سلاح المقاومة الفلسطينية لا يمكن انتزاعه.. د.عادل علي جوده

تتواصل الهجمة الصهيونية الشرسة على غزة دون أدنى اكتراث لـ “القانون الدولي لحقوق الإنسان”، وهو منظومة القواعد الدولية المصممة لحماية الحقوق الطبيعية لبني البشر دون تمييز بين جنس ولون ولسان ومعتقد، ودون احترام لـ “القانون الإنساني الدولي في النزاع المسلح” وهو مجموعة القواعد التي تسعى إلى الحد من آثار النزاع المسلح لحماية المدنيين في إطار “قانون الحرب” المتصل بتحديد معايير استخدام القوة ومشروعيتها في إطار ميثاق الأمم المتحدة.

نعم؛ هنالك قوانين أجمعت عليها دول العالم وسنّتها لحماية الإنسان في كل زمان ومكان حتى في النزاعات المسلحة، إلا أن هذا الأمر لا وجود له في حالة الكيان الغاصب الذي يرى نفسه فوق القانون فيفرض إرادته على المنطقة بأسرها ويسرح ويمرح كما يحلو له دون حسب أو رقيب.

ستة عشر شهرًا من الإبادة الجماعية لم يزل يمارسها الكيان الإسرائيلي دون توقف؛ قصف، ونسف، وتجويع، وقتل، وتدمير، وحصار شامل خانق على مليوني فلسطيني، على الرغم من صفقة الهدنة ذات المراحل الثلاث التي توصل إليها الوسيطان (مصر) و(قطر) تحت إشراف مباشر من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامت، والتي تم التوافق عليها في السابع عشر من يناير 2025م، وبموجبها التزمت حماس بتنفيذ التزاماتها، إلا أن الكيان أوقف الصفقة قبل أن تكمل مرحلتها الأولى، فمنعت دخول المساعدات الإنسانية الإغاثية والصحية لتجويع النساء والأطفال والشيوخ وتعطيشهم، وواصلت عملياتها العسكرية القاتلة للإنسان والمدمرة للبنيان لاسيما ما تبقى من مستشفيات، وصيدليات، ومدارس، وجامعات، ومخابز، وآبار المياه، على مرأى العالم.

وبعد ما يزيد على الأربعين يومًا من الإجرام قدّم الوسيطان تصورًا جديدًا لعقد صفقة جديدة، إلا أن هذا التصور جاء مخيبًا للآمال ويظهر بشكل جليّ أنهما لا يتحليّا بما يجب أن تكون عليه صفة الوسيط ومهماته، بل راحا يحملان إرادة الكيان الغاصب ويعملان على تحقيقها؛ حيث تضمن التصور أو المقترح أو لأقل المطلوب هو “نزع سلاح المقاومة” كشرط رئيس لوقف الحرب، والمعروف أن “نزع سلاح المقاومة” هو في الأساس مطلب صهيوني ليس فقط في إطار هذه الهجمة المجرمة، بل لطالما مارسه الاحتلال على الشعب الفلسطيني وقياداته منذ ثمانية عقود، وكلنا يذكر ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ ما حلّ بالشعب الفلسطيني في نهاية الاجتياح الإسرائيلي للبنان؛ إذ بعد أن قبلت منظمة التحرير الفلسطينية بمغادرة لبنان وتسليم أسلحتها في إطار ذلك الاتفاق المأساوي الذي غفلت فيه المقاومة عن أن الطرف الآخر أنما هو عدو مجرم ذو ثقافة سوداء لا وجود فيها للصدق والوفاء، إنما إدمان حقيقي على سفك المزيد من الدماء، فكانت النتيجة “مجزرة صبرا وشاتيلا” التي راح ضحيتها 3500 فلسطيني خلال ثلاثة أيام فقط وهي 16 و17 و18 من شهر سبتمبر 1982م، فهل حقًّا يطلب الوسيطان من حماس والجهاد ومختلف فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة تسليم أسلحتها ومغادرة غزة ليواصل هذا العدو الغادر أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير لمن تبقَّى من ساكنيه؟!

وهنا تتأجج مشاعر الدهشة والاستغراب لتغوص في متاهات الشك والريبة، أيعقل أن يتبنّى أو يتقبل الوسيطان هكذا شرط؟! هل نسيا أو تجاهلا أن هذا الكيان احتل هذه الأرض بالقوة منذ ثمانية عقود، وأن من حق الشعب الفلسطيني أن يكافح ويناضل ويجاهد لاسترداد أرضه، وأن من حقه الدفاع عن حريته، وكرامته، ومعتقده، ومقدساته، وأن من حقه السعي بكل السبل لإقامة دولته المستقلة والعيش بعزة وأمان حاله حال شعوب الأرض؟!

ثم هل نسيا أن هناك مبادرة عربية أقرتها جامعة الدول العربية ووافقت عليها، وبموجبها نفذت منظمة التحرير الفلسطينية التزاماتها، إذ أعلنت اعترافها بالكيان الغاصب كدولة على 78% من أرض فلسطين التاريخية، وقبلت بأن تكون عبارة عن مجرد سلطة فلسطينية للتنسيق الأمني الذي أفسح المجال أمام الكيان لإقامة مغتصباته الاستيطانية في مختلف أراضي الضفة الغربية، وفي الوقت نفسه نجد أن الكيان الغاصب حتى اللحظة لم يزل يرفض الاعتراف أو مجرد أن يناقش قيام دولة فلسطينية، وليت هذا فحسب، بل ها هو اليوم يعلنها مدوية أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية، بل يرفض أي سيادة فلسطينية على قطاع غزة الذي يتوعده ـ والضفة الغربية كذلك ـ بالقتل والتدمير ومن ثم بالتهجير في مسيرة إجرامية ترمي إلى احتلال كل فلسطين وإنهاء القضية الفلسطينية ثم يتفرغ لتحقيق أطماعه التي لم تعد خافية على أحد في منطقة الشرق الأوسط. ولذلك أقولها بيقين “سلاح المقاومة الفلسطينية لا يمكن انتزاعه”؛ ذلك أنني لا أعني بسلاح المقاومة “الرصاصة والصاروخ” كما يظن الآخرون، إنما هو العقل الفلسطيني وما يمتلكه من فكر حر يتمسك بالأرض، والمقدسات، والحضارة، والتاريخ، وهو القلب الفلسطيني العامر بالإيمان بالله سبحانه وتعالى واليقين بالعدالة التي تُحِقُّ الحق ولو بعد حين، أي أن “سلاح المقاومة الفلسطينية” عبارة عن فكرة متجذرة لا يمكن انتزاعها من النفس الفلسطينية، و”سلاح المقاومة الفلسطينية” صورة رسمتها الروح الفلسطينية في حبات العيون لدولة فلسطينية كاملة السيادة على ثرى فلسطين (كل فلسطين) وعاصمتها القدس الشريف.

وهنا أهمس لأهلنا في كل فلسطين، وفي غزة على وجه التحديد، أن نعم لقد طالت الهجمة الصهيونية الشرسة، وتوغلت، وقتلت، ودمرت، إلا أن المقاومة بفضل الله لم تُهزم، ولذلك راح العدو يُفعِّل سياسة “فرّق تسد” عبر الوحدة (8200) المتخصصة في هذا الشأن، وقد نجحت في ذلك بالتعاون مع ضعاف النفوس وفاقدي البصر والبصيرة وهم قِلّة، إلا أنهم شكلوا طعنة سامة في خاصرة مقاومتنا الباسلة وشعبنا الصابر المحتسب المؤمن بوعد الله سبحانه وتعالى، فهل من وقفة أصيلة نراجع فيها أنفسنا ونتدبر مصيرنا فلا نكون كأفراد تلك الفئة الذين وعدهم جنكيز خان بالولاية فحاربوا تحت إمرته إخوانًا لهم، ولما تحقق لجنكيز ما أراده سفك دماءهم وقال مقولته الشهيرة “لو كان يُؤْمَنُ جانبهم لما غدروا بإخوانهم من أجلنا ونحن الغرباء”.

وأختم بمسألة غاية في الأهمية تتصل بالفكر الإجرامي الذي يحمله نتنياهو والمتطرفون الآخرون من قبله ومن بعده، ذلك الفكر الذي أفصح عنه الحاخام الصهيوني “مانيس فريدمان” من الحوار الذي أجري معه في العدد الصادر لشهرَيْ مايو ويونيو من العام 2009، لمجلة (Moment) حول الطريقة المثلى لتعامل اليهود في فلسطين المحتلة مع جيرانهم من العرب، إذ أجاب بقوله: “إنني لا أومن بأخلاقيات ألا تقتل المدنيين أو الأطفال، وألا تُدمِّر الأماكن المقدسة، وألا تقاتل في المناسبات الدينية، وألا تقصف المقابر، وألا تُطلق النار قبل أن يطلقها عليك الآخرون، بل إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية؛ دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم”. وبدوري أقول إذا كانت تلك هي ثقافة نتنياهو وأقرانه، ففي ثقافتنا قَوْلُ خير البشر وخاتم الأنبياء: “فعليكم بالجهاد، وأفضل الجهاد الرباط، وخير رباطكم عسقلان”، وقَولُهُ “… حتى يقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبدالله …” أو كما قال صلوات ربي وسلامه عليه.

– كاتب فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com