ورقة موقف لمركز “شمس”.. المسجد والكنيسة: رمزان مستهدفان في مرمى الاحتلال الإسرائيلي

مقدمة
في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي في فرض واقع استعماري قسري على الشعب الفلسطيني، برزت ظاهرة استهداف أماكن العبادة الإسلامية والمسيحية كواحدة من أفظع الانتهاكات المتعددة الأبعاد التي تمس جوهر الوجود الفلسطيني، وتشكّل اعتداءً مركباً على الحق في الحرية الدينية، وعلى الهوية الثقافية والتاريخية، وعلى كرامة الإنسان وذاكرته الجمعية، وصولاً إلى محاولة محو الرموز التي تعبر عن الوجود الفلسطيني وتجذره في الأرض. فدور العبادة في فلسطين لم تكن يوماً مجرد منشآت دينية، بل تمثل امتداداً حياً لإرث حضاري وثقافي وإنساني، ومرآة لهوية جماعية ممتدة عبر قرون، وهي بذلك تشكل شاهداً مادياً وروحياً على الحضور الفلسطيني الأصيل في هذه الأرض.
إن المساجد والكنائس في فلسطين تُعد من أبرز معالم الانتماء التاريخي والثقافي والديني، وقد كانت ولا تزال مركزاً للتكوين الروحي والمجتمعي، ومعلماً أساسياً في النسيج العمراني الفلسطيني. إلا أن سلطات الاحتلال لم تتوقف عند حدود السيطرة المادية على الأرض، بل عمدت، ضمن سياساتها الاستيطانية، إلى تفكيك هذا الإرث المعنوي والمادي، من خلال استهداف مقصود لهذه المقدسات. فقصف المساجد والكنائس، أو تدنيسها، أو عرقلة الوصول إليها، أو تحويلها إلى منشآت تجارية وترفيهية ، كلها ممارسات تعبر عن سياسة استعمارية ممنهجة، لا تستهدف الأفراد فحسب، بل تستهدف الذاكرة الجمعية والرمز الحضاري والديني المتجسد في هذه الأماكن.
لقد رصد مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” استناداً إلى تقارير حقوقية وشهادات ميدانية موثقة تصاعداً خطيراً في حجم ونوع الانتهاكات التي تتعرض لها أماكن العبادة في مختلف المناطق الفلسطينية، لا سيما في قطاع غزة، الذي شهد خلال العدوان الإسرائيلي المتكرر استهدافاً مباشراً لكنائس ومساجد، وفي القدس المحتلة، حيث يمنع المؤمنون من الصلاة في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة عبر منظومة قمعية من الحواجز والتصاريح والقيود. كما طالت هذه السياسة مدينة بيت لحم وساحة كنيسة المهد، وتمثلت في طوق أمني مشدد يُفرض خلال المناسبات الدينية المسيحية، بما يحول بين الفلسطينيين وممارسة شعائرهم بحرية.
وانطلاقاً من مسؤوليتها القانونية والأخلاقية والحقوقية، ومن التزامها الدائم برصد ومتابعة الانتهاكات التي تمس الحقوق الأساسية للفلسطينيين، تأتي هذه الورقة التي يصدرها مركز “شمس” لتسلط الضوء على هذه الجرائم الممنهجة بحق أماكن العبادة، وتعرض تحليلاً للانتهاكات من منظور القانون الدولي، وتقدم جملة من المطالبات العملية إلى الأطراف الدولية الفاعلة.
حماية الأماكن والرموز الدينية بموجب القانون الدولي
يعد استهداف أماكن العبادة أثناء النزاعات المسلحة انتهاكاً صارخاً لأحكام القانون الدولي، وتحديداً القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث تشكل هذه الأماكن رموزاً دينية وثقافية وحضارية لا يجوز المساس بها تحت أي ظرف. إن المساجد والكنائس والمعابد وغيرها من دور العبادة تحظى بحماية خاصة نظراً لدورها الروحي والاجتماعي، ولارتباطها بالهوية الدينية والثقافية للشعوب. وعليه، فإن أي اعتداء عليها، سواء من خلال الهدم أو الإحراق أو التدنيس أو الإغلاق القسري أو الاستخدام العسكري، يمثل جريمة بموجب قواعد القانون الدولي، ويستوجب المساءلة والمحاسبة.
ينص القانون الدولي الإنساني، وتحديداً اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977، على حماية الأعيان المدنية بما فيها أماكن العبادة، شريطة ألا تُستخدم لأغراض عسكرية. وتنص المادة (53) من البروتوكول الإضافي الأول على أنه “يُحظر ارتكاب أي أعمال عدائية موجهة ضد الأعيان الثقافية، ولا يجوز استخدامها لدعم المجهود الحربي”. كما أن اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة لعام 1954 تكرس حماية خاصة للأماكن التي تشكل التراث الثقافي والديني، بما في ذلك دور العبادة، وتعتبر المساس بها انتهاكاً للاتفاقية. ومن ثم فإن استهداف هذه الأماكن يعتبر جريمة حرب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما ورد في المادة (8) منه، والتي تجرم تدمير أو إلحاق الضرر العمدي بالمباني المكرسة للدين، شريطة ألا تكون أهدافاً عسكرية.
من جهة أخرى، يضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان حرية الدين والمعتقد وحق الأفراد في ممارسة شعائرهم الدينية جماعياً أو فردياً، في الأماكن المخصصة لذلك دون تدخل أو قمع. وتنص كل من المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه،( لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين ، وأيضاً المادة (18) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن (لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين… ويشمل هذا الحق حرية إقامة الشعائر الدينية وممارستها بمفرده أو مع جماعة، علناً أو سراً). ومن ثم فإن الاعتداء على أماكن العبادة، أو تقييد الوصول إليها، أو التدخل في إدارتها، يعتبر مساساً خطيراً بهذا الحق الأساسي، ويستوجب الملاحقة بموجب القانون الدولي.
يشكل استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي للمساجد والكنائس في الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء من خلال القصف المباشر أو الإغلاق أو المنع من الوصول، انتهاكاً جسيماً لأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتحديداً تلك المتعلقة بحماية أماكن العبادة وحرية الدين والمعتقد. إن هذه الممارسات لا تندرج في إطار سلوك فردي عابر، بل تعكس سياسة ممنهجة تستهدف البنية الروحية والثقافية للمجتمع الفلسطيني، وتسعى إلى تقويض ارتباط الفلسطينيين بأرضهم ومقدساتهم، وفرض واقع استعماري بالقوة.
ففي قطاع غزة، وثقت منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه المتكرر على القطاع، بقصف مباشر للمساجد والكنائس، بما في ذلك قصف كنيسة القديس بورفيريوس الأرثوذكسية في أكتوبر 2023، أثناء لجوء عشرات المدنيين المسيحيين إليها، مما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى بينهم أطفال ونساء. وقصف كنيسة العائلة المقدسة( دير اللاتين) يوم الخميس 17/7/2025 بمدينة غزة ،وكذلك تعرضت عشرات المساجد للقصف والتدمير الكلي أو الجزئي، في انتهاك واضح للمادة (53) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، التي تحظر أي عمل عدائي ضد المباني المكرسة للدين. وترافق ذلك مع استخدام ممنهج للمساجد كأهداف عسكرية، أو ادعاء وجود نشاط مسلح فيها، دون أدلة كافية، مما يعكس استهتاراً بمعايير التمييز والتناسب، ويحوّل أماكن العبادة إلى ساحات قتال، في خرق جسيم لقواعد النزاعات المسلحة.
أماكن العبادة كتراث عالمي: حماية مشروعة وواجب قانوني تجاه فلسطين
تمثل أماكن العبادة في فلسطين من مساجد وكنائس وأديرة ومقامات معالم تراثية ذات أهمية إنسانية كونية، تتجاوز وظيفتها الدينية إلى كونها ركائز مركزية في هوية الشعب الفلسطيني وذاكرته الجماعية. فهي ليست مجرد دور تؤدى فيها الشعائر، بل هي شواهد عمرانية وروحية وثقافية تجسد عمق الوجود الحضاري الفلسطيني وتجذره في المكان. وانطلاقاً من هذا المفهوم، فإن المساس بهذه المقدسات يمثل انتهاكاً مضاعفاً، يطال الحق في الحرية الدينية من جهة، ويقوض الحق في صون التراث الثقافي من جهة أخرى.
يقر القانون الدولي الإنساني صراحةً بالحماية الخاصة للممتلكات الثقافية والدينية، لاسيما من خلال اتفاقية لاهاي لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة، وبروتوكولها الثاني لعام 1999، وكذلك اتفاقية اليونسكو لعام 1972 بشأن حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي. وتلزم هذه الاتفاقيات الدول الأطراف، بما فيها إسرائيل، باحترام أماكن العبادة وعدم استخدامها لأغراض عسكرية أو ترفيهية أو دعائية، وعدم تعريضها لأي تدمير أو تغيير قسري في طبيعتها أو وظيفتها الأصلية.
في السياق الفلسطيني، أدرجت اليونسكو العديد من المواقع الدينية على قوائم التراث العالمي، مثل المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة المهد والحرم الإبراهيمي، ما يفرض التزامًا دوليًا قانونيًا وأخلاقيًا بضمان حمايتها. لكن دولة الاحتلال، بوصفها قوة قائمة بالاحتلال، تواصل سياسات ممنهجة تتعارض بشكل صارخ مع هذه الالتزامات، عبر القصف المباشر، أو الحرمان المتعمّد من الوصول، أو تحويل هذه الأماكن عن وظيفتها الدينية الأصلية، ما يشكل انتهاكًا فاضحًا للمادة (4) من اتفاقية لاهاي، وللمادة (53) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف.
هذه الممارسات لا تلحق الضرر بالفلسطينيين وحدهم، بل تصيب جوهر القيم الإنسانية التي تناضل الاتفاقيات الدولية من أجل صونها. فاستهداف أماكن العبادة هو تدمير لذاكرة الشعوب، وطمس لرموزها الروحية والثقافية، ومحاولة لاقتلاعها من تاريخها. لذلك، فإن حماية المقدسات في فلسطين ليست مجرد مسؤولية قانونية، بل هي واجب حضاري يقع على عاتق المجتمع الدولي بكل مؤسساته، لضمان بقاء هذه الرموز حية في وجه محاولات التهويد والاستعمار الثقافي، واستعادة العدالة للشعب الفلسطيني الذي ينتزع منه حقه في عبادة، وفي تراث، وفي تاريخ.
منع وصول المؤمنين إلى أماكن العبادة
وفي الضفة الغربية، وخصوصاً في القدس المحتلة، تبرز سياسة الاحتلال في منع الفلسطينيين من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة، لا سيما خلال المناسبات الدينية، كأداة قمعية ممنهجة. حيث تُمارس دولة الاحتلال الإسرائيلي سياسة قمعية ممنهجة تتمثل في منع المؤمنين الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن العبادة الإسلامية والمسيحية، في انتهاك صارخ لحرية الدين والمعتقد التي يكفلها القانون الدولي. وتستخدم الحواجز العسكرية، ونظام التصاريح التعسفي، وإغلاق الطرق، ونشر قوات القمع في محيط المقدسات، كأدوات لمنع آلاف الفلسطينيين من أداء شعائرهم الدينية، سواء في المسجد الأقصى أو كنيسة القيامة، وخصوصاً خلال المناسبات الدينية الكبرى كرمضان، وعيد الفصح، وأعياد الميلاد. كما تتعمد سلطات الاحتلال فرض قيود تمييزية قائمة على السن والجنس والمكانة الجغرافية، وتحرم سكان الضفة الغربية وقطاع غزة من حقهم الطبيعي في الوصول إلى المدينة المقدسة، ما يشكل انتهاكاً للمادة (18) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. هذه السياسات لا تقوض فقط الحق الفردي في العبادة، بل تعبر عن محاولة ممنهجة لفصل الفلسطيني عن أماكنه المقدسة، وفرض واقع ديمغرافي وجغرافي قسري يسعى إلى تكريس السيطرة الإسرائيلية على الأماكن الدينية واحتكار إدارتها، في إطار مشروع تهويدي يستهدف قلب المدينة وهويتها.
كما تشهد مدينة بيت لحم، التي تعد مهد السيد المسيح، إجراءات احتلالية مشابهة، حيث يمنع الفلسطينيون من الوصول إلى المدينة المقدسة بحرية للاحتفال بحرية بأعياد الميلاد في ساحة المهد، ويفرض الطوق الأمني وتقطع الطرقات.
إن هذه الممارسات لا تمثل فقط انتهاكاً لحقوق الأفراد في ممارسة شعائرهم الدينية، بل تعد اعتداءً ممنهجاً على الموروث الثقافي والديني الفلسطيني، وتسعى إلى طمس الهوية الحضارية للشعب الفلسطيني، وإعادة تشكيل الواقع التاريخي للقدس وبيت لحم وباقي المدن المقدسة، بما يخدم مشاريع التهويد والاستيطان. وهي في جوهرها تعكس سياسة استعمارية ترفض الاعتراف بحقوق السكان الأصليين، وتمارس تمييزاً دينيًا وجغرافياً يتناقض مع القواعد الأساسية للقانون الدولي.
تحويل بيوت الله إلى بارات وخمارات : انتهاك ثقافي وديني يعكس العقلية الاستعمارية
في انتهاك فج لحرمة المقدسات الإسلامية، أقدم الاحتلال الإسرائيلي بعد النكبة عام 1948 على تحويل عدد كبير من المساجد في القرى والمدن الفلسطينية المهجرة إلى خمّارات وبارات ومطاعم، في سلوك ينطوي على طمس متعمد لهوية الأرض وسلب لقدسية الأماكن الدينية، ويمثل إهانة بالغة لمشاعر المسلمين، واستهتاراً بالقيم الدينية والإنسانية التي تحكم علاقة الشعوب بمقدساتها. فبدلاً من احترام هذه الأماكن أو صونها باعتبارها تراثاً دينياً وتاريخياً، عمدت السلطات الإسرائيلية إلى انتهاكها مادياً ومعنوياً، وتحويلها إلى منشآت ترفيهية أو تجارية، ما يعكس منهجاً استعمارياً يسعى إلى محو معالم الوجود العربي والإسلامي في الأراضي المحتلة عام 1948.
ففي مدينة حيفا، وبيسان وصفد وطبريا وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية حُوّلت المساجد إلى متاحف وإلى بارات وخمارات تُباع فيها المشروبات الكحولية، وسط ديكورات تحمل الرموز الإسلامية القديمة، وهو ما يعد تدنيساً صارخاً لقدسية المسجد، وإهانة علنية لكل ما يمثله من روحانية وتاريخ. وبعضها حوّل إلى مطاعم ومخازن تابع لبلديات الاحتلال هناك ، كما أغلق بعضها فيما لا يزال يُمنع المسلمون من أداء الصلاة فيها.
هذا السلوك لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للمشروع الصهيوني في فلسطين، الذي لم يكتفِ بتهجير السكان، بل عمد إلى تهويد المكان وتغيير معالمه ومحو ذاكرته، بما في ذلك المقدسات الإسلامية التي شكلت جزءًا لا يتجزأ من حياة الفلسطينيين قبل النكبة. إن تحويل المساجد إلى خمّارات ومطاعم لا يُعد فقط تدنيساً لأماكن العبادة، بل هو جريمة ثقافية وأخلاقية هدفها نزع الصفة العربية والإسلامية عن المكان، وإحلال هوية دخيلة بالقوة والفرض.
إن ما جرى ويجري من استهداف وتدمير للمساجد والكنائس وتدنيسها ليس فقط دليلاً على غياب الاحترام للخصوصيات الدينية والثقافية للفلسطينيين، بل هو شهادة موثقة على سياسات الإقصاء والتطهير الثقافي التي تنتهجها إسرائيل منذ قيامها، وهي سياسات لا يجوز السكوت عنها، وتستلزم تحركاً حقوقياً وإعلامياً وقانونياً على المستوى الدولي، من أجل فضحها والمطالبة بإعادة المساجد إلى أهلها، وترميمها وإعادة فتحها كمراكز للعبادة وليس كرموز للقمع والتهويد.
حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين مسؤولية دولية
كما طالب مركز “شمس” في ورقة الموقف، الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية، والدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، والمؤسسات الدينية، ومنظمات حقوق الإنسان، بالتحرك العاجل والموحد لوقف هذه الانتهاكات، ومحاسبة مرتكبيها، وإعادة الاعتبار لقدسية هذه الأماكن وصونها من التهويد والتشويه، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية والذاكرة الجماعية الإنسانية.
وعليه فإن مركز “شمس” يطالب الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومنظمة اليونسكو، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية أماكن العبادة الإسلامية والمسيحية في فلسطين، بما في ذلك المساجد والكنائس التي تتعرض للقصف أو التدنيس أو التحويل القسري لوظيفتها. وإلى ضرورة تشكيل لجان تحقيق دولية مستقلة لتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية بحق هذه الأماكن، وإدراجها ضمن الانتهاكات التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ودعا مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى توسيع دائرة التحقيق الجاري في جرائم الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتشمل استهداف أماكن العبادة، وتحويل المساجد إلى خمّارات ومطاعم، لما يشكله ذلك من انتهاك صارخ للمادة (8) من النظام الأساسي، التي تجرم تدمير أو تدنيس المباني المكرّسة للدين.
وأيضاً الدول الأطراف المتعاقدة في اتفاقيات جنيف بالوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية، والعمل على اتخاذ تدابير فورية لوقف الانتهاكات الجسيمة التي تطال أماكن العبادة في فلسطين،
ودعوة الأزهر الشريف، ومنظمة التعاون الإسلامي، والكنيسة الكاثوليكية، والكنائس الشرقية والأرثوذكسية، وجميع الهيئات الدينية الفاعلة إلى إدانة الاعتداءات المتكررة على المساجد والكنائس في فلسطين، والتحرك الجاد على الساحة الدولية لحماية هذه المقدسات، ورفض تحويلها إلى أدوات للترفيه والسياحة القسرية.
وأيضاً دعوة منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، والمؤسسات الإعلامية ، إلى مضاعفة جهودها في توثيق وفضح هذه الانتهاكات أمام الرأي العام العالمي، وتسليط الضوء على الطابع الاستعماري والسياسات التهويدية التي تستهدف المقدسات. كما نطالبها بدعم حملات المناصرة الدولية القانونية والإعلامية لوقف استهداف أماكن العبادة.
ونوجه دعوتنا إلى الشعوب الحرة، وحركات التضامن، والمؤسسات الثقافية والمجتمعية في العالم العربي والإسلامي والدولي، لدعم نضال الشعب الفلسطيني في الحفاظ على مقدساته، والمشاركة في حملات الضغط والمقاطعة، والمطالبة بإعادة الاعتبار لأماكن العبادة المسلوبة، باعتبارها جزءًا من الذاكرة الجمعية الإنسانية التي لا يجوز المساس بها.
إن صون قدسية المساجد والكنائس في فلسطين هو مسؤولية جماعية، ولا يمكن القبول باستمرار الصمت الدولي على هذه الجرائم. فالمقدسات ليست مجرد مبانٍ حجرية، بل هي رموز روحية وتاريخية تعكس هوية شعب، ومسّها هو مس بالكرامة والوجود.