعرفها العرب. فكان لزاما حراسة السّلاح، والسّهر على حمايته وصونه من أن يكون بيد العدو.

والخندق سلاح -بالتّعبير المعاصر- جديد، ومتطوّر، وفتّاك، ورهيب. وإذا سقط هذا النّوع من الأسلحة بيد العدو، وأصبح تحت سيطرته. كان له الأثر البالغ على نفسية الجيش، ونتائج المعركة. ومن هنا يفهم أهمية حرص القائد شخصيا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على إنجازه، وتناوب الجند على حراسته وحمايته.

تحالف يهود بني قريظة مع يهود بني النضير ضدّ المسلمين:

قال: “واشتدت الحال بالمسلمين فإنّ هذا الحصار صاحبه ضيق على فقراء المدينة، والذي زاد الشدّة عليهم ما بلغهم من أن يهود بني قريظة الذين يساكنونهم في المدينة قد انتهزوا هذه الفرصة لنقض العهود، وسبب ذلك أن حيّ بن أخطب سيد بني نضير توجه إلى كعب بن أسد القرظي سيد بني قريظة فحسن له نقض العهد ولم يزل به حتى أجابه لقتال المسلمين”. 162

أقول: الغدر لدى يهود بني نضير عقيدة، ومنهاجا. فهو بعدما حرّض الأخ، والإخوة ضدّ إخوانهم من أهل الوطن الواحد مكّة. ها هو يستعين بأخيه اليهودي من بني قريظة لنقض العهود التي أبرموها مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، في المدينة ليكون له نصيرا ضدّ المسلمين. وقد اتّخذ العدو قريش حليفا ضدّ المسلمين.

خطورة غزوة الأحزاب:

شارك في غزوة الأحزاب ضدّ المسلمين: قريش، وغطفان، وبنو مرّة، وبنو أشجع، وبنو سليم، وبنو أسد. بالإضافة إلى غدر يهود بني النضير، وغدر بني قريظة. ومن جهة المسلمين تثبيط المنافقين. هذا من حيث العدد.

أمّا من حيث الظروف فقد كان المسلمون في شدّة، وجوع، وحاجة.

ومن حيث الوسائل: فقد أرهقهم حفر الخندق، وحراسته. ما يعني أنّهم دخلوا المعركة منهكون جدّا من عملية الحفر، والحراسة. ومن هنا يفهم جيّدا قوله تعالى: ”  اِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنَ اَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ اِ۬لَابْصَٰرُ وَبَلَغَتِ اِ۬لْقُلُوبُ اُ۬لْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ اِ۬لظُّنُونَاۖ (10) هُنَالِكَ اَ۟بْتُلِيَ اَ۬لْمُومِنُونَ وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاٗ شَدِيداٗۖ “، سورة الأحزاب11.

الثّلاثاء 23 شوال 1446هـ، الموافق لـ 22 أفريل 2025

الشرفة – الشلف – الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com