الاستيطان وإرهاب المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة: جريمة حرب مستمرة ومنظومة استعمارية تستوجب المساءلة الدولية

 العضو الاستشاري لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة

ورقة موقف لمركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس”

الاستيطان وإرهاب المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة: جريمة حرب مستمرة

ومنظومة استعمارية تستوجب المساءلة الدولية

رام الله

16/7/2025

الفهرس

 

الرقم

الموضوع

الصفحة

1.     

المقدمة

3

2.     

الاستيطان جريمة حرب مستمرة بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي

 

4-6

3.     

المواقع الاستيطانية والعسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة

 

6-7

4.     

أشكال عنف وجرائم المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة

 

7-9

5.     

الدوافع السياسية والإستراتيجية لعنف وجرائم المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة

 

10-11

6.     

ما هو السبيل وما هو الحل ، وما هي سُبل المواجهة ؟

 

12-13

7.     

التوصيات

14-15

8.     

الخاتمة

16

المقدمة

 هذه الورقة التي أعدها مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” تأتي في إطار عمله الحقوقي لرصد وتوثيق جرائم الاستيطان وعنف المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في قلب المشروع الاستعماري الإسرائيلي، يقف الاستيطان بوصفه الأداة الأكثر فاعلية وشراسة في تكريس واقع الاحتلال، وتهجير الفلسطينيين، وإعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا لصالح منظومة استعمارية عنصرية. لم يعد الاستيطان مجرد سياسة تتغير وفق الحكومات الإسرائيلية، بل أصبح عقيدة ثابتة، تنفذها الدولة بأذرعها كافة السياسية والعسكرية والقانونية والدينية. ويأتي عنف المستوطنين كامتداد مباشر لهذا المشروع، لا كأفعال فردية أو حوادث عرضية، بل كجزء من إستراتيجية منظمة هدفها تطهير الأرض من أصحابها الأصليين، وتوسيع المستعمرات على أنقاض القرى الفلسطينية، باستخدام أدوات القتل والحرق والترويع والطرد.

ما يميز هذه الجريمة المركبة ليس فقط حجم الانتهاكات التي ترافقها، بل منظومة الإفلات من العقاب التي تحيط بها؛ فالمستوطن الذي يطلق النار على الفلسطيني لا يحاسب، بل يُكافأ بالحماية والدعم، والمحاكم التي يفترض بها إنفاذ العدالة تتحول إلى غطاء قانوني لانتهاك القانون. وفي ظل هذا الواقع، يتحول الفلسطيني من ضحية إلى متهم، والمعتدي إلى “مدني محمي”، في مشهد يجرد القانون الدولي من هيبته، ويكشف عن مدى فشل المنظومة الدولية في حماية الشعوب الرازحة تحت الاحتلال.

إن خطورة الاستيطان لا تكمن فقط في كونه جريمة حرب مستمرة، بل في نتائجه التدميرية التي تصيب جوهر الوجود الفلسطيني الأرض، والهوية، والحق في تقرير المصير. فالمستوطنات تلتهم الأراضي، وتقطع أوصال القرى والمدن، وتحاصر المواطنين الفلسطينيين في جزر معزولة، تمنع التواصل الجغرافي، والأخطر من ذلك هو تحويل الصراع من صراع على الحقوق والحدود إلى صراع وجودي مع مشروع إحلالي لا يعترف أصلاً بوجود الشعب الفلسطيني.

وفي ظل استمرار هذا المشهد الدموي، تبرز مسؤوليات وطنية ودولية ملحة، تتطلب منا كفلسطينيين أولاً، وكقوى حقوقية وإنسانية عالمياً، أن نعيد تعريف الاستيطان وعنف المستوطنين ليس كمجرد ملف سياسي أو أمني، بل كجريمة استعمارية ممنهجة تستدعي المواجهة بكافة أشكالها المشروعة، وعلى جميع المستويات القانونية، الشعبية، والدبلوماسية. فالسكوت على هذه الجريمة هو تواطؤ، والمساواة بين الجلاد والضحية هي خيانة للعدالة والحق. وعليه، فإن هذه الورقة تسعى إلى تفكيك هذا المشروع، وفضح آلياته، وطرح سبل المواجهة.

الاستيطان جريمة حرب مستمرة بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي

يشكل الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة جريمة حرب مستمرة بموجب أحكام القانون الدولي، وذلك لعدة أسباب قانونية وأخلاقية، تتجاوز كونه مجرد نزاع سياسي أو مسألة خلافية. فجوهر الجريمة لا يكمن فقط في بناء المستوطنات ذاتها، بل في المنظومة الكاملة التي ترافق هذا النشاط من مصادرة الأراضي، وتهجير السكان الأصليين، وهدم المنازل، وفرض واقع ديموغرافي جديد يخدم أهداف الاحتلال.

يستند هذا التوصيف أولًا إلى اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وهي أحد الأعمدة الأساسية في القانون الدولي الإنساني. تنص المادة (49)، الفقرة السادسة، على أن “الدولة المحتلة لا يجوز لها أن ترحّل أو تنقل جزءًا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”. هذا النص لا يترك مجالًا للتأويل أو التلاعب، فهو يحظر بشكل قاطع نقل السكان المدنيين من دولة الاحتلال إلى الأرض المحتلة، وهو بالضبط ما تقوم به إسرائيل من خلال نقل مواطنيها اليهود إلى مستوطنات تقام على أراضٍ فلسطينية محتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية.

ولم يُترك هذا الحظر كمجرد مبدأ قانوني بل تم تصنيفه ضمن الجرائم الدولية الخطيرة. فوفقاً للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما) الذي دخل حيز النفاذ عام 2002، فإن (8) المادة  (2)(b)(viii) تصنف “قيام دولة الاحتلال بنقل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، جزء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها” كـ جريمة حرب. وهذا يعني أن مرتكبي هذا الفعل، سواء كانوا مسؤولين حكوميين، عسكريين، أو مدنيين ضالعين في التخطيط والتنفيذ، يمكن أن يخضعوا للمساءلة الجنائية الفردية أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وبالتالي، فإن المسؤولية في هذا السياق ليست فقط مسؤولية دولة الاحتلال (إسرائيل)، بل تمتد إلى المسؤولين التنفيذيين والسياسيين والممولين والمصادِقين على مشاريع الاستيطان، ما يفتح الباب أمام ملاحقات قانونية دولية، وفق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ويلزم الدول الأطراف في اتفاقية جنيف، وكذلك أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، باتخاذ التدابير اللازمة لضمان إنفاذ القانون الدولي، بما يشمل الامتناع عن تقديم أي دعم للاستيطان أو التعامل مع المستوطنات ومخرجاتها.

الاستيطان، إذاً، لا يمكن تبريره باعتبارات الأمن أو المفاوضات أو الواقع المفروض، فهو يمثل انتهاكاً متواصلاً للبنية القانونية التي تحكم العلاقات الدولية وقت النزاع المسلح، ويعد أداة فعالة في ترسيخ الاحتلال، وإحباط تطلعات الشعب الفلسطيني إلى تقرير المصير، ويهدد بشكل مباشر أسس النظام القانوني الدولي، ما يستوجب مواجهته كجريمة حرب وليس كسياسة جدلية قابلة للتفاوض.

الاستيطان لا يقتصر أثره على مجرد إقامة مبانٍ وبنى تحتية، بل يقوض الحقوق الجماعية للشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ويفرض واقعاً ديموغرافياً وجغرافياً قسرياً يكرس الاحتلال، ويحول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة. كما أن توسع المستوطنات ومصادرة الأراضي وهدم منازل الفلسطينيين وطردهم، كلها تشكل أفعالاً تدخل ضمن سياسات الفصل العنصري والتطهير العرقي، وتتناقض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما تلك المتعلقة بالحق في السكن، وحرية الحركة، والمساواة أمام القانون.

إن الإصرار على بناء وتوسيع المستوطنات في ظل صمت دولي أو بيانات إدانة شكلية يعزز من مناخ الإفلات من العقاب، ويكرس ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي. وعليه، فإن المسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي لتحميل سلطات الاحتلال المسؤولية عن هذه الجريمة المستمرة، واتخاذ تدابير فعالة، بما في ذلك العقوبات والمساءلة الجنائية، لوقف هذا النهج الاستعماري الذي يهدد فرص السلام ويزيد من معاناة الشعب الفلسطيني.

كما تُجمع قرارات مجلس الأمن الدولي على إدانة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتأكيد عدم شرعيته القانونية، باعتباره انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي. فمنذ القرار (242) الصادر عام 1967، والذي طالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في الحرب وأكد مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، بدأت الأمم المتحدة بتكريس موقفها من الاستيطان كجزء من رفضها لأي تغيير أحادي في الوضع القانوني للأراضي المحتلة. وعلى الرغم من أن القرار لم يذكر الاستيطان بشكل مباشر، إلا أنه أسس للإطار القانوني الرافض لشرعنة الاحتلال.

وفي عام 1979، صدر القرار (446) ليكون أول قرار يصف الاستيطان الإسرائيلي بأنه “ليس له شرعية قانونية” ويشكّل “عقبة خطيرة” أمام تحقيق سلام عادل ودائم، وهو ما عززته قرارات لاحقة مثل القرار (452) الذي شدد على مخالفة الاستيطان لاتفاقية جنيف الرابعة وطالب بوقف أي بناء أو توسيع للمستوطنات. تلاه القرار (465) الذي لم يكتف بإدانة الاستيطان فحسب، بل دعا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى عدم تقديم أية مساعدة من شأنها دعم هذه الأنشطة الاستيطانية، بما يعكس مسؤولية دولية جماعية في وقف الجريمة.

أما في ما يتعلق بالقدس، فقد جاء القراران (476)و(478)عام 1980 ليؤكدا رفض المجتمع الدولي لأي محاولة من جانب إسرائيل لفرض قوانينها أو إدارتها على القدس الشرقية، واعتبرا ذلك لاغياً وباطلاً، كما طالب القرار(478) الدول بسحب بعثاتها الدبلوماسية من المدينة، مما يعكس رفضاً تاماً لسياسات الضم والتغيير القسري لطابع المدينة القانوني والديموغرافي.

وقد جاء القرار(2334) في ديسمبر 2016 ليكون أكثر وضوحاً وحسماً، إذ أكد أن “المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس ، ليس لها أي شرعية قانونية”، وشدد على أن هذه الأنشطة تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، مطالباً (إسرائيل) بوقفها فوراً وبشكل كامل. كما أشار القرار إلى أن الاستيطان يهدد بشكل مباشر حل الدولتين.

إن هذه القرارات، في مجموعها، لا تترك مجالاً للشك بأن الاستيطان الإسرائيلي يمثل خرقاً مستمراً وفاضحاً للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، وتؤكد على ضرورة تحميل (إسرائيل) المسؤولية القانونية عن هذه الجريمة المستمرة، مع مطالبة المجتمع الدولي بعدم الاكتفاء بالإدانة، بل اتخاذ خطوات عملية لفرض القانون الدولي وإنهاء الاحتلال.

المواقع الاستيطانية والعسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة

حسب البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في أيار 2025 فقد بلغ عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في نهاية العام 2024 في الضفة الغربية (551) موقعاً، تتوزع بواقع (151) مستوطنة ، و(256) بؤرة استعمارية، منها (29) بؤرة مأهولة تم اعتبارها أحياءً تابعةً لمستعمرات قائمة، و (144) موقعاً مصنفاً أخرى، وتشمل مناطق صناعية وسياحية وخدمية ومعسكرات لجيش الاحتلال.وشهد العام 2024 زيادة كبيرة في وتيرة بناء المستوطنات الإسرائيلية وتوسيعها، حيث صادقت سلطات الاحتلال على العديد من المخططات الهيكلية الاستيطانية لبناء أكثر من (13)  ألف وحدة استطانية في جميع أنحاء الضفة الغربية بما فيها القدس، من خلال الاستيلاء على حوالي (11,888 ) دونماً من أراضي المواطنين الفلسطينيين.

أما فيما يتعلق بعدد المستوطنين في الضفة الغربية، فقد بلغ عددهم (770,420) مستوطناً، وذلك في نهاية العام 2023.  وتشير البيانات إلى أن معظم المستوطنين يسكنون محافظة القدس بواقع( 336,304 ) مستوطن (يشكلون ما نسبته 43.7% من مجموع المستوطنين)، منهم (240,516) مستوطناً في منطقة J1 (تشمل ذلك الجزء من محافظة القدس الذي ضمته إسرائيل إليها عنوة بُعيد احتلالها الضفة الغربية في العام 1967) ، يليها محافظة رام لله والبيرة، بواقع (154,224 ) مستوطناً ، و(107,068) مستوطناً في محافظة بيت لحم، و(56,777) مستوطناً في محافظة سلفيت . أما أقل المحافظات من حيث عدد المستوطنين ، فهي محافظة طوباس والأغوار الشمالية بواقع (3,004) مستوطناً.  وتشكل نسبة مستوطنين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية حوالي (23.4)مستوطناً مقابل كل (100) فلسطيني، في حين بلغت أعلى نسبة في محافظة القدس حوالي (67.6) مستعمراً مقابل كل (100) فلسطيني.

لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يفرض سيطرته على المزيد من أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، تحت ذرائع ومسميات مختلفة، حيث صادر خلال العام 2024 أكثر من( 46,000) دونم.  وتشير البيانات إلى أنه خلال العام 2024، تم إصدار (35) أمراً بوضع اليد على حوالي( 1,073) دونماً، وخمسة أوامر استملاك لحوالي (803) دونمات، و(9) أوامر إعلان أراضي دولة لحوالي (24,597) دونماً، إضافة إلى (6) أوامر تعديل حدود محميات طبيعية، كما صادر الاحتلال من خلالها حوالي (20,000) دونم، وذلك ضمن السياسة الممنهجة والمستمرة للسيطرة على أراضي الفلسطينيين كافة، وحرمانهم من استغلال مواردهم الطبيعية ضمن سياسة الضم التي تتبعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية.

أشكال عنف وجرائم المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة

تشكّل جرائم المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة أحد أخطر أوجه السياسات الاستعمارية التي تهدف إلى ترسيخ الاحتلال وتفريغ الأرض من سكانها الأصليين. ولا يمكن النظر إلى هذا العنف على أنه مجرد سلوك فردي عابر أو ناتج عن توتر موضعي، بل هو ممارسة منهجية منظمة تتكرر يوميًا برعاية وحماية من سلطات الاحتلال. وتتنوع أشكال هذا العنف لتشمل الاعتداء الجسدي المباشر، وتخريب الممتلكات، وإحراق المنازل والمزارع، والتحرش بالنساء والفتيات، وترويع الأطفال، والاعتداء على دور العبادة، ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم ومصادر رزقهم، وصولًا إلى تشكيل مليشيات مسلحة تمارس صلاحيات أمنية خارج القانون. جميع هذه الأفعال لا تُرتكب بمعزل عن البيئة القانونية والسياسية التي تكرّس ثقافة الإفلات من العقاب، وتمنح المستوطنين شعوراً بالحصانة الكاملة.

كما نفذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، والمستوطنون تحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، (16,612) اعتداءً بحق المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم خلال العام 2024.  وتوزعت هذه الاعتداءات بواقع (4,538) اعتداءً على الممتلكات والأماكن الدينية، و (774) اعتداء على الأراضي والثروات الطبيعية، و(11,330) اعتداءً على الأفراد، كما تسببت هذه الاعتداءات باقتلاع وتضرر وتجريف أكثر من (14,212) شجرة، منها (10,459) شجرة زيتون، وخلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري، تم توثيق أكثر من (5,470) اعتداء من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرين على المواطنين والممتلكات والأماكن الدينية، هذا إضافة إلى الإجراءات التعسفية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي من نشر الحواجز الثابتة والسدات الترابية والمكعبات الإسمنتية والأبراج العسكرية والبوابات الحديدية على مداخل معظم التجمعات الفلسطينية التي بلغ عددها نحو (1000) حاجز، ما يعيق حركة المواطنين وتنقلاتهم بين التجمعات والمدن الفلسطينية. وفيما يلي تفصيل لهذه الجرائم المتعددة، التي تمثل خرقاً صارخاً لأحكام القانون الدولي الإنساني، وترقى في مجموعها إلى مستوى الجرائم المنظمة ذات الطابع العنصري والاستعماري.

  1. قتل الفلسطينيين

من أخطر انتهاكات المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة جرائم القتل المباشر بحق المدنيين الفلسطينيين، والتي تُرتكب بدم بارد وتحت حماية ومرافقة جيش الاحتلال. فقد سجلت حالات عديدة أقدم فيها مستوطنون على إطلاق النار على فلسطينيين داخل أراضيهم أو أثناء مرورهم على الشوارع. ويتكرر هذا المشهد في اقتحامات المستوطنين الليلية للقرى والبلدات الفلسطينية، كما حدث في بلدات كفر مالك وسنجل والمغير وبرقة وترمسعيا، حيث قُتل عدد شبان فلسطينيون على يد مستوطنين مدججين بالسلاح، وسط غياب أي حماية للمواطنين الفلسطينيين، بل وبمشاركة وتواطؤ قوات الاحتلال. وفي الغالب، تغلق سلطات الاحتلال ملفات هذه الجرائم دون مساءلة أو محاكمة، مما يعمق سياسة الإفلات من العقاب، ويكرس مناخاً منظماً للإرهاب بحق المواطنين الفلسطينيين.

  1. الاعتداءات الجسدية على المدنيين الفلسطينيين

تشمل الاعتداءات الجسدية الضرب المبرح، والطعن، والرشق بالحجارة أو العصي، واستخدام الأسلحة النارية ضد الفلسطينيين، لا سيما المزارعين والرعاة والطلبة في محيط القرى والبلدات.وغالباً ما تقع هذه الاعتداءات بحضور قوات الاحتلال التي توفر الحماية للمستوطنين.

  1. حرق المنازل والمنشآت والممتلكات

من أكثر الجرائم وحشية تلك التي تنفذ عبر اقتحام قرى فلسطينية وإضرام النار في منازل الأهالي، كما حدث في جريمة إحراق منزل عائلة دوابشة في قرية دوما عام 2015، التي أسفرت عن مقتل رضيع ووالديه. كما يستهدف في بعض الحالات المدارس أو البنى التحتية المجتمعية. وإحراق السيارات، بهدف فرض حالة من الرعب الجماعي وردع الأهالي عن مقاومة الاستيطان أو التوسع الاستيطاني. وغالباً ما ترفق هذه الاعتداءات بكتابة شعارات عنصرية مثل “الموت للعرب” أو “تدفيع الثمن”.

  1. إحراق واقتلاع الأشجار والمزارع

يُعد تدمير الأشجار المثمرة – لا سيما الزيتون – من أدوات الاستيطان لحرمان الفلسطينيين من مصدر رزقهم وتهجيرهم من أراضيهم. يتم اقتلاع أو حرق مئات الأشجار سنوياً خلال موسم القطاف، وتتكرر الاعتداءات في محيط المستوطنات ومواقع البؤر العشوائية. وغالباً ما يُهاجم المزارعون أثناء تواجدهم في أراضيهم.

5.    مهاجمة المركبات الفلسطينية

يشمل ذلك رشق السيارات بالحجارة أو الزجاجات الحارقة أثناء مرورها على الطرق ، أو نصب كمائن لعائلات بأكملها. وأدت هذه الجرائم إلى سقوط ضحايا وإصابات خطيرة، مع تسجيل عشرات الحوادث شهرياً، خاصة في شمال الضفة الغربية والطرق المؤدية إلى القدس والخليل.

6.    سرقة المواشي ومنع الوصول إلى الأراضي والموارد الطبيعية

يقوم المستوطنون بسرقة المواشي وبإقامة بوابات أو أسلاك شائكة حول أراضي الفلسطينيين، أو بترهيبهم لمنعهم من دخول أراضيهم الزراعية أو مراعيهم، خاصة في مواسم الزراعة أو الحصاد.كما تتم السيطرة بالقوة على منابع المياه،والآبار ،ومنع المواطنين من استخدامها.

7.    التحرش بالنساء والفتيات

سجلت حوادث تحرش لفظي وجسدي من قبل مستوطنين بحق نساء وفتيات فلسطينيات أثناء تواجدهن في الحقول أو الشوارع أو نقاط الاحتكاك، وهو شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يهدف إلى إذلال المجتمعات المحلية وكسر نسيجها الاجتماعي.

8.    ترويع الأطفال وحرمانهم من التعليم

يستهدف المستوطنون الطلبة أثناء توجههم إلى المدارس، لا سيما في مناطق مثل الخليل والبلدات القريبة من المستوطنات. تُسجل حالات اعتداء بالضرب أو الشتائم، أو محاولات اختطاف، وتُحاصر المدارس أو تُغلق الشوارع المؤدية إليها، مما يؤدي إلى حرمان مئات الأطفال من حقهم في التعليم الآمن.

9.    الاعتداءات على أماكن العبادة والمقابر

تشمل تدنيس المساجد والكنائس، وتحطيم شواهد قبور في المقابر الإسلامية والمسيحية، وكتابة شعارات مسيئة، بهدف إثارة النعرات الدينية والتهجير الرمزي والتاريخي. وتُسجل هذه الجرائم بشكل دوري دون أي ردع قانوني.

10.   تشكيل مليشيات مسلحة وفرق حراسة

تنشط مجموعات من المستوطنين ضمن ما يسمى “فرق حراسة” أو “لجان أمنية”، وتتصرف وكأنها قوة عسكرية موازية، مدججة بالسلاح، وتتمتع بدعم مباشر من سلطات الاحتلال. تقوم هذه الجماعات بتنفيذ اعتداءات منظمة، وغالباً ما تُستخدم كذراع تنفيذية غير رسمية لتوسيع السيطرة على الأرض.

ما يزيد من خطورة عنف المستوطنين هو غياب المحاسبة، بل والتواطؤ الرسمي. فغالباً ما تغلق شرطة الاحتلال ملفات الاعتداءات ضد الفلسطينيين “لعدم كفاية الأدلة”، كما توفر المحاكم الإسرائيلية الغطاء القانوني للمستوطنين، وتمنحهم أحكاماً مخففة أو تعفيهم من العقوبة. كما تظهر هذه الممارسات أن عنف المستوطنين ليس سلوكاً فردياً أو طارئاً، بل هو سياسة ممنهجة تمارس في ظل بيئة سياسية وقانونية توفر الحماية والدعم، بهدف ترسيخ واقع استعماري وإحلالي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الدوافع السياسية والإستراتيجية لعنف وجرائم المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة

لا يمكن فهم جرائم وعنف المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بمعزل عن المشروع الاستعماري الإسرائيلي الهادف إلى تكريس السيطرة على الأرض وتفريغها من سكانها الأصليين. فهذه الممارسات، التي تتراوح بين القتل والاعتداء والحرق والترويع، لا ترتكب بشكل عشوائي أو فردي، بل تشكل جزءًا من سياسة منظمة تحظى بالحماية الرسمية من جيش الاحتلال وتغذية أيديولوجية من تيارات استيطانية متطرفة. الهدف من هذا العنف لا يقتصر على إلحاق الأذى الآني بالفلسطينيين، بل يتجاوز ذلك إلى فرض واقع استيطاني إحلالي طويل الأمد يخدم أجندات استعمارية وأمنية تهدف إلى كسر إرادة الفلسطينيين، والسيطرة الكاملة على الأرض، وتفكيك أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

لا يقتصر عنف المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة على أبعاده السياسية والاستعمارية فحسب، بل يتداخل معه بعد ديني وتوراتي عميق، يشكل أحد المحركات الجوهرية لهذا المشروع الإحلالي. فالكثير من المستوطنين، خاصة المنتمين للتيارات الدينية القومية، ينطلقون من قناعة أيديولوجية بأن الضفة الغربية، هي جزء من “أرض الميعاد” التي وُعد بها اليهود في التوراة، وفقاً لمعتقداتهم. ويستندون إلى تفسيرات دينية تضفي طابعاً مقدساً على الاستيطان، وتعتبره تنفيذاً لوصية إلهية لا تخضع لأي قانون وضعي أو اتفاق سياسي.

هذا البعد الديني لا يستخدم فقط لتبرير السيطرة على الأرض، بل أيضاً لتبرير طرد الفلسطينيين وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، إذ يصور وجودهم كعائق أمام “تحقيق النبوءة”. ومن هنا، يتحول العنف ضد الفلسطينيين إلى “فعل مبرر دينياً” في وعي تلك الجماعات، مما يعمق من خطورته ، ويجعله أكثر تطرفاً واندفاعاً، ويضفي عليه طابعاً عقائدياً يصعب مواجهته بالوسائل القانونية التقليدية.وفيما يلي أبرز الأهداف الكامنة وراء هذا العنف الممنهج.

  1. ترهيب السكان الفلسطينيين ودفعهم إلى الرحيل

الاعتداءات المتكررة تخلق بيئة غير آمنة للفلسطينيين، خصوصاً في المناطق الريفية القريبة من المستوطنات، مما يدفع العائلات إلى مغادرة أراضيها أو منازلها خوفاً على حياتها، وهو ما يحقق هدفاً استيطانياً بتهجير السكان الأصليين قسراً دون الحاجة إلى إعلان رسمي بذلك.

  1. السيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية

من خلال منع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، أو تدمير مزارعهم، أو اقتلاع الأشجار، يسعى المستوطنون إلى فرض أمر واقع جديد يمكنهم من ضم الأراضي تدريجياً إلى المستوطنات القائمة أو التمهيد لإقامة بؤر استيطانية جديدة.

  1. فرض سيطرة ديموغرافية يهودية على المناطق المستهدفة

عنف المستوطنين يندرج ضمن مخطط أوسع لتغيير الطابع السكاني للمناطق، عبر طرد الفلسطينيين وتعزيز الوجود اليهودي، خاصة في مناطق مصنفة “ج” والقدس ، ضمن محاولات فرض وقائع جيوسياسية على الأرض تخدم مخططات الضم.

  1. تقويض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية

عبر توسيع المستوطنات وفرض السيطرة الفعلية على الأرض من خلال العنف، تسعى (إسرائيل) إلى منع تواصل جغرافي بين المناطق الفلسطينية، وخلق “كانتونات” منفصلة لا تصلح لتشكيل كيان سياسي مستقل، مما يقوض حل الدولتين ويبقي الاحتلال دائماً.

  1. بث الرعب وخلق حالة من التفكك الاجتماعي والاقتصادي

العنف الممنهج يؤدي إلى تعطيل الحياة اليومية، وإغلاق المدارس، وحرمان المزارعين من رزقهم، مما يزعزع استقرار المجتمعات الفلسطينية ويضعف قدرتها على الصمود، ويدفع نحو تفكك النسيج المجتمعي المحلي.

  1. اختبار حدود رد الفعل الدولي

غالباً ما ترتكب هذه الجرائم لاختبار مدى ردود الفعل من المجتمع الدولي أو السلطة الفلسطينية، فكلما مرت دون عقاب أو تدخل، تتوسع دائرة الانتهاك. وهذا يرسخ فكرة الإفلات من العقاب ويدفع إلى مزيد من العنف.

  1. تعزيز الأيديولوجيا الدينية والقومية للمستوطنين

ينطلق العديد من المستوطنين من دوافع دينية توراتية أو قومية متطرفة، تعتبر الضفة الغربية جزءًا من “أرض إسرائيل الكبرى”، ويعتقدون أن طرد الفلسطينيين منها واجب ديني وقومي، وتُستخدم هذه الأيديولوجيا لتبرير العنف والتوسع الاستيطاني.

  1. فرض التطبيع القسري مع وجود المستوطنات

من خلال الاعتداء المستمر، تسعى إسرائيل إلى دفع الفلسطينيين إلى القبول بالأمر الواقع، أي التعايش القسري مع المستوطنات كجزء دائم من المشهد، وبالتالي إضعاف المطالب القانونية والحقوقية بإزالتها أو اعتبارها غير شرعية.

ما هو السبيل وما هو الحل ، وما هي سُبل المواجهة ؟

في ظل تصاعد عنف المستوطنين وتنامي الاستيطان بوصفه أداة استعمارية إحلالية مدعومة من أعلى مستويات القرار الإسرائيلي، لم يعد الصمت أو الاكتفاء بالإدانة كافياً. فالهجمة الاستيطانية لم تعد تستهدف فقط الأرض، بل تمتد إلى الإنسان الفلسطيني، ووجوده، وكرامته، وحقه في الحياة الحرة والآمنة. هذا الواقع يفرض ضرورة بلورة إستراتيجية شاملة للمواجهة، تتكامل فيها الأدوات القانونية مع الجهود السياسية والدبلوماسية، وتتعزز بالمقاومة الشعبية ودعم صمود المواطنين في القرى والبلدات الفلسطينية المستهدفة من قبل المستوطنين. إن معركة التصدي للاستيطان ليست فقط معركة على الجغرافيا، بل معركة على العدالة والحقوق والكرامة. وفيما يلي أبرز سبل المواجهة التي يجب تفعيلها بجدية وبروح جماعية وطنية.

  1. التدويل القانوني وملاحقة مرتكبي الجرائم

العمل على تفعيل الآليات القانونية الدولية، خاصة عبر المحكمة الجنائية الدولية، لمحاسبة المستوطنين وقادة الاحتلال على جرائم الحرب، بما في ذلك القتل، التهجير، والاستيطان. التوثيق المهني والدقيق لهذه الجرائم هو مدخل أساسي لتحقيق العدالة.

  1. تفعيل المقاومة الشعبية السلمية

دعم النضال الشعبي في المناطق المهددة بالاستيطان من خلال الفعاليات السلمية، والاعتصامات، وزراعة الأرض، ومرافقة الأهالي، ما يعزز الصمود ويظهر للعالم تمسك الفلسطينيين بحقهم المشروع في أرضهم رغم كل أشكال القمع.

  1. فضح الجرائم إعلامياً على المستوى الدولي

إنتاج محتوى إعلامي بلغات متعددة يظهر الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين، ويبرز الطابع العنصري والإحلالي لعنف المستوطنين، مع التركيز على الضحايا وقصصهم الإنسانية، لخلق رأي عام ضاغط على الحكومات والمؤسسات الدولية.

  1. مقاطعة المستوطنات ومنتجاتها اقتصادياً

الضغط لتطبيق القوانين الدولية التي تجرم التعامل مع منتجات المستوطنات، وتفعيل حملات المقاطعة للضغط الاقتصادي على الاحتلال، وردع الشركات والمؤسسات المتواطئة في دعم وتوسيع المستوطنات.

  1. تعزيز صمود المجتمعات المحلية

توفير دعم مادي وتقني للمزارعين والرعاة وأصحاب الأراضي في المناطق المهددة، من خلال مشاريع زراعية، وبناء مساكن، وبنى تحتية، ومساعدات قانونية، ما يعزز وجودهم ويصعّب على المستوطنين تنفيذ مخططات التهجير.

  1. الضغط السياسي على الحكومات والمنظمات الدولية

ممارسة ضغط دبلوماسي منظم على الدول المؤثرة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لاتخاذ مواقف عملية وليس فقط بيانات إدانة، والمطالبة بإجراءات عقابية ضد إسرائيل كمحتل يمارس جرائم حرب

  1. تعزيز دور لجان الحماية المجتمعية

دعم تشكيل وتدريب لجان محلية لحماية القرى من هجمات المستوطنين، بالتنسيق مع منظمات حقوقية ومؤسسات دولية، لتكون عينًا حارسة ووسيلة استجابة فورية للانتهاكات.

  1. بناء تحالفات مع قوى التضامن العالمي

الانفتاح على الحركات الحقوقية العالمية، والمنظمات المناهضة للاستيطان ، لبناء جبهة دولية داعمة للقضية الفلسطينية، ورافضة لجرائم الاستيطان والعنف.

هذه السبل لا تشكل حلولاً منفصلة، بل يجب أن تعتمد بشكل متكامل ومتزامن، ضمن إستراتيجية وطنية موحدة لمواجهة المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وتثبيت الحق الفلسطيني على الأرض.

التوصيات

في ضوء ما سبق من تحليل لجرائم وعنف المستوطنين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي ظل التواطؤ الرسمي الإسرائيلي والصمت الدولي المتواصِل، تبرز الحاجة إلى إصدار توصيات موجهة لكل جهة معنية، بصيغة واضحة وقوية تحمل كل طرف مسؤوليته في التصدي لهذا المشروع الاستعماري الإحلالي:

أولاً: إلى السلطة الوطنية الفلسطينية

  1. تفعيل مسار المساءلة الدولية: إحالة جميع جرائم المستوطنين إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة (14) من نظام روما، دون تردد أو تأخير سياسي.
  2. دعم لجان الحماية الشعبية وتمويل المبادرات المجتمعية لحماية القرى والمزارعين في المناطق المستهدفة.
  3. تعزيز الخطاب السياسي على المستوى الدولي لإعادة تصدير جرائم المستوطنين كقضية مركزية في المحافل الأممية وليس كقضية هامشية.
  4. تعزيز المقاومة الشعبية في المناطق المهددة كوسيلة فعالة لمواجهة المشروع الاستيطاني ميدانياً

ثانياً: إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة

  1. فرض عقوبات دولية على إسرائيل: بصفتها قوة احتلال تمارس جرائم حرب وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة ونظام روما الأساسي.
  2. إدراج المستوطنين ومنظماتهم على قوائم الإرهاب لا سيما الجماعات المسلحة المتورطة في قتل الفلسطينيين وتهجيرهم.
  3. تفعيل مبدأ مسؤولية الحماية (R2P): لحماية المدنيين الفلسطينيين من الجرائم المنظمة التي ترتكب بحقهم يومياً.
  4. إرسال بعثات مراقبة دولية دائمة إلى المناطق الساخنة لتوثيق الاعتداءات وتوفير الحماية الرمزية للسكان.

ثالثاً: إلى الاتحاد الأوروبي

  1. وقف أي تمويل أو تعاون مع جهات إسرائيلية تنشط في المستوطنات تطبيقاً للالتزام بعدم الاعتراف بالأوضاع غير القانونية الناشئة عن الاحتلال.
  2. فرض حظر على منتجات المستوطنات وعدم الاكتفاء بوضع علامات منشأ، بل التعامل معها كنتاج لجريمة حرب.
  3. مراجعة اتفاقيات الشراكة مع إسرائيل في ضوء خرقها الفاضح لبنود حقوق الإنسان والالتزامات الدولية.

رابعاً: إلى منظمات المجتمع المدني الفلسطيني والدولي

  1. توحيد جهود التوثيق والرصد ضمن قواعد بيانات قانونية معتمدة تستخدم كأدلة في المحاكم الدولية.
  2. بناء تحالفات ضغط عابر للحدود تجمع نشطاء ومؤسسات مناهضة للاستعمار والاستيطان في مختلف أنحاء العالم.
  3. الاستثمار في الإعلام الحقوقي متعدد اللغات لمخاطبة الرأي العام العالمي وتغيير الرواية المسيطرة.
  4. إطلاق حملات قانونية شعبية لمقاضاة الشركات الداعمة للاستيطان أو المتورطة في جرائم بيئية واقتصادية ناتجة عن الاستيطان.

خاتمة

في ضوء ما تقدم من تحليل قانوني وسياسي وميداني للاستيطان الإسرائيلي وعنف المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يتضح أن هذه الجريمة ليست مجرد خرق للشرعية الدولية، بل مشروع استعماري استيطاني متكامل الأركان، يستهدف نفي الوجود الفلسطيني مادياً ورمزياً، وفرض وقائع ديموغرافية وجغرافية لا رجعة فيها. فالمستوطنات، بما تمثله من أدوات إحلال وهيمنة، تقف في صلب منظومة استعمارية حديثة تتغذى على الأيديولوجيا، وتحتمي بالقانون الإسرائيلي، وتستقوي بتواطؤ المجتمع الدولي أو صمته.

ولذلك، فإن التصدي لهذا المشروع لا يمكن أن يكون مجتزأ أو ظرفياً، بل يجب أن يكون شاملاً ومتماسكاً، يستند إلى مقاربة حقوقية تعيد تعريف الاستيطان بوصفه جريمة حرب، ومقاربة سياسية تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني، ومقاربة ميدانية تدعم صمود الفلسطينيين في القرى المهددة والاجتياحات المتكررة. كما يتطلب ذلك بناء جبهة فلسطينية موحدة، قادرة على صياغة رؤية جديدة، تتجاوز الانقسام، وتعيد توجيه البوصلة نحو مواجهة الاحتلال لا التكيف معه.

إن إنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم، ليست مجرد مطالب حقوقية، بل شروط أساسية لضمان أمن واستقرار المنطقة، وحماية ما تبقى من منظومة القانون الدولي من الانهيار. فالفشل في محاسبة المستوطنين وداعميهم يعني الموافقة الضمنية على منطق القوة، وشرعنة السياسات العنصرية، وفتح الباب أمام مزيد من الفوضى والاستبداد.

من هنا، فإن هذه الورقة لا تكتفي بالكشف عن حجم الجريمة، بل تدعو كل جهة فاعلة – فلسطينية، عربية، ودولية – إلى تحمل مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية والقانونية، والانخراط الفوري في معركة الدفاع عن الحق الفلسطيني، لا بوصفه خياراً تضامنياً، بل التزاماً قانونياً وإنسانياً لا يقبل التأجيل أو التبرير. لقد آن الأوان لتتحول الإدانة إلى فعل ، والتضامن إلى أداة مساءلة، والحق إلى واقع سياسي ملموس يضع حداً لعقود من الاستعمار والإفلات من العقاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com