جاك خزمو.. القمر الذي لا يغيب.. محمد المدهون

قبل خمسة أعوام من اليوم، وبالتحديد في الخامس من شهر حزيران/ يونيو 2020 غيب القدر جسد المناضل الكبير والإعلامي البارز جاك خزمو، رئيس تحرير مجلة “البيادر السياسي”، بعد رحلة طويلة من العمل الوطني والمسيرة الإعلامية التي تخللها الكثير من الصعاب والعقبات والتحديات الجسام، لكن هذه التحديات لم تثن فقيدنا الغالي- الذي غاب بجسده، لكنه لم يغب بحضوره وذكراه الطيبة عن قلوب محبيه وأهله وذويه وكل من عاصره وعايشه- فكان مثالًا يُحتذى به من العطاء والصبر والصمود، ولا زلت أذكر كلماته المشهورة عندما كنت أسأله عن أحواله كلما اشتدت به الظروف وبلغت ذروتها، فكان يقول لي “صامدون” و “يا جبل ما يهزك ريح”.. فعلًا إنه كان جبلًا شامخًأ لم تستطع كل العواصف والرياح والمؤامرات والصعاب عن زحزحته قيد أنملة عن هدفه ورسالته، فقاوم كل الشر، وكل المضايقات وانتهاكات الاحتلال وبقي صامدًا شامخًا في مدينته قدسنا الحبيبة، ورفض كل أساليب التهجير والرقابة العسكرية، والاعتداءات والإجراءات التعسفية، وقاومها بكل ما أوتي من قوة وعزيمة وإصرار، وواجه أزمة مالية خانقة، وتخلى عنه معظم أدعياء الوطنية وتركوه وحده يجابه الصعاب، ولكنه استمر في مسيرته الإعلامية والوطنية، وكان دومًا ينهض أكثر قوةً وإصرارًا على بلوغ هدفه السامي.

كان محللًا سياسيًا بارعًا يلتف حوله الكثيرون ليستمعوا إلى آرائه وتحليلاته حول مجريات الأمور على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية، وكان دومًا صائبًا في تحليلاته وتوقعاته، لم يكن يعرف المجاملات، بل يضع الأمور في نصابها الحقيقي، لا يخاف من النقد البناء، ولا يخفيه، لكن كان بعيدًا كل البعد عن التجريح أو الإهانات أو الشتائم ولا يقبلها بالمطلق، وكان يقف على مسافة واحدة من كل القوى والفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية، ولم يتحيز إلى أحد منهم، وفتح صفحات مجلته أمام الجميع ليعبروا عن آرائهم ومواقفهم وبرامجهم، فكانت البيادر منبر من لا منبر له، وصوت المقهورين والمظلومين، فطرحت قضاياهم ومعاناتهم وطرقت أبواب المسؤولين بحثًا عن حلول لمشاكلهم، وأوصلت صوتهم إلى أصحاب القرار، وساهمت في حل الكثير من هذه المشاكل والقضايا وكان للبيادر إسهاماتها الكثيرة في تبني قضايا المواطنين والعمل على حلها.

مسيرة طولية من العطاء والعمل الإعلامي خاضها المرحوم جاك خزمو امتدت لأكثر من أربعين عامًا، كان خلالها شامخًا معطاءً، متواضعًا، تمترس خلف قضايا شعبه الوطنية ودافع عنها، وتشبث بها.

مهما تحدثنا وكتبنا عن المرحوم جاك خزمو الذي عرفته قبل عشرين عامًا، فإن الكلمات لن تفيه حقه، والصفحات لن تتسع لذكر كل الذكريات الطيبة التي جمعتني به خلال هذين العقدين من الزمن، لكن حبه في قلبي وقلوب الكثير ممن عرفوه سيبقى إلى الأبد، فالأستاذ جاك لم يغب عنا ولا عن قلوبنا، حتى وإن غيبه القدر جسدًا، فما نثق به وما يخفف عنا هذا المصاب الجلل أننا على يقين بأنه الآن في مكان أفضل من هذه الدنيا.. ندعو الله سبحانه وتعالى أن يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه وزوجته وكريماته الصبر والسلوان.

الأستاذ جاك ورفيقة دربه الدكتورة ندى الحايك خزمو

وفي هذا المقام أسأل الله عز وجل وأدعوه أن يمن على زوجته ونائبته/ الدكتورة ندى الحايك خزمو، بالشفاء التام والعاجل، وأن يساعدها على المضي قدمًا في مسيرتها التي خاضتها إلى جانب زوجها طيلة هذه السنين، فكانت سندًا له في كل الحقب والمحطات ومراحل عملهما، وتعرضت هي الأخرى إلى الكثير من الصعاب والتحديات والعقبات والتي وصلت إلى مرحلة التهديدات، وعرضت حياتها للخطر في كثير من المواقف دفاعًا عن قضايا شعبها ووطنها، وحملت رسالتها الوطنية ودافعت عنها، وكانت مثالًا أيضًا للصمود، وكانت تستمد صمودها وعزيمتها من صمود زوجها الذي كان يمدها بالقوة والعزيمة والإصرار.. كل التحية والتقدير إلى هذه المرأة الفلسطينية الفاضلة الصابرة المثابرة، التي أخذت على عاتقها استمرار مسيرة زوجها الإعلامية حتى يومنا هذا، وأصرت عل استمرار عمل موقع “البيادر السياسي الإخباري” رغم انعدام الإمكانيات، لكنها حافظت على وعدها وعهدها لزوجها.. وإن شاء الله ستستمر هذه المسيرة الإعلامية ولن تنحني أمام التحديات والصعاب.

رحم الله فقيدنا الغالي الأستاذ جاك خزمو.. والصبر والسلوان لزوجته وكريماته وذويه.

وإنا على العهد باقون

لمشاهدة مقابلة مع الأستاذ جاك خزمو مع قناة الغد يرجى الضغط هنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com