حتى تهجير اهل القطاع لن يحل أزمة إسرائيل الوجودية.. إبراهيم ابراش

بات الحديث عن المخطط الإسرائيلي لتهجير فلسطيني قطاع غزة قسراً أو طواعية مع تهديد بتهجير سكان الضفة وكأنه أمر نهائي وكأن نتنياهو حل محل رب العالمين إن قال للشيء كن فيكون. ومع إن تهجير الفلسطينيين هدف استراتيجي للحركة الصهيونية منذ تأسيسها حيث وجود ملايين الفلسطينيين في أرضهم يعيق قيام الدولة اليهودية وتأكد هذا الهدف مع حرب الابادة ومع تصريحات ترامب عن تهجير سكان غزة ولأن رؤساء دول ومنظمات دولية ومحللين سياسيين واستراتيجيين كلهم يتحدثون عن عزم إسرائيل تهجير سكان قطاع غزة وأنا كتبت عن الموضوع منذ بداية الحرب.
ولكن وبالرغم من إن وجود حوالي ٧ مليون على أرض فلسطين يشكل خطراً وجودياً على الكيان وبالرغم من الارادة الصهيونية والأمريكية الصادقة بتهجيرهم تبقى تساؤلات كثيرة وتحديات كبيرة ومعقدة حول تنفيذ هذا المخطط وما إن كان من الممكن عمليا وفي المدى المنظور تهجير كل سكان القطاع والضفة، وهل بتهجير سكان غزة مثلا سينهي الحرب والصراع وتقوم دولة إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات كما يريد اليمين الصهيوني؟
ودعونا نفكر بهدوء، بعيداً عن التهويل الإعلامي لنتنياهو واليمين اليهودي حول القدرات الخارقة لإسرائيل وأنها تستطيع فعل ما تريد، عن مدى عقلانية وواقعية تهجير أكثر من مليوني فلسطيني وقدرة إسرائيل وواشنطن على تنفيذه من جانب واحد.
نعم إسرائيل استطاعت تدمير غالبية قطاع غزة والقدرات العسكرية لحركة حماس وقتلت حوالي ربع مليون وتستطيع احتلال مدينة غزة وتفريغ كل منطقة شمال وادي غزة من السكان كما قالت ذلك بداية الحرب، وتستطيع تجميع غالبية السكان في مساحة لا تتعدى 25% من جنوب القطاع وتستطيع تجويع أهالي غزة وحدث ذلك بالفعل حتى أصبح كثير من سكان القطاع يتقبلون فكرة التهجير لأي مكان، ولكن المشكلة ليس هنا فقط بل ما بعدها.
فهل ستقبل أية دولة أو دول استقبال مئات الآلاف من الفلسطينيين على أراضيها وبالتالي تكون شريكة في حرب الإبادة والتطهير العرقي؟ وحتى في حالة تنفيذه مثلاً إلى سيناء فهل سينتهي الصراع مع الفلسطينيين بمجرد تهجير سكان غزة، وهم أينما حلوا سيبقون فلسطينيين وجزءاً من الشعب الفلسطيني؟ وماذا بالنسبة لحوالي 5 مليون صامدين في داخل الخط الأخضر والضفة والقدس؟
هنا علينا التذكير بأنه في حرب ٤٨ أو النكبة تم تهجير 75% من الفلسطينيين ومع ذلك انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة على يد فلسطينيي الشتات المهجرين، وحتى بعد أن احتلت الضفة والقدس والقطاع في حرب حزيران 67 استمر الصراع واستمرت إسرائيل تعاني من أزمتها الوجودية، وحتى مع كل قدراتها العسكرية وتوقيعها اتفاقات سلام مع دول عربية ومع كل عربدتها في فلسطين وخارجها وشنها عدة حروب على غزة وخارجها وأخرها الحرب الحالية، فإن أزمتها تزداد تفاقماً مع انكشاف زيف روايتها وتعريتها أمام العالم كدولة عنصرية إجرامية خارجة على القانون الدولي ومحاصرة بكراهية غالبية شعوب العالم ، أيضا تزايد الاعتراف الدولي بحق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة على أرضه أو على جزء منها.
Ibrahemibrach1@gmail.com