نبض الحياة.. أن يأتي الاعتراف متأخرا خيرً من ان لا يأتِ.. عمر حلمي الغول

أخيراً ولأول مرة تعترف الأمم المتحدة بالمجاعة في محافظة غزة، الذي أقره التصنيف الدولي لانعدام الأمن الغذائي، أمس الجمعة 22 آب/ أغسطس 2025 وتوقع انتشارها في محافظتي دير البلح وخانيونس بنهاية أيلول / سبتمبر القادم. وذكر أن أكثر من نصف مليون شخص في قطاع غزة يواجهون ظروف كارثية أي بلوغ المجاعة المرحلة الخامسة من التصنيف، ومن خصائصها الجوع الشديد والموت والعوز والمستويات الحرجة للغاية من سوء التغذية الحاد. وأشار الى ان مليون و70 ألف شخص آخر (54% من السكان) يواجهون المرحلة الرابعة، وهي مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد “الطارئ”. ويواجه 396 الفا (20% من السكان) المرحلة الثالثة، وهي مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد “الأزمة”. وخلال هذه الفترة يتوقع أن يواجه نحو ثلث السكان (641 ألف شخص) ظروف كارثية، وهي المرحلة الخامسة للتصنيف، كما يتوقع أن يستمر تفاقم سوء التغذية الحاد بشكل سريع.
وتعقيبا على ما ورد قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش: أن حدوث المجاعة في غزة ليس لغزا، إنها كارثة من صنع البشر، وقتل للبشرية، وأضاف في بيان صحفي، أن المجاعة لا تتعلق فقط بالغذاء، لكنها انهيار متعمد للأنظمة الضرورية للبقاء على قيد الحياة. وأضاف “الناس يموتون جوعا، الأطفال يموتون ومن يتحملون (المسؤولية عن المجاعة) واجب العمل (لوقف المجاعة)، لأنهم يفشلون (في تحقيق مآربهم)، وهو يقصد دولة الإبادة الإسرائيلية باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال (والابادة والتطهير العرقي لأبناء الشعب الفلسطيني.) وعلى إسرائيل التزامات لا لبس فيها بموجب القانون الدولي بما في ذلك واجب ضمان وصول الامدادات الغذائية والطبية للسكان، لا يمكن أن نسمح باستمرار هذا الوضع بإفلات من العقاب.” وخلص الى القول “عدم السماح بمزيد من الاعذار، وأن الوقت للعمل هو الآن وليس الغد. وتابع “نحتاج الى الوقف الفوري لإطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن والوصول الإنساني الكامل دون عوائق” للمساعدات الإنسانية للمجوعين الذين يموتون أمام أنظار العالم أجمع.
كما ان المفوض السامي لحقوق الانسان بالأمم المتحدة، فولكر تورك، علق أمس الجمعة بالقول على التقرير، ان المجاعة التي أعلن عنها (أمس) في محافظة غزة وفقا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، هي النتيجة المباشرة لإجراءات اتخذتها الحكومة الإسرائيلية، فقد قيدت بشكل غير قانوني دخول وتوزيع المساعدات الإنسانية، وغيرها من السلع الضرورية لبقاء السكان المدنيين في قطاع غزة. لقد شاهدنا وفيات ناجمة عن الجوع وسوء التغذية في جميع انحاء القطاع، حيث دمر الجيش الإسرائيلي البنية التحتية المدنية الحيوية، ودمر جميع الأراضي الزراعية تقريبا، وحظر الصيد، وهجّر السكان قسراً، وكلها عوامل مسببة لهذه المجاعة. ان استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب يعد جريمة حرب، وقد ترقى الوفيات الناتجة عنها الى جريمة حرب تتمثل في القتل العمد، وطالب الحكومة الإسرائيلية بوقف جرائمها وحروبها المتوازية.
وردا على التصنيف الاممي الأول بشأن الإقرار بالمجاعة القاتلة، علقت وزارة الخارجية الإسرائيلية أمس الجمعة، أن التقرير الأممي مصمم ليتماشى مع حملة حماس الزائفة. وأضاف بيانها، إن مؤسسة IPC غيرت معاييرها إصدار اتهامات باطلة ضد إسرائيل، وأن التقرير يعتمد على أكاذيب حماس، وتنفي الخارجية الإسرائيلية وجود مجاعة في غزة.
وأمر طبيعي ان لا تعترف دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية بجرائم حربها، وان تلجأ الى الذرائع الواهية لمواصلة الكارثة الأخطر في تاريخ الشعب العربي الفلسطيني، وتنكر ومن خلفها الإدارة الأميركية ابادة الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل عموما في قطاع غزة، بسبب صمت العالم، أو التعاطي مع مشاهد الإبادة وكأنها مسلسل أو فيلم رعب وثم تلوذ بالصمت، أو تصدر بيانات شجب وإدانة، والاكتفاء بالمطالبة بوقف الحرب دون اتخاذ إجراءات رادعة ضد إسرائيل النازية، وحتى الإقرار بالمجاعة الذي جاء متأخرا 20 شهرا، على أهميته وضرورته، أيضا جاء ضعيفا، ولم يشمل أبناء الشعب الذين يزيد عددهم على 2 مليوني أنسان، لأنهم جميعا يعاني من حرب المجاعة السامة والقاتلة، فضلا عن استشهاد حوالي 100 الف انسان فلسطيني، وما يزيد على 180 الفا من الجرحى والمفقودين. مع ذلك أن يأت الاعتراف بالمجاعة أخيراً، خيرُ من أن لا يأتِ.
أضف ان استخدام إسرائيل اللقيطة والمارقة لذرائع “حماس” و”معاداة السامية” البضاعة الفاسدة، التي لم تعد تنطلي على أحد من الرأي العام العالمي، ولا على قادة الأنظمة السياسية الذين يعرفون خلفياتها تاريخيا، لم يعد لها رصيد، وباتت مكشوفة، وفاقدة لأي صدى، ولا يمكن لهذه الدولة الطارئة الاعتراف بالإبادة، رغم ان قادتها منذ اليوم الأول للحرب أعلنوا جهارا نهارا، ومازالوا حتى الان يعلنون عن مواصلة الإبادة وحرب التجويع والتطهير العرقي والتهجير القسري، وتصفية خيار استقلال دولة فلسطين المحتلة، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى، وبالتالي فإن تصريحاتهم وممارساتهم وانتهاكاتهم وابادتهم الجماعية التي تبثها وسائل الاعلام مباشرة من ارض القطاع والضفة تؤكد ذلك دون أي براهين جديدة، أو وثائق وشهود عيان للإبادة الوحشية التي تتنافى مع ابسط معايير حقوق الانسان والقانون الدولي.
في ضوء ذلك، على العالم ان يخرج عن صمته، ويرتقي لفرض العقوبات على إسرائيل والإدارة الأميركية عموما ورئيسها خصوصا، الذي يلهث خلف جائزة نوبل، في الوقت الذي يدعم فيها الإبادة، ويشارك مباشرة فيها، ويرفض اتخاذ الإجراءات الضرورية لوقفها، وهو القادر على ذلك، والدفع بخيار استقلال دولة فلسطين المحتلة على حدود الرابع من جزيران / يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وان يكف عن اساطيره وخزعبلاته اللاهوتية التي اكل وشرب عليها الدهر. وحتى يحصل على نوبل، عليه ان يوقف الإبادة الجماعية الان وليس غد فقط وفورا على أبناء الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا، كما ذكر غوتيرش، لأن الوقت كالسيف إن لم تقطعه، فسيقطعك ويقطع حكومة حليفة النازي بنيامين نتنياهو.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com