مركز “شمس”: تهجير الاحتلال القسري لنساء وأطفال عرب المليحات جريمة حرب وفقاً للقانون الدولي

رام الله – البيادر السياسي:ـ أدان مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” بأشد العبارات الجريمة الجديدة التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق المواطنين الفلسطينيين في تجمع عرب المليحات إلى الشرق من مدينة رام الله، والتي تمثلت في عمليات التهجير القسري الواسعة التي طالت عشرات العائلات البدوية خلال الأيام الماضية تحت غطاء الاعتداءات المنهجية والممارسات الاستيطانية العدوانية التي ينفذها المستوطنون بحماية وإشراف جيش الاحتلال الإسرائيلي. وقال المركز أن ما يتعرض له المواطنين في هذا التجمع البدوي يُعد انتهاكاً صارخاً ومباشراً لكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ويشكل جريمة بموجب القانون الدولي الإنساني، ويقع ضمن إطار الجرائم المستمرة التي ترتكبها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بهدف تفريغ الأرض من سكانها الأصليين وتوسيع مشاريعها الاستيطانية.
وقال مركز “شمس” أن تجمع عرب المليحات شهد مؤخراً تصعيداً خطيراً في الاعتداءات التي تستهدف حياة وأمن ووجود السكان، حيث لجأ جيش الاحتلال والمستوطنون إلى ممارسات ممنهجة هدفها دفع المواطنين إلى الرحيل قسراً، بما في ذلك تدمير الخيام ، وسرقة وتسميم المواشي، ومصادر صهاريج المياه، وإغلاق الطرق، وإقامة بؤر استيطانية جديدة على مقربة من التجمع، في خطوة استفزازية واضحة تمثل إعلاناً صريحاً باستهداف التجمع بأكمله. ونتيجة لهذه الاعتداءات الممنهجة، أجبرت (30) عائلة فلسطينية إلى الرحيل القسري من التجمع ، بعد أن سبقتها (20) عائلة أخرى ، في حين يعيش باقي سكان التجمع، البالغ عددهم قرابة (500) نسمة، في حالة من الرعب والترقب الدائمين، وسط تهديدات مباشرة بالترحيل والطرد، في انتهاك واضح للقانون الدولي.
وذكّر مركز “شمس” بالمادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تحظر صراحة النقل القسري أو الجماعي للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة، تحت أي ذريعة كانت، وتعتبر ذلك انتهاكاً خطيراً يرقى إلى جريمة حرب، فيما تدرج المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، التهجير القسري ضمن قائمة الجرائم ضد الإنسانية التي تستوجب المحاسبة والعقاب. كما تضمن المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الحق في حرية التنقل والإقامة، وتحظر المساس بهذا الحق تعسفاً، في حين تنص المادة (11) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 على ضرورة حماية الحق في السكن الملائم، ورفض كافة أشكال الإخلاء القسري التي تفتقر للضمانات القانونية والإجرائية.
وقال مركز “شمس” أن الأهداف الحقيقية الكامنة خلف عمليات التهجير القسري التي يتعرض لها المواطنين البدو في تجمع عرب المليحات تتصل مباشرة بالمخططات الاستيطانية الإسرائيلية الرامية إلى فرض وقائع جديدة على الأرض، عبر تفريغ مناطق الأغوار والضفة الغربية من سكانها الفلسطينيين الأصليين، وتوسيع رقعة المستوطنات والبؤر الاستيطانية ، بما يخدم مشروع الضم التدريجي للأراضي الفلسطينية المحتلة، ويمهد الطريق أمام السيطرة الكاملة على الموارد الطبيعية، وعلى رأسها الأراضي الزراعية والمراعي، ومصادر المياه الحيوية التي يعتمد عليها السكان في معيشتهم. كما أن هذه السياسة العنصرية تسعى إلى تفكيك المجتمعات البدوية الهشة، وتدمير نمط حياتها التقليدي، وحرمانها من مقومات البقاء في محاولة لفرض الاستسلام والقبول بالواقع الاستعماري القسري.
وبين مركز “شمس” أن النساء والأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً من هذه الممارسات الإسرائيلية العدوانية، حيث يؤدي التهجير القسري إلى اقتلاع الأطفال من بيئتهم الاجتماعية، وحرمانهم من الحق في التعليم والصحة والحياة الآمنة، ما يترك آثاراً نفسية عميقة. أما النساء، فيواجهن مخاطر مضاعفة ترتبط بفقدان الاستقرار والأمن الشخصي، وارتفاع نسب العنف القائم على النوع الاجتماعي، فضلاً عن حرمانهن من مصادر الرزق، والخدمات الصحية، والخصوصية، في ظل ظروف النزوح القاسية والمعاناة المعيشية التي تنتج عن التهجير القسري. كما أن تفكيك الأسر والمجتمعات يؤدي إلى إضعاف الروابط الاجتماعية، ويفرض معاناة نفسية وإنسانية مركبة على كافة أفراد التجمع، ما يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، ويعمق من معاناة الفئات الهشة، وعلى رأسها النساء والأطفال.
وحذر مركز “شمس” من خطورة استمرار سياسة التهجير القسري والتطهير العرقي التي تنفذها سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تمثل جزءاً من منظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي المستمرة منذ أكثر من خمسة وسبعين عاماً، وحمّل المركز الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية القانونية الكاملة عن هذه الجرائم، وأكد على أن إفلات المسؤولين الإسرائيليين من العقاب، وصمت المجتمع الدولي، وتقصير مؤسساته، يشجع سلطات الاحتلال على المضي قدماً في ارتكاب المزيد من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
وطالب مركز “شمس”الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف الأربع بتحمل مسؤولياتها القانونية المنصوص عليها في المادة (1) من الاتفاقيات، والتي تلزمها بضمان احترام أحكامها في جميع الظروف، وباتخاذ كافة التدابير اللازمة لضمان حماية السكان المدنيين الفلسطينيين من التهجير القسري، وتوفير الحماية الفورية لهم، والعمل الجاد على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، باعتباره السبب الجذري لكافة الانتهاكات المستمرة في الأرض الفلسطينية المحتلة. كما طالب الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، مجلس الأمن الدولي، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، بالتحرك الفوري والجاد لوقف سياسة التهجير القسري بحق الفلسطينيين. وبضرورة توفير الحماية الدولية العاجلة للمدنيين الفلسطينيين في المناطق المستهدفة بالتهجير، وخاصة المجتمعات البدوية في الأغوار والضفة الغربية، وضمان تمكينهم من البقاء على أرضهم، وتوفير مقومات الحياة الكريمة لهم، باعتبار ذلك حقاً مشروعاً كفله القانون الدولي. كما طالب المركز المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، والمقرر الخاص المعني بحقوق الشعوب الأصلية، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وممثل الاتحاد الأوروبي في الأراضي الفلسطينية بزيارة ميدانية عاجلة إلى تجمع عرب المليحات والتجمعات البدوية الأخرى المستهدفة، لرصد وتوثيق الانتهاكات، وإعداد تقارير تفصيلية تقدم إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة، وتوصي باتخاذ خطوات عملية لحماية السكان ووقف الجرائم المرتكبة بحقهم.