حين تُفصل الجغرافيا عن الإنسانية.. المحامي علي ابوحبله

في عالم يدّعي التحضر، تقف غزة شاهدة على سقوط مدوٍّ للمنظومة الأخلاقية والإنسانية الدولية. قطاع صغير، لكنه محاصر، معزول، ومفصول قسراً عن العالم، ليُترك وحيداً في مواجهة آلة حربية لا تعترف بقانون، ولا تحترم ضميراً، ولا تخضع لأي مساءلة.
في غزة لا تسقط فقط البيوت فوق رؤوس ساكنيها، بل يسقط معها القانون الدولي، ومعاهدات جنيف، واتفاقيات منع الإبادة، ومواثيق حقوق الإنسان. هناك، تُنفذ الإبادة الجماعية على مرأى ومسمع من العالم، لكن العالم مشغول بإحصاء الضحايا أكثر من منعه سقوطهم.
كيف وصلت غزة إلى هذا الحد؟
هي ليست مجرد حرب. هي فصل منهجي عن النظام الدولي. حصار محكم منذ 18 عاماً، تجويع متعمد، قطع للاتصالات، إغلاق للمعابر، منع للمساعدات. كل ذلك لتصبح غزة جزيرة معزولة عن الإنسانية، مساحة خارج الزمن والقانون، حيث يُباح كل شيء للجلاد، وتُسحب من الضحية حتى حقها في أن تُسمع صرختها.
في غزة، تستعرض إسرائيل أقسى نماذج الإبادة الجماعية، دون أن تتوقف، لأن لا أحد يريد أن يوقفها. العالم اكتفى ببيانات القلق، وشعارات الإدانات، ومؤتمرات العار. مجلس الأمن رهينة الفيتو، والمحكمة الجنائية تحيطها القيود السياسية، والدول الكبرى تصطف خلف القاتل وتمنحه غطاء الشرعية والسلاح.
إن ما يجري في غزة لا يخص الفلسطينيين وحدهم، بل هو اختبار لسقوط النظام الدولي كله. إذا كان بالإمكان تعليق القانون الدولي فوق غزة، فغداً يمكن تعليقه فوق أي شعب آخر.
هذه الإبادة ليست جريمة إسرائيل وحدها، بل جريمة مجتمع دولي كامل، قرر أن يفصل غزة عن ضميره، عن قانونه، وعن إنسانيته.
في غزة، لا يُقصف البشر فقط، بل يُقصف كل ما تبقى من معنى للعدالة، والأخلاق، والقيم، والقانون الدولي.
غزة ليست وحدها فقط، بل تُركت وحدها عمداً… في عار لا يسقط بالتقادم.