غزة منطقة منكوبة مسؤولية قانونية وسياسية.. بقلم/ المحامي علي أبو حبلة 

تمثل الأوضاع الكارثية في قطاع غزة اليوم حالة نموذجية لما يسميه القانون الدولي الإنساني بـ “المنطقة المنكوبة”، وهي الحالة التي تعجز فيها السلطات الوطنية أو الاحتلال المسيطر عن الإقليم عن توفير الخدمات الأساسية للسكان، سواء في مجالات التعليم أو الصحة أو الغذاء أو المياه أو المأوى، ويصبح المدنيون تحت خطر دائم من الموت أو التهجير أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

الأساس القانوني لإعلان غزة منطقة منكوبة

وفق القانون الدولي الإنساني، تطلق صفة “المنطقة المنكوبة” على المناطق التي تعجز السلطات عن الوصول إليها لتقديم الخدمات الأساسية، سواء بسبب كوارث طبيعية أو بسبب الحروب والأعمال العدائية المسلحة. وقد أكدت اتفاقية لاهاي، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، إضافة إلى ميثاق الأمم المتحدة، على هذه المعايير.

تنص المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة على حق رئيس الدولة المنكوبة في إشعار مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة لطرح الأمر على الدول الأعضاء بغية تقديم المساعدة[1]. كما نصت المواد 15 و61 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف الرابعة على التزامات المجتمع الدولي تجاه المناطق المنكوبة، بما في ذلك تقديم المساعدات الإنسانية، وتأمين المرور السريع لها، وتوفير الحماية للمدنيين[2].

ويُحدد العرف الدولي معيار الخسائر التي تتجاوز 25% من القدرة المعيشية أو البنية التحتية كأساس لإعلان المنطقة منكوبة، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية بين الدول[3].

التزامات إسرائيل كقوة احتلال

بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، تتحمل إسرائيل بصفتها قوة احتلال المسؤولية الكاملة عن حماية المدنيين في قطاع غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عرقلة، والسماح بمرورها السريع وفق ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية[4]. ويشمل ذلك التعاون مع المنظمات الدولية الإغاثية، وتأمين الممرات الآمنة، وتوفير أماكن الإيواء، والخدمات الطبية، وإعادة إصلاح المرافق العامة المتضررة[5].

كما تنسحب هذه الالتزامات على الدول الأطراف في البروتوكول،  التي يلزمها القانون الدولي بتسهيل مرور المساعدات إلى غزة، وهو ما أكدته قرارات مجلس الأمن، ومنها القرار الصادر عام 2000 بشأن حماية المدنيين في النزاعات المسلحة[6].

إلا أن سلطات الاحتلال تتنكر لهذه الالتزامات، في تحدٍّ صارخ للقرارات الدولية وفتاوى محكمة العدل الدولية، الأمر الذي يفاقم المعاناة الإنسانية ويزيد من حجم الكارثة[7].

يتحمل رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير مسؤولية قانونية وسياسية وأخلاقية للتوجه الفوري إلى الأمم المتحدة لإعلان غزة منطقة منكوبة، استنادًا إلى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، بغية وضع مجلس الأمن أمام مسؤولياته، وحشد الجهود الدولية لتأمين المساعدات الإنسانية والدفاع المدني في القطاع[1][2].

ورغم أن هذا التوجه قد يواجه بعقبات، وعلى رأسها استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو)، إلا أن الهدف الأساسي منه هو إشعار المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية بالمسؤولية الإنسانية العاجلة، وتفعيل الأطر القانونية لتقديم المساعدات، ووضع الاحتلال أمام التزاماته الدولية[8].

غياب العدالة الدولية والانحياز السياسي

المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة، بما في ذلك القتل الجماعي، الإبادة، التهجير القسري، وتدمير البنية التحتية، تندرج ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك، يواجه الفلسطينيون صمتًا أمميًا غير مبرر، مقارنة بسرعة تحرك المحكمة الجنائية الدولية في قضايا أخرى مثل أوكرانيا[9].

هذا الانحياز السياسي أضعف مصداقية النظام الدولي، وكشف ازدواجية المعايير في قضايا حقوق الإنسان، إذ تم تصوير الكيان الإسرائيلي كضحية، في حين أن الوقائع الميدانية تؤكد أنه الجلاد[10].

المطلوب دوليًا

دعوة عاجلة لمجلس الأمن لإلزام إسرائيل بفتح ممرات إنسانية إلى غزة[6][8].

تفعيل قرارات الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان بشأن حماية المدنيين[7][9].

إحالة ملف الجرائم الإسرائيلية إلى المحكمة الجنائية الدولية[9].

إشراك المنظمات الإنسانية الدولية في مهام الدفاع المدني داخل غزة[2][5].

العمل على وقف الحرب ووضع أسس سلام حقيقي قائم على قرارات الشرعية الدولية[10].

خاتمة

إعلان غزة منطقة منكوبة ليس مجرد توصيف، بل هو أداة قانونية وسياسية لفضح الاحتلال ومحاسبته، وحشد الدعم الدولي للشعب الفلسطيني. إن استمرار الكارثة في غزة، وصمت العالم، يضع المجتمع الدولي أمام اختبار تاريخي، ويجعل من الضروري أن تتحمل المؤسسات الأممية مسؤولياتها كاملة، وأن تتوقف إسرائيل عن الإفلات من العقاب.

الهوامش والمراجع

  1. ميثاق الأمم المتحدة، المادة 99، متاح على:https://www.un.org/en/about-us/un-charter/full-text
  2. البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977)، المواد 15 و61، متاح على:https://ihl-databases.icrc.org/…/ihl.nsf/Article.xsp
  3. تقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول المناطق المنكوبة، 2018.
  4. اتفاقية جنيف الرابعة (1949) بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، خاصة المواد 27، 31، و147، متاح على:https://ihl-databases.icrc.org/…/6756482d86146898c12564
  5. قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، منها القرار رقم 1265 (1999) والقرار رقم 1296 (2000)، متاح على:https://undocs.org/S/RES/1265(1999) وhttps://undocs.org/S/RES/1296(2000)
  6. القرار رقم 1863 (2009) لمجلس الأمن بشأن تسهيل المساعدات الإنسانية، متاح على:https://undocs.org/S/RES/1863(2009)
  7. رأي محكمة العدل الدولية بشأن الجدار العازل (2004)، متاح على:https://www.icj-cij.org/en/case/131
  8. تقارير الأمين العام للأمم المتحدة حول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، متاحة في موقع الأمم المتحدة:https://www.un.org/unispal/document/
  9. إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية (2021)، متاح على:https://www.icc-cpi.int/Pages/item.aspx?name=210306-otp-stat
  10. تقارير وتقويمات مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، خاصة تقارير 2023 حول النزاع في غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com