وما القادم يا غزة؟.. بقلم / ايمان داود

غزة… تلك البقعة الصغيرة التي تحولت منذ بداية الحرب إلى مرآة كبرى تعكس للعالم كله معنى الصمود والألم في آن واحد. منذ اللحظة الأولى، تغيّرت ملامح الحياة هنا؛ البيوت التي كانت تضجّ بالضحكات تحولت إلى ركام، والشوارع التي كانت تضيق بخطوات الأطفال صارت ممتدةً في صمتها الموحش، تحرسها رائحة البارود وغبار الدمار.

ومع مرور الأشهر، لم تتوقف غزة عن مفاجأة العالم، فهي مدينة لا تموت بسهولة. صحيح أنّ الحرب غيّرت كل شيء: المدرسة صارت ملجأ، والحديقة تحولت إلى خيمة، والبحر إلى شاهد على كل دمعة، لكن الغزيين لم يسمحوا أن يُطفأ في قلوبهم ضوء الأمل.

وفي الآونة الأخيرة، بدأت المساعدات تتسلل إلى القطاع، وكأنها نسمات خجولة تحاول أن تمسح على جبين غزة المثقل. مشاهد الشاحنات وهي تعبر المعابر، وصور الأطفال الذين يتلقفون كيس طحين أو زجاجة ماء، بدت وكأنها لحظات حياة تُستعاد من بين أنياب الموت. لكنها في الوقت ذاته طرحت سؤالاً أكبر: هل تكفي هذه المساعدات لإحياء شعب أنهكته الحرب؟ أم أنها مجرد مُسكّن قصير لعذابات طويلة؟

اليوم، يدور حديث جديد بين الناس: هل يشهد القطاع نزوحاً آخر؟ هل سيضطر أهل غزة إلى ترك ما تبقى من بيوتهم شمالاً واللجوء مجدداً إلى الوسطى؟ فكرة النزوح لم تعد مجرد خبر عابر، بل هاجس يطوف في المجالس والبيوت، يحمله الكبار بقلق، ويستشعره الأطفال في عيون أمهاتهم. وكأن غزة، التي تعبت من الدوران في دوامة الألم، تستعد لجولة جديدة في رحلة النزوح.

لكن غزة – كما يعرفها كل من عاش فيها أو تابع أخبارها – ليست مجرد جغرافيا محاصرة، بل روح لا تُكسر بسهولة. وهنا، يقف القارئ، صغيراً كان أم كبيراً، أمام سؤال يعلو فوق الركام والدخان:

وما القادم يا غزة؟

هل هو فجر جديد يحمل ملامح حياة مختلفة، أم فصل آخر من رحلة النزوح والوجع؟

الإجابة ما زالت معلقة في السماء، حيث تطير حمائم الأمل رغم كل شيء، وكأنها تُصرّ أن تقول: “ما زال في غزة قلب نابض بالحياة… ينتظر القادم.”

غزة ليست مجرد خبر في نشرة، ولا مجرد خيمة على أطراف النزوح. غزة مدرسة تُعلِّم العالم أن الإنسان يمكن أن يُهزم في جسده، لكنه لا يُهزم في روحه. فما القادم يا غزة؟ القادم هو أنتِ كما عهدناكِ: تنهضين من الرماد كطائر الفينيق، تكتبين فصلاً جديداً من الحكاية، وتُثبتين للعالم أن بين البحر والبارود هناك شعب لا يعرف الاستسلام.

القادم يا غزة… هو حياة، مهما طال الليل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com