ما وراء الاستفاقة المتأخرة للضمير العالمي.. ابراهيم ابراش

كان من الممكن في البداية تفهم سلبية مواقف دول العالم وشعوبها بل وتأييد أغلبها لحرب الإبادة على قطاع غزة، بسبب قوة الإعلام اليهودي وتصديق الرواية الصهيونية حول ما جرى لليهود في طوفان الأقصى من قتل وتنكيل لمدنيين وأطفال ونساء وشيوخ ومزاعم الاغتصاب، ومزاعم أن كل أهالي قطاع غزة يؤيدون حماس وما جرى في السابع من أكتوبر، كما صدقت غالبية دول العالم أكاذيب نتنياهو بأنه لا يستهدف المدنيين الفلسطينيين وأن هدف الحرب هو استعادة المخطوفين والقضاء على قدرات حماس العسكرية.

ولكن بعد أن انكشفت أكاذيب نتنياهو وحقيقة الحرب وأهدافها بعد ١٩ شهراً من القتل بدون تمييز والتدمير الممنهج لكل شيء ،حيث تسببت الحرب بفقدان حوالي ربع مليون ما بين قتيل وجريح ومفقود وأسير ومعاق وتدمير ٨٠% من القطاع بما فيه من أبنية سكنية ومستشفيات ومدارس ،وانتشار الجوع والمرض ،دون أي اهتمام جاد بأرواح المخطوفين الاسرائيليين، وإفشال إسرائيل كل الجهود الدولية لوقف الحرب وحتى إدخال مساعدات إنسانية لإنقاذ من تبقوا أحياء ،وبعد انكشاف التنسيق الأمريكي الإسرائيلي في ادارة الحرب ,ومع بدء عملية عربات جدعون لاستئناف الحرب بقوة أكبر … آنذاك تحركت الشعوب بمظاهرات غير مسبوقة في الغرب منددة بحرب الإبادة وتجويع شعب فلسطين ،وتجاوبت حكومات غربية مع شعوبها بتصريحات قوية منددة باستمرار إسرائيل بالحرب وتجويع أهالي غزة مهددة بفرض عقوبات على إسرائيل والاعتراف بالدولة الفلسطينية، حتى الرئيس ترامب وجه رسالة قوية لنتنياهو مطالباً بإدخال مساعدات إنسانية للقطاع ،وكانت المظاهرات الشعبية وتصريحات قادة الغرب في اسبانيا وفرنسا وكندا وبريطانيا واليونان الخ أكبر وأقوى مما يجري في دول عربية وإسلامية.

فكيف نفسر عودة التحركات الشعبية المناصرة لشعب فلسطين والمنددة بحرب الإبادة وتجويع سكان القطاع؟

يمكن طرح عدة أسباب لهذا التحول في الموقف، مع الحذر من المبالغة في التحولات نظراً لتجارب سابقة مع حكومات الغرب وعمق علاقاتها مع إسرائيل:

1-         قد يكون جزء من هذا التحرك المتأخر محاولة لتبرئة الذات من المسؤولية عن مشاركة الغرب لإسرائيل في جرائمها.

2-        أو احساساً منها بأن مصيبة كبيرة قادمة للفلسطينيين ويريدون تسجيل موقف مسبق برفض الممارسات الإسرائيلية.

3-       وقد يكون السبب صحوة ضمير جادة حيث اكتشفت الشعوب بأن صمتها على الجرائم الإسرائيلية غير المسبوقة تاريخياً تتناقض مع منظومتهم القانونية والأخلاقية التي تربوا عليها من حيث احترام حقوق الانسان والقانون الدولي.

4-       قد يكون يهود في بلدان الغرب شجعوا التحركات الشعبية الأخيرة عندما شعروا بتدهور صورة وسمعة اسرائيل وتحولها لدولة منبوذة في البلدان التي يعيشون فيها وخوفاً منهم من عودة اللا سامية مجدداً.

5-       شعور الأوروبيين أن واشنطن وخصوصاً بعد جولة ترامب الخليجية توظف القضية الفلسطينية وما يجري في غزة لتعزيز نفوذها ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة وإبعاد أوروبا ذات الحضور والدور التاريخي في المنطقة عن المشهد كما جرى في المفاوضات مع إيران والمفاوضات حول حرب أوكرانيا، ومن هنا قرر الأوروبيون التمرد على التبعية لواشنطن واتخاذ موقف مستقل ومتفهم تجاه الشعب الفلسطيني والعرب عموماً.

6-         في المقابل فإن التحركات في عديد دول العالم في الغرب، الشعبية والرسمية، تكشف زيف الرواية الصهيونية وانكشاف إسرائيل كدولة احتلال مجرم، أيضاً تؤكد على عدالة القضية الوطنية واستحالة تصفية القضية الفلسطينية بالحرب والعدوان.

وكما سبق وأن كتبنا عند بداية التحركات الشعبية في بداية الحرب فإن هذه التحولات الإيجابية في الرأي العام العالمي يحتاج لجهد فلسطيني وطني ووحدوي مقابله يشكل حاضنة لهذه التحولات وضمان استمرارها حتى لا تنقلب عليها إسرائيل وتغير مسارها.

Ibrahemibrach1@gmail.com

Dr: Ibrahem Ibrach

Professor of Political Science

Gaza- Palestine

https://palnation.org/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com