مخاوف إسرائيلية من انعكاسات خصومة ترامب مع نتنياهو على العلاقات مع واشنطن

القدس المحتلة- البيادر السياسي:ـ يثير الإفراج عن الجندي مزدوج الجنسية إيدان ألكسندر، بعد 584 يومًا، مشاعر مختلطة في إسرائيل تتراوح بين الفرح والأمل بعودة المزيد من الأسرى، وبين العتب والغضب على التمييز لصالح من يحمل جنسية أجنبية إضافة إلى الجنسية الإسرائيلية، وكل ذلك وسط تساؤلات عن مخرجات محتملة لمفاوضات الصفقة التي تتجدد اليوم في الدوحة، وعن نتائج قمة الرياض غدًا: هل ستنهي الحرب والحصار على غزة؟ وغيرها من الأسئلة.
وسط شبه صمت إسرائيلي رسمي حيال سلوك ترامب، يُعبّر عن ازدواجية المشاعر هذه كاريكاتير تنشره صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليوم، ويبدو فيه جنديان إسرائيليان في غزة، يقول الأول: “معي كتاب/ سِفر المزامير الذي يحميني”، فيرد الثاني مباهياً: “معي جواز سفر أمريكي!”
ويكرّس المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، اليوم، تحليله للتمييز بين جندي وجندي، معتبرًا ذلك سابقة خطيرة، فيقول إن إسرائيل تضطر للموافقة على تمييز بين جنودها، ويُحرّر ألكسندر فقط لأنه يحمل جوازًا أمريكيًا.
وتبعه محلل الشؤون السياسية زميله يوسي فرطر بقوله إن تحرير الجندي مثال على “إدارة إجرامية” لدى حكومة نتنياهو: “لا تبادر، لا تحرّك، ولا تستعيد المخطوفين الذين يمكن إنقاذهم بعد”.
وتتبعهما زميلتهما المحررة المعلقة في “هآرتس” يوعناه غونين، في توجيه الانتقاد، لكنها تتجاوزهما في الاستنتاج، حيث تدعو بتلميح غليظ إلى التمرّد والعصيان بقولها: “إن حكومة نتنياهو تحلّلت تمامًا من مسؤوليتها تجاه الإسرائيليين، فبحال لا تقوم هي بواجبها، فلا سبب للمواطنين أن يواصلوا القيام بواجباتهم”.
هل تنتهي الحرب؟
من جهته، يقول زميلهم في الصحيفة حاييم ليفنسون إنه بعدما حاول نتنياهو تعطيل الصفقة وتوجيه الاتهام لـ “حماس”، فإن تحرير الجندي ألكسندر يشير بأن واشنطن والدوحة على تنسيق.
ويضيف محذرًا من الآتي المحتمل: “لم يعد هناك مقترحات ويتكوف، بل يوجد الآن مقترحات ترامب فقط. ترامب يريد إعلان مقترحه لوقف الحرب غدًا من الرياض، ولا يُبقي لنتنياهو حبلًا”.
وعن الإحباط الأمريكي من نتنياهو، يرى محلل الشؤون الشرق أوسطية في الصحيفة ذاتها تسفي بار إيل: “من المشكوك به أن يبقى ترامب راغبًا بالتداخل في موضوع الحرب على غزة. في الأجندة المشتركة للسعودية والولايات المتحدة، فإن اتفاقًا نوويًا مع إيران أهم”.
في افتتاحيتها، تدعو “هآرتس” للانضمام إلى خطوة ترامب، معتبرة أن خطواته في الشرق الأوسط لا يجوز رؤيتها كخطوة كيدية ضد إسرائيل، بل “عجلة نجاة ودعوة أخيرة لها للنزول من مراكب جدعون والتراجع عن حرب تقودها إلى كارثة في ظل قائد الفشل الذي لم يعد يرى يمينه من يساره: نتنياهو”.
ويُعبّر كاريكاتيرها اليوم عن مخاوف بقاء إسرائيل وحيدة معزولة، وأن القطار الإقليمي يبدو أنه يفوتها. فالرسم يُشبه لعبة كرة قدم، لاعِبوها بن سلمان، وبن زايد، والشرع، وخامنئي، وأبو مازن، بينما يلعب ترامب دور الحكم الذي يقوم بوقف نتنياهو ويبلغه: “أنت هبطت درجة”، وكأنه يطلب منه مغادرة اللعبة. فيما يظهر أبو مازن في حركة بهلوانية أنيقة، مسددًا هدفًا بـ”ضربة مقص”.
وتعتبر المحللة السياسية البارزة في صحيفة “يديعوت أحرونوت” أورلي أزولاي أن خسارة كبيرة تلحق بإسرائيل في هذه الفترة، فتقول في مقالها تحت عنوان “بقينا وحدنا”: إن نتنياهو تعاملَ في الماضي مع ترامب كأحمق جاهز للعمل، فاستغل قلة فهمه في الخطوات السياسية والأمنية من أجل اللعب به بإصبعه الصغرى… والآن انقلب الدولاب، وانقلب السحر على الساحر.
يتفق معها المعلق البارز في القناة 12 العبرية، بن كاسبيت، فيؤكد، هو الآخر، في مقال تنشره صحيفة “معاريف” اليوم، أن الأزمة بين ترامب ونتنياهو كبيرة وحقيقية، ويعلل ذلك بالقول: “إن كل ما يعرف نتنياهو فعله… ترامب يفعله بشكل أفضل”.
سلامة الائتلاف
ويمضي بن كاسبيت في تفسير تحوّل صداقة ترامب ونتنياهو إلى خصومة مربكة ومضرة لإسرائيل أيضًا: “نتنياهو يكتشف الآن أن ترامب ليس بايدن ولا أوباما، اللذين كان يمكن جرّهما من منخاريهما. في الوقت الذي يواصل فيه نتنياهو التسويف وكسب الوقت بتوزيع وعود كاذبة، يقوم الرئيس الأمريكي بتحقيق صفقات واتفاقات من خلف ظهر نتنياهو، مع “حماس”، والحوثيين، وإيران”.
يكاد بن كاسبيت يقول إن التحوّل يتحقق على مستوى العلاقات الثنائية بين الرئيسين لأن ترامب يعلم بكل أحابيل نتنياهو. وهو بخلاف بايدن، الذي انتقد نتنياهو وحكومته بالتصريح والتلميح، لكنه لم يتركه، وطبعًا لم يترك إسرائيل وحيدة.
في المقابل، لن يترك ترامب إسرائيل، فالعلاقات بين الدول إستراتيجية ومبنية على مصالح حقيقية، والسياسات الخارجية لم تتغير في العقود الأخيرة. ومن هنا، ربما تنتهي زيارة ترامب بتصريحات مهمة، لكنها تُبقي الحرب والحصار على غزة مستمرين، فنتنياهو يبدو كمن خسر الكثير من مقدراته السياسية، ويحاول الرهان والمغامرة بكل شيء، في مقابل محاولة البقاء في الحكم وفي وعي الإسرائيليين وتاريخهم الجمعي.
في ذلك، يقول المحلل آفي سخاروف، في مقال بعنوان “مطلوبة شجاعة سياسية”: إن ما يفصل بين الفشل والنجاح السياسي شيء واحد: اتفاق لتحرير المخطوفين. بحال قَبِلَ نتنياهو مقترحات واشنطن الراغبة بوقف الحرب وإتمام صفقة “الكل مقابل الكل”، من شأنه أن يقود إلى تغيير عميق في الشرق الأوسط. لكن نتنياهو، حاليًا، يفضّل سلامة الائتلاف على كل إمكانية لتحقيق مكسب سياسي جوهري لإسرائيل.