من القدس إلى الضفة… كيف يقود مشروع E1 إلى اغتيال الدولة الفلسطينية؟.. بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس

يمثل إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلي موافقتها النهائية على مشروع الاستيطان في المنطقة المسماة E1 جريمة حرب مكتملة الأركان، تستهدف عزل القدس الشرقية عن محيطها الفلسطيني الطبيعي في الضفة الغربية، وإجهاض أي إمكانية لتجسيد حل الدولتين الذي أقرته الشرعية الدولية. هذا المشروع ليس مجرد توسع استيطاني عابر، بل خطة استراتيجية تهدف إلى قطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها، وتحويل المدن الفلسطينية إلى جزر معزولة تحت السيطرة الإسرائيلية، بما يعنيه ذلك من تصفية عملية لمفهوم الدولة الفلسطينية المستقلة وتحويلها إلى كيان إداري تابع تحت الاحتلال.
البعد القانوني: انتهاك صارخ للشرعية الدولية
إن مشروع E1 يقف في مواجهة صريحة مع قرارات الشرعية الدولية، وأبرزها:
قرار مجلس الأمن 2334 (2016): الذي أكد أن “المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ليس لها أي شرعية قانونية وتشكل انتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي، وتشكل عقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين”.
قرار مجلس الأمن 242 (1967): الذي دعا إلى “انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتُلت في النزاع الأخير”.
قرار الجمعية العامة 194 (1948): الذي نص على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وتعويضهم.
كما أن الاستيطان يتعارض مع نص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة (1949) التي تنص بوضوح على أنه: “لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحّل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”. وهذا ما ينطبق بدقة على المشروع الاستيطاني في E1.
بناءً على ذلك، فإن المشروع يرقى إلى جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يعتبر النقل القسري للسكان أو الاستيطان في الأرض المحتلة جريمة تقع ضمن اختصاص المحكمة.
البعد السياسي: تصفية حل الدولتين
إن مشروع E1 ليس مجرد اعتداء على الأرض الفلسطينية، بل هو محاولة ممنهجة لإغلاق أي أفق سياسي قائم على حل الدولتين. إذ أن شطر الضفة الغربية إلى نصفين، وقطع التواصل بين القدس الشرقية والضفة، يجعل إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً وقابلة للحياة أمراً مستحيلاً.
ومن الواضح أن الاحتلال لا يسعى إلى “السلام” بل إلى الضم التدريجي والتهويد الكامل، تحت غطاء أمريكي سياسي ومالي وعسكري. إن الإدارة الأمريكية التي تعطل أي إجراءات دولية لمحاسبة الاحتلال، تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة، وتقف عملياً في موقع الشريك لا الوسيط.
البعد الأمني والإقليمي: تهديد للاستقرار
تتجاوز خطورة المشروع حدود فلسطين، فهو يقود إلى:
تفجير الصراع من جديد، إذ أن عزل القدس الشرقية يعني المساس بمكانتها الدينية والوطنية، ما يفتح الباب أمام صدامات دينية وسياسية واسعة.
تهديد الأردن بشكل مباشر، بحكم قربه الجغرافي والديمغرافي من المنطقة، إذ تسعى إسرائيل إلى دفع الفلسطينيين قسراً نحو الشرق في إطار ما يسمى بـ”الوطن البديل”، ما يشكل خطراً استراتيجياً على الأمن الوطني الأردني.
زعزعة الأمن الإقليمي والدولي، حيث إن الاستيطان وإغلاق أفق الحل السياسي يعنيان تأجيج الصراع في منطقة بالغة الحساسية، ويهددان السلم العالمي.
المطلوب: مواجهة دولية حازمة
لقد أثبتت التجربة أن بيانات الإدانة لم توقف الاستيطان، بل شجعته. وعليه، فإن المطلوب اليوم هو:
فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على دولة الاحتلال لردعها.
مقاطعة دولية للمستوطنات ومنتجاتها عملاً بقرارات مجلس حقوق الإنسان.
تفعيل المساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية استناداً إلى نظام روما الأساسي.
وقف أي دعم عسكري أو مالي يمكن أن يستخدم في تعزيز الاحتلال واستيطانه.
الخاتمة
إن الشعب الفلسطيني، الذي يواجه هذا المشروع بالثبات والصمود، لن يتخلى عن حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. لكن مسؤولية إفشال مشروع E1 وسائر المشاريع الاستيطانية لا تقع على عاتق الفلسطينيين وحدهم، بل هي واجب دولي لحماية القانون الدولي ومنع انهيار النظام العالمي أمام سياسة القوة والغطرسة.
إن مواجهة هذه الجريمة تمثل اختباراً حقيقياً لإرادة المجتمع الدولي في صون السلم والعدالة، وإعادة الاعتبار للشرعية الدولية كمرجعية وحيدة لحل النزاعات.
د. عبدالرحيم جاموس. الرياض/ الأربعاء. 19/8/2025 م