نتنياهو و”إسرائيل الكبرى”: من خطاب النبوءة إلى مشروع التوسع… واستحقاقات الرد العربي.. المحامي علي أبو حبلة

لم تكن تصريحات بنيامين نتنياهو الأخيرة حول تمسكه برؤية “إسرائيل الكبرى”، التي تضم كامل الأراضي الفلسطينية و”ربما أجزاء من الأردن ومصر”، مجرد موقف عابر في حوار تلفزيوني. بل جاءت بمثابة إعلان أيديولوجي – سياسي يعيد إحياء المشروع التوسعي الصهيوني الذي لم يُغلق ملفه منذ حرب يونيو/حزيران 1967، ويمثل تحدياً مباشراً للأمن القومي العربي وللنظام الدولي القائم على القانون.
أولاً: البعد الأيديولوجي – من الوعد التوراتي إلى الاستراتيجية السياسية
عندما يقول نتنياهو إنه في “مهمة تاريخية وروحية” و”مهمة أجيال”، فإنه يستحضر بوضوح الخطاب التوراتي الذي يوظفه التيار الديني القومي في إسرائيل لتبرير السيطرة على الأرض. هذا الخطاب يضفي على الاحتلال والتوسع طابع “القدر المحتوم”، ويحوّل الصراع من نزاع سياسي قابل للتفاوض إلى صراع وجودي مقدّس.
رؤية “إسرائيل الكبرى” في هذه العقيدة تتجاوز حدود 1948 و1967، لتشمل:
فلسطين التاريخية كاملةً.
الضفة الشرقية لنهر الأردن.
أجزاء من سيناء وجنوب لبنان وربما هضبة حوران السورية.
بهذا، تصبح التسوية السياسية على أساس “حل الدولتين” أو “الأرض مقابل السلام” مجرد وهم، لأن المشروع القائم يهدف إلى إعادة ترسيم جغرافيا المنطقة وفق قراءة أيديولوجية صهيونية متطرفة.
ثانياً: السياق السياسي – من حرب غزة إلى اختبار الإرادات
إطلاق هذه التصريحات في ظل الحرب على غزة ليس صدفة، بل رسالة مزدوجة:
للداخل الإسرائيلي: تثبيت زعامته أمام قاعدته اليمينية المتطرفة عبر ربط المعركة الجارية بمشروع استراتيجي طويل الأمد.
للخارج العربي والدولي: اختبار ردود الفعل على خطاب الضم والتوسع العلني، خاصة في ظل انشغال بعض الدول العربية بملفات داخلية أو مسارات تطبيع منفردة.
كما أن الإشارة إلى الأردن ومصر تحمل بعداً خطيراً، إذ تتجاوز التهديد للفلسطينيين إلى تهديد مباشر لحدود دول عربية مستقلة ذات سيادة، ما يجعل هذه الرؤية تحدياً للأمن الإقليمي برمته.
ثالثاً: البعد القانوني – التوسع كجريمة دولية
مشروع “إسرائيل الكبرى” يتعارض بشكل صارخ مع:
قرار مجلس الأمن 242 (1967) الذي يطالب بالانسحاب من الأراضي المحتلة.
قرار مجلس الأمن 338 (1973) الذي يؤكد الالتزام بقرارات الشرعية الدولية.
الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (2024) الذي شدد على عدم شرعية الاحتلال ووجوب إنهائه.
اتفاقيات جنيف الرابعة (1949) التي تحظر ضم الأراضي بالقوة وتهجير سكانها.
وبالتالي، فإن تبني نتنياهو لهذا المشروع علناً يرقى إلى إعلان نية لارتكاب جريمة عدوان وجريمة ضم، وهي جرائم منصوص عليها في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
رابعاً: المطلوب عربياً – من رد الفعل إلى استراتيجية مواجهة
التعامل مع هذه التصريحات لا يمكن أن يقتصر على بيانات الشجب، بل يتطلب انتقالاً من الدبلوماسية الدفاعية إلى استراتيجية الردع الشاملة، وتشمل:
- التحرك القانوني الدولي
رفع دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة الاحتلال بتهم الضم والاستيطان كجرائم حرب.
استخدام آلية “الاتحاد من أجل السلم” في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرارات ملزمة أخلاقياً وقانونياً.
- إعادة بناء الموقف العربي الموحد
تحديث مبادرة السلام العربية لتشترط التطبيع بإنهاء الاحتلال وفق قرارات الشرعية الدولية.
تشكيل لجنة وزارية عربية دائمة لمتابعة الانتهاكات الإسرائيلية على المستوى الأممي.
- تعزيز الصمود الفلسطيني
توفير دعم مالي مباشر للسلطة الفلسطينية وقطاع غزة بلا وسطاء سياسيين أو شروط مانحة مجحفة.
دعم المقاومة الشعبية السلمية وحملات المقاطعة الدولية (BDS) باعتبارها أدوات ضغط مشروعة.
- المعركة الإعلامية والدبلوماسية
فضح المشروع التوسعي أمام الرأي العام العالمي بوصفه تهديداً للاستقرار الإقليمي والعالمي.
الاستعانة بالخرائط التاريخية والوثائق القانونية لإثبات الطابع الاستعماري لهذا المشروع.
خاتمة: بين الوضوح الاستراتيجي وحتمية المواجهة
ما قاله نتنياهو ليس زلة لسان، بل تعبير عن جوهر المشروع الصهيوني في مرحلته الحالية، حيث يسعى لفرض وقائع جغرافية وديموغرافية جديدة على حساب الفلسطينيين وجيرانهم العرب. الرهان على تغيّر هذا الخطاب أو تراجعه دون ضغط سياسي وقانوني وإستراتيجي حقيقي هو رهان خاسر.
لقد آن الأوان أن تنتقل العواصم العربية من منطق “إدارة الأزمة” إلى منطق “تغيير المعادلة”، عبر خطة متكاملة تحاصر المشروع التوسعي وتدافع عن ما تبقى من الأرض والسيادة والشرعية الدولية. فالصمت في مواجهة “إسرائيل الكبرى” هو تفويض غير معلن لتحويلها من حلم توراتي إلى واقع جغرافي مفروض بالقوة.