نبض الحياة.. الإصلاح الوطني المطلوب.. عمر حلمي الغول

ملف الإصلاح من الملفات الهامة والضرورية لأي شعب ودولة ومؤسسة وحزب وائتلاف وطني او قومي او دولي، كونه حاجة ماسة في تحديث منظومة العمل، ولاستنهاض وتحديث البرامج وآليات العمل، وإزالة الشوائب ومخلفات الماضي، وعلى أرضية مراجعة علمية لتجربة هذا المكون أو ذاك، وما حملته المواقف والسلوكيات من دروس وعّبر في المحطات السابقة، وتجديد الذات على مختلف المستويات بهدف تمكينها من مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية برؤى وأدوات أكثر قدرة وعطاءً، وبما يمكنها من الموائمة مع الظواهر والمعادلات الناشئة في الشروط الجديدة، وبالتالي الإصلاح ليس مسألة رغبوية ارادوية فقط، بل هو غاية موضوعية أيضا تفرضها الحقائق والمعطيات الماثلة في الواقع المعطي.
وإذا توقفنا أمام الإصلاح في النطاق الفلسطيني، أعتقد أن الشعب والقيادة والمؤسسات الوطنية وخاصة منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة والقوى الحزبية والفصائلية تحتاج في كل محطة تاريخية الى مراجعة التجربة الخاصة بها، وهنا لا يجوز انتظار القوى الخارجية العربية والدولية التدخل في الشئون الداخلية وفرض الاملاءات باسم الإصلاح على الذات الوطنية، أو على هذه المؤسسة أو تلك، أو على المنظمة أو الحكومة. لأن ذلك يرتد سلبا على الذات الفلسطينية، وبالتالي الإصلاح يفترض ان ينبع من المسئولية الذاتية، لتبقى الأدوات الوطنية دائما واقفة على أقدامها في مواجهة التحديات. لا سيما وأننا نواجه عدوا متغطرسا ونازيا وإبادويا متغولا على الهوية والشخصية والكيانية الفلسطينية، ويعمل بخطى حثيثة وبرامج ومشاريع استعمارية معدة سلفا لسحق المشروع الوطني الفلسطيني وبلوغ هدف التطهير العرقي الاوسع والاكبر في تاريخ الشعب الفلسطيني.
ولعل ما يجري في الوطن الفلسطيني عموما وقطاع غزة خصوصا من إبادة جماعية يستدعي تجديد وتفعيل الأدوات الوطنية واليات عملها لترتقي لمستوى التحدي والمواجهة وفق رؤية برنامجية مؤهلة لكسر حدة الهجوم الصهيو أميركي وحماية الذات الوطنية من الانكسار، وتعزيز صمود وتجذر الشعب في التربة الفلسطينية، وبناء جسور عميقة وواسعة مع قطاعات الشعب المختلفة، بهدف رص الصفوف، وتصليب عود الوحدة الوطنية الشاملة بعيدا عن التفرد أو الاستقواء في لحظة بعينها بأدوات وقوى غير ذات صلة بالهم الوطني الجمعي، او تقديم التنازلات دون تدقيق في تداعياتها وانعكاساتها السلبية، لاعتبارات ذاتوية ضيقة، ودون ربط العوامل الذاتية بالعوامل الموضوعية، او تغليب دور الشرط الموضوعي على الذاتي الوطني، خاصة وإن مطلق إصلاح يجب وبالضرورة ان ينطلق من الركائز الوطنية، وحماية الرواية الفلسطينية من التآكل نتاج الاستخفاف بشروط القوى الخارجية لحسابات خاصة.
ولا أضيف جديدا، عندما أؤكد انا وغيري من دعاة الإصلاح الهادف والايجابي، الذي يخدم القضية والشعب والكيانية الفلسطينية والمشروع الوطني، بعيدا عن المشاريع المشبوهة المطروحة باسم “الإصلاح” التي تطرحها قوى داخلية، أو خارجية في استهداف واضح للهوية والرواية الفلسطينية، وأود هنا التركيز على المنهاج الوطني الذي تملي الضرورة عدم التفريط بأي من ثابت من ثوابت الرواية الوطنية وخاصة في مادة التاريخ والتربية والثقافة الوطنية. وفي هذا المقام لا يجوز القبول بمبدأ الكيل الغربي بمكيالين الذ يطالب تلك القوى تغيير المنهاج الوطني، بذريعة “التحريض” و”تعميم الكراهية” وفي ذات الوقت يغض النظر عن العدو الإسرائيلي الذي ينضح منهاجه التربوي والديني والثقافي والسياسي والقانوني بالعنصرية والكراهية والغطرسة والإبادة، والقائم على نفي حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره على ارض وطنه الأم فلسطين، والرفض السياسي والتربوي الاستعماري لمنح الشعب الفلسطيني حقوقه السياسية والقانونية، وحقه في الحرية والاستقلال والكرامة الوطنية والإنسانية وفق قرارات الشرعية الدولية.
نعم في محطات التاريخ المعقدة وانوائها الخطرة تتطلب الضرورة الانحناء حتى تمر العاصفة الهوجاء، ولكن لا يجوز بحال من الأحوال الانكفاء والتخلي او التنازل عن الرواية الوطنية، وليس مقبولا ولا مسموحا الزحف على البطون لاستجداء القوى العالمية المهيمنة بدعم وجودنا المشروط بالتفريط بالرواية الفلسطينية، والانخراط في دوامة السياسات الذرائعية الهشة والفاشلة، بل تتطلب المسؤولية الوطنية مطالبة أي من القوى التي تنادي بالإصلاح الفلسطيني، ان تتفضل وتطلب من دولة إسرائيل اللقيطة ان تلغي منهاجها الاستعماري الاستقوائي على الشعب الفلسطيني، وتعيد النظر جذريا بكل مكونات منهاجها من الالف الى الياء، وأن تعترف بالحقوق السياسية والقانونية الفلسطينية، وان تتخلى عن سياسة اغتصاب التراث والفلكلور والموروث الحضاري الفلسطيني، والتوقف عن تدمير الأثار التاريخية الفلسطينية والعربية والإسلامية والمسيحية التي شكلت هوية الشعب العربي الفلسطيني
الشعب الفلسطيني اسوة بكل شعوب الأرض المتجذرة في اوطانها، مطالب بحماية روايته وتاريخه وهويته وتراثه الوطني دون منازع من أي قوة، حيث يكمن الإصلاح في تطوير منهاجه في العلوم المختلفة لمواكبة روح العصر، ومنافسة الشعوب الأخرى في حقول الفضاء والذكاء الاصطناعي وغيرها من العلوم الحديثة كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وثورة المواصلات والاتصالات، وعلى إسرائيل الخارجة على القانون والقائمة بالاستعمار على فلسطين أن تتوقف عن اغتصاب التراث الفلسطيني، لتصنع لها تاريخا مزيفا وباطلا، فالدول الطارئة واللقيطة لا يمكنها مهما حاولت بناء ثقافة وطنية، لأنه لا هوية وطنية لها، لعدم وجود تاريخ لها في الوطن الفلسطيني، لا سيما وانه ليس لها علاقة بالديانة اليهودية، وكونها مغتصبة لها، ولا تعدو أكثر من قاعدة استعمارية لخدمة مشروع الغرب الرأسمالي في الوطن العربي وإقليم الشرق الاوسط.
oalghoul@gmail.com