مبتورو الأطراف بغزة.. معاناة تتفاقم مع استمرار حرب الإبادة

غزة- البيادر السياسي:ـ في إطار حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف عام، تزداد أعداد مبتوري الأطراف ومعاناتهم وآلامهم، معظمهم من الأطفال والنساء، لا سيما مع نقص حاد في المعدات الطبية، والأدوات اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية بسبب استمرار الحصار الخانق على القطاع.
ومن بين هؤلاء المواطنين، رائد أبو الكاس، الذي يجلس داخل مركز الأطراف الصناعية والشلل في مدينة غزة، بانتظار دوره في تلقي خدمة العلاج الطبيعي والتأهيل الجسدي لاستخدام الطرف الصناعي، بعد أن بُترت قدمه في قصف إسرائيلي أثناء ممارسة عمله في تشغيل آبار المياه.
وتجسد قصة أبو الكاس، حجم المأساة الإنسانية التي خلفّتها الحرب الإسرائيلية، فقد بُترت قدمه اليمنى، واستُشهد اثنان من زملائه، وبينما كان يحاول الجيران وأبناؤه إسعافه وسط الدمار والدخان، لاحقتهم الطائرات من جديد، فاستُشهد أحد أبنائه، وأصيب الآخر بإصابات بليغة، أدت إلى بتر قدمه لاحقا.
ويسترجع ذكريات ذلك اليوم بصوت يختنق بالألم: “كنت أفتح محابس المياه للمواطنين، وكنت أظن أن عملي في خدمة الناس سيحميني، لكن الاحتلال لم يترك لنا أي أمان. استهدفونا ونحن عُزل، فبُترت قدمي أمام عيني، واستُشهد ابني، وتعرض محمود لإصابة غيرت حياته إلى الأبد”، حسب إفادته لوكالة الأناضول.
أما محمود، الذي كان يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم محترفًا في صفوف ناشئي نادي الشجاعية، فيقول بصوت حزين: “كنت ألعب كرة القدم يوميا، وكان حلمي أن أرتدي قميص النادي، وأسعد عائلتي، لكن الاحتلال دمر حلمي، وبتر قدمي”.
وأضاف: “الآن أجلس على كرسي متحرك وأحلم فقط أن أركب طرفا صناعيا متطورا يساعدني على الوقوف مرة أخرى، حتى أعين والدي الذي بُترت قدمه”.
خلال الأشهر الماضية، خضع رائد ومحمود لعدد كبير من العمليات الجراحية داخل مستشفى المعمداني، في ظل ظروف طبية صعبة ونقص حاد في الإمكانيات، وتم تركيب أطراف صناعية لهما عبر مركز الأطراف الصناعية، إلا أن نقص المعدات والكوادر الفنية يؤثر في عمل المركز.
اليوم، يقضي الأب والابن عدة ساعات يوميًا داخل مركز الأطراف، يتدربان على استخدام أطرافهما الصناعية، ويتلقيان جلسات التأهيل والتدريب، ووسط هذه الرحلة الشاقة، يحدوهما حلم واحد: السفر إلى الخارج لتركيب أطراف صناعية متطورة تمكّنهما من استعادة جزء من حياتهما الطبيعية.
وبهذا الخصوص، قال رائد، وهو ينظر إلى نجله محمود بعينين حزينتين: “لم يتبق لي من أبنائي إلا محمود، وزوجتي التي تتحمل العبء الأكبر في رعايتنا، وحلمنا أن نركب أطرافًا خفيفة نتمكن من خلالها أن نساعد بعضنا البعض ونعيش بكرامة”.
ويقاطعه محمود قائلا: “أحلم بالسفر، أريد أن أركض مجددًا، أن أعود للعب الكرة ولو بشكل بسيط مع أصدقائي (..)، الاحتلال دمر أحلامي، لكن لم يدمر إيماني بأننا سنعود إلى الحياة”.
أعداد مضاعفة
يشهد قطاع غزة تصاعدًا كبيرًا في أعداد المصابين بحالات البتر نتيجة الإبادة الإسرائيلية المدمرة المستمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وسط نقص حاد في المعدات الطبية والأدوات اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية، بسبب الإغلاق المستمر للمعابر ومنع دخول المستلزمات الأساسية.
وسُجلت 4700 حالة بتر بسبب الحرب المتواصلة في محافظات القطاع كافة، حيث 48% من حالات البتر الجديدة هي لسيدات، و20% لأطفال، ما يفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل خطير.
وفي 2 آذار/مارس الماضي، صعَّد الاحتلال جرائمه باتخاذ قرار تعسفي بإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية وشاحنات الوقود بشكل كامل.
ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 170 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.