“إسرائيل” تُحوّل المساعدات الإنسانية إلى ساحة إبادة جماعية.. المحامي علي ابوحبله

في زمن الأزمات الإنسانية والحروب والنزاعات، تُقدم المساعدات الإنسانية كمنقذٍ للضحايا والمحتاجين. لكن ما يحدث أحيانًا هو أن هذه المساعدات تتحول إلى أداة معقدة قد تخفي خلفها أجندات سياسية أو اقتصادية، تجعل منها فخًا يستهدف المجتمع بدلاً من أن يكون دعمًا حقيقيًا له.

المساعدات الإنسانية، التي يفترض أن تكون وسيلة لتخفيف معاناة الجوعى والمشردين، قد تتخذ أحيانًا شكلًا مختلفًا. ففي بعض الحالات، تُستخدم هذه المساعدات كغطاء لفرض شروط أو السيطرة على الموارد، أو لخلق نوع من الاعتماد الذي يُضعف قدرة المجتمعات على المقاومة والاستقلال.

وهنا يظهر دور “الجوعى المقاومين” — أولئك الذين يرفضون الانصياع أو الخضوع، رغم معاناتهم الشديدة من الجوع والحاجة. هؤلاء الأشخاص لا يقبلون أن تُفرض عليهم حلول خارجية تُقيد حريتهم أو كرامتهم، بل يُصرون على الحفاظ على كرامتهم ومقاومتهم حتى في أشد الظروف قسوة.

هذا الموقف يعكس عمق الوعي بحقيقة أن المساعدات الإنسانية ليست دائمًا بريئة أو محايدة. فهي قد تكون وسيلة ضغط أو استغلال، مما يجعل من مقاومة الجوعى الذين يرفضون هذا الفخ رمزًا للنضال ضد الظلم والقهر.

في النهاية، لابد من إعادة النظر في طرق تقديم المساعدات الإنسانية، بحيث تكون فعلاً دعمًا حقيقيًا يراعي كرامة الإنسان وحقوقه، وليس وسيلة لإعادة إنتاج أنماط التبعية والاستغلال. ويجب أن يُدرك العالم أن هناك قوة في صمود الجوعى المقاومين، الذين رغم جوعهم، يختارون الحرية والكرامة على الاستسلام والذل.

العديد من المنظمات الدولية حملت إسرائيل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في غزه وتحويل قضية المساعدات الإنسانية الى ساحة أباده جماعية ، المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان حمل  سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، إذ عمدت إلى هندسة وتنفيذ جريمة تجويع منهجية على مدار نحو 600 يوم من الإبادة الجماعية، وأغلقت المعابر بشكل كامل طيلة 88 يومًا، مانعة دخول المساعدات الأساسية، قبل أن تدفع اليوم بالمدنيين إلى فوضى مهينة عند نقاط توزيع خاضعة لإشرافها، في مشهد يجسّد استخدام المعونة كسلاح للإذلال والإخضاع والتدمير، ويكشف الانهيار المتعمّد لأي إمكانية للوصول إلى الغذاء.

وأوضح المرصد أنّ فريقه الميداني تابع تفاصيل آلية توزيع المساعدات التي أشرفت عليها شركة أميركية أنشأتها إسرائيل، تحت حراسة مشتركة من قوات أمنية أميركية خاصة وقوات إسرائيلية، وهي آلية اتسمت بالإذلال الكامل وانعدام الحدّ الأدنى من المعايير الإنسانية، سواء من حيث موقع التوزيع أو أسلوبه، إذ جرى إجبار آلاف المدنيين المجوعين على السير مشيًا لعشرات الكيلومترات نحو منطقة أمنية خطيرة تحاصرها قوات الجيش الإسرائيلي، ليُرغموا بعدها على الدخول في ممرات مسيّجة تحت الحراسة المشددة، في مجموعات، لاستلام طرود غذائية محدودة، دون أي نظام واضح أو آلية تضمن الكرامة أو العدالة في التوزيع.

وأشار إلى أنّ قوات الاحتلال تعمّدت إذلال المدنيين عبر احتجازهم بين الأسلاك الشائكة، في حين فشلت الشركة التي تدير العملية في توفير الحد الأدنى من الظروف الملائمة لاستيعاب عشرات آلاف الأشخاص الذين توافدوا إلى المكان على أمل الحصول على ما يسد رمقهم بعد أكثر من شهرين من الحصار الكامل، لافتًا إلى أن الآلاف اضطروا إلى السير كيلومترات طويلة نحو نقطة توزيع وحيدة، صُممت بشكل مهين، حيث أُجبروا على دخول ممرات ضيقة مسيّجة، والخروج من ممر مماثل بعد استلام طرد غذائي محدود، في مشهد يتنافى تمامًا مع كرامة الإنسان وأبسط المعايير الإنسانية.

الآلية التي وضعت من قبل إسرائيل لتوزيع المساعدات عبر شركات أمريكية خاصة  تهدف لدفع سكان محافظة شمالي غزة ومحافظة غزة – اللتين تضمان قرابة نصف عدد سكان القطاع – إلى النزوح القسري نحو مناطق الوسط والجنوب، حيث تتركز نقاط التوزيع، إلى جانب إخضاع جميع أرباب الأسر لفحص أمني دقيق، بما يعرّضهم لخطر الإخفاء ألقسري أو الاعتقال التعسفي، لا سيما في ظل تمركز قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي قرب نقاط التوزيع وعلى امتداد الطرق المؤدية إليها.

الحكومة الإسرائيلية، التي تستخدم التجويع أداة مركزية لتنفيذ الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة بهدف القضاء عليهم كجماعة، لا يمكن أن تكون طرفًا في العملية الإنسانية بأي شكل من الأشكال، إذ إنّ إشراكها في تنظيم المساعدات أو الإشراف على إيصالها يُفضي حتميًا إلى تحويلها إلى وسيلة للسيطرة على مصير السكان، وفرض خيارات قسرية تمهّد لطردهم من أرضهم، في إطار مشروع استعماري يسعى إلى محو وجودهم وضم أراضيهم بالقوة.

المجتمع الدولي مطالب اليوم  بفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية على إسرائيل بسبب انتهاكها المنهجي والخطير للقانون الدولي، بما يشمل حظر شامل لتصدير الأسلحة إليها أو قطع الغيار أو البرمجيات أو المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، أو شرائها منها، ووقف كافة أشكال الدعم والتعاون السياسي والمالي والعسكري والاستخباراتي والأمني المقدمة لإسرائيل فورًا، بما في ذلك تجميد الأصول المالية للمسئولين السياسيين والعسكريين المتورطين في الجرائم ضد الفلسطينيين، وفرض حظر على سفرهم، وتعليق عمل شركات الصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية في الأسواق الدولية، وتجميد أصولها في المصارف الدولية، إضافة إلى تعليق الامتيازات التجارية والجمركية والاتفاقيات الثنائية التي تمنح إسرائيل مزايا اقتصادية تُسهِم في تمكينها من مواصلة ارتكاب الجرائم ضد الشعب الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com