خطة الإدارة الأمريكية لغزة: استعمار مقنع أم مرحلة انتقالية؟

༺༺༺༺༻༻༻
بقلم: د. أحلام أبو السعود – سفيرة السلام العربي والباحثة في الشؤون الفلسطينية
༺༺༺༺༻༻༻
في خضمّ العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، تتصاعد المبادرات الدولية التي تزعم السعي لإعادة الإعمار وإدارة القطاع، إلا أن الكثير منها يحمل في طياته محاولات لإعادة تشكيل الواقع الفلسطيني بما يتناسب مع مصالح القوى الكبرى، بعيدًا عن إرادة الشعب الفلسطيني.
آخر هذه المبادرات تمثلت في ما كشفت عنه تقارير إعلامية حول نية الولايات المتحدة إنشاء إدارة مؤقتة لقطاع غزة بقيادة أمريكية، تستبعد كلًّا من السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس، وتضم ما أُطلق عليهم “تكنوقراط فلسطينيين”، في تكرار لسيناريو سلطة التحالف المؤقتة في العراق عام 2003.
في أول رد فعل رسمي على هذا الطرح، خرج المتحدث باسم حركة فتح، جمال نزال، ليعلن رفض الحركة القاطع لهذه الخطة، مؤكدًا أن “موقفنا هو الإصرار على حكم فلسطيني في غزة بقيادة السلطة الوطنية، لا لاستبدال استعمار باستعمار آخر”. وأضاف أن “إقصاء السلطة الوطنية هو مخالفة صريحة لحق شعبنا في تقرير المصير”، في إشارة إلى أن هذه الخطط تتنافى مع الإجماع العربي، الذي يتمحور اليوم حول الرؤية المصرية الفلسطينية لإعادة إعمار القطاع وقيادته سياسيًا.
هذا الموقف يفتح الباب على مصراعيه لتحليل عدة أبعاد:
أولًا: الأجندة الأمريكية – الإسرائيلية المشتركة
ما يُسوَّق كخطة لإعادة الإعمار، قد يحمل في جوهره نوايا لتصفية القضية الفلسطينية على مراحل، بدءًا من نزع سلاح المقاومة، مرورًا بإنشاء كيانات إدارية لا تملك شرعية نضالية أو تمثيلية، وانتهاءً بتهميش المشروع الوطني الفلسطيني برمّته.
ثانيًا: الشرعية الوطنية مقابل الإدارة الخارجية
ليس من المقبول أن يُدار قطاع غزة -الذي قدم آلاف الشهداء والجرحى- بواسطة أطراف أجنبية، وكأننا في مرحلة انتداب جديدة. إن إعادة إعمار غزة، وعودة الحياة إليها، يجب أن تكون بقيادة وطنية حرة تعبّر عن الإرادة الشعبية، وتحترم حق الشعب في تقرير مصيره.
ثالثًا: وحدة القرار الفلسطيني ضرورة لا خيار
المرحلة القادمة تستدعي إنهاء الانقسام الفلسطيني وتشكيل جبهة وطنية موحدة تقود غزة والضفة سويًا. وهذا لن يتحقق إلا بالحوار الوطني الجامع، وليس من خلال فرض الوصاية الدولية أو الحلول المعلبة.
رابعًا: دور الدول العربية – بين الدعم والانحياز
التحركات العربية، وعلى رأسها مصر، لا تزال تراهن على استعادة غزة عبر السلطة الشرعية، وهو ما يعكس تمسكًا بالإجماع العربي ورفضًا لأي مسارات خارجية تُفصّل على مقاس الاحتلال. إلا أن هذا الموقف سيُختبر قريبًا حين تطرح واشنطن خطتها رسميًا.
في الختام، لا يمكن الحديث عن سلام أو إعادة إعمار أو مستقبل لقطاع غزة، دون الحديث عن الحرية أولًا. وأي خطة تتجاوز الفلسطينيين وحقوقهم وتضحياتهم، ستكون مشروعًا فاشلًا جديدًا يُضاف إلى قائمة طويلة من الإخفاقات السياسية الدولية في فلسطين.
د. أحلام أبو السعود /غزة/فلسطين