“عربات جدعون وزيارة ترامب: محاولة لهندسة نهاية غزة سياسيًا وميدانيًا”

قراءة استراتيجية موجزة موجهة للنخب الفكرية والسياسية
إصدار خاص – مركز آفاق للدراسات الاستشرافية
أولًا: في طبيعة اللحظة
غزة لا تواجه فقط موجة قصف جديدة أو مرحلة من مراحل حرب طويلة؛ بل تعيش محاولة ممنهجة لإعادة تعريفها. المشروع “الإسرائيلي” لم يعُد فقط معنيًا بتأديب المقاومة، بل يسعى لإعادة صياغة القطاع ككيان منزوع العمق والمصير، يتم تفكيكه سكانيًا، ثم يُعاد تركيبه ضمن مشهد إقليمي هش.
منذ 7 أكتوبر 2023، وتحت عنوان “الحرب على حماس”، جرت أكبر عملية إزاحة ديموغرافية داخلية في تاريخ القطاع، وتجري الآن محاولات لربط المصير السياسي للقطاع بمسارات إغاثية وإنسانية مضبوطة خارجيًا.
ثانيًا: خطة “عربات جدعون” – اجتياح محدود بأثر كلي
تحمل الخطة الجديدة اسمًا توراتيًا يدل على العقيدة قبل العمليات. “عربات جدعون” ليست مجرد عملية عسكرية، بل أداة لإعادة تشكيل الجغرافيا السكانية والمعنوية في القطاع.
جوهر الخطة يتمثل في:
• تنفيذ اجتياحات جزئية تُنتج واقعًا دائمًا (منطقة عازلة – فراغ سكاني شمالًا – خطوط تماس مغلقة).
• استخدام الضغط الإنساني والتجويع كسلاح مركزي لدفع الناس للنزوح القسري.
• عزل المقاتلين عن المدنيين، سياسيًا وميدانيًا، بما يسهل الضربات المركزة.
• تحويل القطاع إلى خرائط أمنية قابلة للرقابة والتحكم، دون حاجة للاجتياح الشامل.
ثالثًا: زيارة ترامب – الغياب الحاضر
في لحظة احتدام المعركة، يُعلن دونالد ترامب عن زيارة مرتقبة للسعودية وقطر والإمارات بين 13 و16 مايو 2025، بينما يتم استثناء الكيان الصهيوني من الجولة. هذا ليس حيادًا، بل نوع من “الغياب المُتعمّد”، الذي يمنح “إسرائيل” كامل هامش التحرك دون تكلفة سياسية مشتركة.
الرسائل الأساسية خلف هذا الاستثناء:
• إبقاء يد الاحتلال طليقة دون أن يتحمّل البيت الأبيض كلفة الإبادة.
• التنصّل من المفاوضات أو أي التزام بوقف إطلاق النار.
• تسويق صورة أميركية “هادئة” قبيل الانتخابات، دون وقف دعم العدوان.
• إتاحة الفرصة لترتيب الملفات الخليجية (استثمارات، تطبيع جزئي، صفقات)، بمعزل عن غزة.
رابعًا: التهديدات لا تكمن في القصف وحده
الخطورة الأكبر لا تكمن في التوغلات ولا في قصف المخيمات وحدها، بل في:
• محاولة تثبيت نتائج النزوح كأمر واقع.
• تصعيد الخطاب العالمي حول “ما بعد غزة”، سواء بخصوص الإعمار أو الإدارة الدولية أو استبدال المقاومة بجهات وسيطة.
• تحويل القطاع إلى حالة معزولة، محاصرة، منهَكة، يُعاد تأهيلها من الخارج.
• استثمار الزمن ضد الصبر الشعبي، لتتآكل الجبهة الداخلية بفعل البرد، الجوع، والإحباط.
خامسًا: الفرص… ولكن!
رغم كل ذلك، لا تزال المقاومة تحتفظ بأصول قوة كامنة:
• هشاشة الداخل “الإسرائيلي”، وافتقار الحكومة للإجماع والشرعية.
• قدرة الميدان على تفجير المفاجآت.
• تصاعد التأييد العالمي الشعبي لغزة.
• تآكل مصداقية الوسطاء الإقليميين أمام شعوبهم.
لكن هذه الفرص لا تشتغل وحدها، تحتاج إلى هندسة مقاومة جديدة، وإلى قيادة سياسية تتقن فن المناورة، دون تفريط أو تهور.
خاتمة: عن المعركة الحقيقية
المعركة اليوم ليست فقط على غزة، بل على تعريف غزة:
• هل هي كيان مقاوم يقود الأمة؟ أم عبء إنساني يُدار خارجيًا؟
• هل تبقى مساحة المبادرة بيد المقاومة؟ أم يتم انتزاعها تدريجيًا باسم “النجاة”؟
• هل تُجرّ النخبة إلى الاكتفاء بالبكاء على الأنقاض؟ أم تُستفز لإعادة هندسة مشروع الصمود بمفاهيم عليا؟
العدو يراهن على الصمت، والتراخي، والارتخاء العقلي.
بينما الرهان الحقيقي هو أن تفكر النخبة — لا كيف توقف الحرب فقط، بل كيف تمنع تحويل
غزة إلى حالة ما بعد مقاومة.