نبض الحياة.. أهداف إغلاق المدارس.. عمر حلمي الغول

في حروبها المتوازية والمتكاملة والمتواصلة في تحقيق هدف تصفية القضية الفلسطينية والمشروع الوطني، وطمس الكيانية الفلسطينية على طريق نفي الشعب العربي الفلسطيني من أرض وطنه الام فلسطين، تنفذ دولة إسرائيل اللقيطة وحكوماتها المتعاقبة خططها ومشاريعها الاستعمارية وفقا لمنهجية التصفية عبر القضم التدريجي لمرتكزات الكينونة الفلسطينية، مستخدمة أسلحة متعددة في حروبها المختلفة على طريق بلوغ أهدافها الاستراتيجية، وتختار الزمان والمكان المناسبين لهدم وتدمير قلاع الهوية والشخصية الفلسطينية، وفق تقديراتها (إسرائيل) للشروط الذاتية والموضوعية.
ومن قراءة لوحة الصراع الدامي والحروب الوحشية الإبادية من قبل إسرائيل الخارجة على القانون ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية على الشعب العربي الفلسطيني ومصالحه الوطنية العليا، يتأكد للمراقب السياسي والإعلامي والثقافي والاكاديمي أن الصراع، هو صراع وجود، لا صراع على الحدود، أو على حجم الانسحاب من هذه المنطقة أو تلك، أو على سقف الصلاحيات السياسية والأمنية والاقتصادية المالية والتربوية الثقافية للحكم الإداري في أراضي دولة فلسطين المحتلة، انما هو صراع النفي والشطب والتصفية الكلية للشعب وهويته وتاريخه وموروثه الحضاري وسرديته، وفرض الرواية الصهيونية الكولونيالية المزورة والكاذبة، استنادا الى الشعار الناظم ليهود الخزر الصهاينة “ارض بلا شعب، لشعب بلا أرض.”
في إطار اللوحة الأساسية لجوهر الصراع الفلسطيني العربي مع العدو الصهيو أميركي، تتفرع الحروب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، والتي يحتل فيها مساق الحرب على ملف اللاجئين ركنا أساسيا، لأنه يؤرق إسرائيل اللقيطة وسادتها في الولايات المتحدة، وضمن هذه الحرب يحتل هدف تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الاونروا” مركزا رئيسيا، ولهذا صادق الكنيست الإسرائيلي في 28 تشرين أول / أكتوبر 2024 على قانونين خطرين، الأول يعتبر وكالة “الاونروا” “منظمة إرهابية”، والثاني فرض حظرا على وجودها في إسرائيل، ومنعها من ممارسة أي نشاط داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما الغى عنها الامتيازات والتسهيلات المقدمة لها كافة، ومنع أي اتصال رسمي بها. وحدد قرار الحظر تاريخ 25 كانون ثاني / يناير 2025 موعدا لدخول القرارين حيز التنفيذ.
وتكريسا لذلك، فرضت حكومة نتنياهو على الاونروا في اليوم التالي لتطبيق القرار، أي في 26 يناير الماضي إخلاء جميع مبانيها في القدس العاصمة الفلسطينية، ووقف عملياتها خلال 4 أيام، أي في 30 من ذات الشهر، ولاحقا أمهلت المدارس التابعة للوكالة الأممية لإغلاق أبوابها حتى 8 أيار / مايو الحالي. وتجسيدا لذلك قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بتسليم مدارس الاونروا قرار الاغلاق في مطلع نيسان / ابريل الماضي، بذريعة عدم وجود ترخيص قانوني.
وفعلا في يوم الخميس الموافق 8 مايو الحالي اقتحمت الشرطة الإسرائيلية 6 مدارس وكالة الاونروا في القدس الشرقية وفرضت اغلاقها بعد طرد الطلاب والمدرسين والاداريين منها، يوجد منها 3 في مخيم شعفاط، والبقية موزعة على قرى وادي الجوز وسلوان وصور باهر، وتخدم المدارس ال6 قرابة 800 طالب وطالبة، إضافة الى نحو 350 في كلية تدريب قلنديا، وهي تقع ضمن حدود بلدية القدس. وقال رولاند فريدريش، مدير شؤون الاونروا في الضفة الغربية على منصة “إكس” “إن أوامر الاغلاق الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين “تشكل انتهاكا لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي.” وأضاف ان الأوامر “تهدد حق نحو 800 طفل وطفلة في التعلم.” وهو هدف مقصود وهادف الى تعميم الجهل والامية في أوساط الشعب الفلسطيني من جهة، ومن جانب آخر فرض منهاج التعليم الإسرائيلي المزور والملفق، لتكريس روايته المعادية للشعب الفلسطيني والمتنكرة لحقوقه السياسية والثقافية والنافية للسردية الوطنية، ولتعميم وعي مشوه ورجعي في أوساط الأطفال الفلسطينيين، وكل ذلك يتناقض مع القوانين والمواثيق والمعاهدات الأممية كافة، لكن إسرائيل المرتكزة الى البلطجة الأميركية، لم تعد تبالي بأي قانون دولي، ولا تفكر لمجرد التفكير بالالتزام بأي منها، لأنها دولة إبادة جماعية
وهي خطوة على طريق التصفية الكاملة لأهم وأكبر وأقدم مؤسسة أممية انسانية، أي وكالة “الاونروا” المنبثقة من رحم هيئة الأمم المتحدة، استنادا للقرار 302 الصادر نهاية 1949، والتي تعتبر شاهد أساس على قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي تستهدف مع الولايات المتحدة الأميركية اجتثاثها من الجذور، واستبدالها مؤقتا بعناوين أممية غير ذات صلة، وكمقدمة لإلغاء دور هيئة الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، لإغلاق كلي لملف اللاجئين، باعتباره أحد أهم الملفات، لأنه مرتبط بالأرض والعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وهو ما يثير الرعب في صفوف قادة إسرائيل المارقة والنازية، ويهدد مستقبل وجودها على الأرض الفلسطينية، مع ان قيادة منظمة التحرير الفلسطينية قبلت بخيار حل الدولتين على حدد الرابع من حزيران / يونيو 1967. لكن قادة إسرائيل لن يقبلوا بأي تسوية مهما كانت، حتى لو كانت صفقة القرن المشؤومة، التي شرعها في 2020 وطوى صفحتها 2025 دونالد ترمب، رئيس اميركا الشمالية الحالي. إذا الحرب والصراع كان، ومازال، وسيبقى صراع وجود، لأنه لا إمكانية في الأفق لوجود قيادة إسرائيلية قابلة للموافقة على خيار حل الدولتين على حدود 1967، وفي حال وجد من يقبل من الإسرائيليين بذلك، لن يكون مصيره أقل من مصير إسحاق رابين أو أيهود أولمرت.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com