تشكيل حكومة في غزة… خطوة نحو إنقاذ القطاع أم ترسيخ لفصل جغرافي يهدد مشروع الدولة الفلسطينية؟

 إعداد: المحامي علي أبو حبلة

في خضم المشهد الفلسطيني المعقد، وفي ظل التداعيات الكارثية للحرب على غزة، تتصاعد التحركات الإقليمية والدولية لإيجاد صيغ جديدة لإدارة القطاع، تحت مسميات متعددة؛ حكومة تكنوقراط، حكومة إنقاذ، أو إدارة مؤقتة. هذه التحركات، وإن جاءت تحت مظلة “إنقاذ غزة”، تثير مخاوف حقيقية في الأوساط السياسية والشعبية الفلسطينية حول تداعياتها الخطيرة على وحدة الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية، وعلى مستقبل المشروع الوطني برمّته.

■ خطر تكريس الفصل الجغرافي والسياسي

منذ اتفاق أوسلو، والجهود السياسية الفلسطينية تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. ومع ذلك، فإن الانقسام السياسي الذي بدأ عام 2007 بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لا يزال يلقي بظلاله الثقيلة على مجمل المشهد الوطني.

تشكيل حكومة في غزة بمعزل عن إطار وطني شامل يحمل في طياته خطراً جدياً بتكريس هذا الفصل. بل إنه قد يحول الانقسام المؤقت إلى انفصال دائم، تتحول فيه غزة إلى كيان سياسي منفصل، بينما تُترك الضفة فريسة للاستيطان الإسرائيلي المتصاعد وسياسات الضم.

■ تهديد للوحدة الديموغرافية والسياسية

إن إنشاء منظومة حكم مستقلة في غزة، بأي مسمى كان، يهدد الوحدة الديموغرافية والسياسية للشعب الفلسطيني. فبمرور الوقت، يؤدي وجود حكومتين منفصلتين ونظامين سياسيين مختلفين إلى تعميق الفجوة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين الضفة وغزة.

وهذا لا يخدم سوى مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، حيث تنسجم هذه الديناميكية مع الرؤية الإسرائيلية التي سعت تاريخياً إلى فصل غزة عن الضفة، لضرب أي إمكانية حقيقية لقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

■ كيان وظيفي مقابل تحسينات اقتصادية

هناك خشية متزايدة من أن تصبح غزة، في حال استمر هذا المسار، كياناً وظيفياً يقدم خدمات إنسانية وأمنية مقابل تحسينات اقتصادية، دون أن يكون جزءاً من الحل السياسي الشامل القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية. وهذا ما يخدم بالدرجة الأولى الأمن الإسرائيلي، ويُضعف الموقف الفلسطيني أمام المجتمع الدولي.

■ تصفية المشروع الوطني الفلسطيني

المضي في هذا المسار يعني عملياً إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ويُجهض فكرة الدولة الواحدة الموحدة جغرافياً وديموغرافياً، كما يعزز منطق الكانتونات المنفصلة الذي تسعى إسرائيل لتكريسه في الضفة الغربية، عبر سياسات التوسع الاستيطاني والضم التدريجي.

■ ما هو المخرج؟

إن المخرج الوحيد لهذه الأزمة يكمن في العودة إلى استراتيجية وطنية شاملة، تقوم على إنهاء الانقسام بشكل جذري، عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تتولى إعادة توحيد المؤسسات الفلسطينية في الضفة وغزة والقدس، تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية شاملة.

أي جهود لإدارة قطاع غزة يجب أن تكون جزءاً من مشروع وطني متكامل، لا أن تكون بديلاً عنه أو مدخلاً لفصل غزة عن باقي الأرض الفلسطينية. كما أن دور المؤسسات الدولية، وخصوصاً الأمم المتحدة، والضغط الشعبي الفلسطيني، يجب أن يكونا حاسمين في رفض أي مشاريع تقود إلى تصفية القضية الفلسطينية تحت غطاء الإعمار أو الإدارة المؤقتة.

■ وحقيقة القول.. اليوم، يقف الفلسطينيون أمام لحظة مصيرية، بين خيار إنقاذ المشروع الوطني بوحدة سياسية وجغرافية، وخطر الانزلاق نحو مشاريع تجزئة وتقسيم تهدد الحقوق الوطنية، وتخدم في نهاية المطاف أجندات الاحتلال وسياساته التوسعية وهذا يتطلب سرعة التحرك لحوار وطني بمشاركة الكل الفلسطيني وسرعة التوجه لتشكيل حكومة وفاق وطني على غرار حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية والتي تشكلت بمرجعية واتفاق الشاطئ

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com