الخطر لا يتهدد غزة وفلسطين فقط، بل الامة العربية كلها.. بقلم/ إبراهيم عبدالله صرصور

تتعالى الأصوات التي تدعم الإبادة التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة، كما تمتلئ أستوديوهات التلفزة الإسرائيلية بالكثير من “الثرثرة” حول خطط إسرائيل “المحتملة” لتدمير مدينة غزة وطرد سكانها المليون تقريبا الى منطقة “مواصي” رفح على شاطئ البحر والتي يقطنها نحو مليون ونصف مليون فلسطيني هُجِّروا من شمال ووسط وجنوب قطاع غزة! لا يمكنني تصديق كلمة واحدة مما يدور، فكل هذه “الثرثرة” اضعها في إطار “التضليل الاستراتيجي“……

الهجوم على مدينة غزة بدأ بالفعل!… إنهم الآن يُدمّرون مدينة غزة حيًا تلو الآخر…. انهم قريبون من البلدة القديمة، أو ما تبقى منها. قصف وقتل المدنيين والصحفيين وعمال الدفاع المدني في مستشفى ناصر، حيث قصفت إسرائيل المستشفى وانتظرت لـ 15 دقيقة حتى يتجمع أكبر عدد من المدنيين وقصفتهم مرة أخرى على الهواء مباشرة، اصدق شاهد على ان الحرب لم تتوقف حتى تبدأ من جديد! لقد قتلت إسرائيل صحفيين وعمال صحة ومدنيين عزل مع سبق الإصرار والترصد كما تفعل من نحو سنتين. في ذات الوقت لا تزال حكومات الغرب والعرب مترددة في اتخاذ الإجراءات العقابية ضد  حكومة إسرائيل.

وكلاء حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير وجيشها يزعمون ان كل ما سجري حتى الان ليس اكثر من “تهديد” هدفه الضغط على حماس للقبول بالتوقيع على “صك الاستسلام” كما يطلب نتنياهو… لكن ما يحدث الآن فعلا هو ذروة حرب الإبادة ضد 2.3 مليون فلسطين اعزل في قطاع غزة، والتي هدفها المعلن التهجير القصري وليس الطوعي للشعب الفلسطيني من قطاع غزة كله، خدمة لمشروع الضم الصهيوني!

ملأت الطائرات الحربية والمسيرة الإسرائيلية سماء مدنية غزة…. احتشدت المدرعات والوية الجند والقناصة حول احياء المدينة من كل جانب… البوارج الحربية الإسرائيلية اخذت مواقعها القتالية قبالة المدينة ايضا… تغلغلت الروبوتات الى ازقة واحياء مدينة غزة تنفيذا لعمليات تفجير وتمهيدا لدخول الجيش…. رائحة الموت تملأ الفضاء، والرعب يملأ قلوب الأطفال والنساء والشيوخ الذي ينتظرون الموت في كل لحظة ليلحقوا بأكثر من سبعين الف شهيد واكثر من 160 الف جريح

سيقولون لك ان الجيش “يُشجّع!” الناس على الخروج “حفاظا على سلامتهم وحرصا على حياتهم!” كيف؟ فقط بأوراق ملونة تُسقط من السماء وقصف لا هوادة فيه برا وبحرا وجوا. أما غياب الغذاء والدواء والماء والوقود… اما المجاعة التي وصلت حالتها القصوى حسب تقارير الأمم المتحدة، اما التهجير وقصف خيام النازحين وقتلهم الجماعي بالصواريخ والقذائف وبكل أنواع الأسلحة الذي يُسقط يوميا ما متوسطه 80 – 100 شهيد، فحدث ولا حرج.

لم يعد “عيبا” ان يتحدث القيادي الإسرائيلي عن ضرورة إبادة غزة، عن انه لا احد بريء في قطاع غزة، عن انه يجب قتل الأطفال قبل الكبار لانهم سيكونون يوما أعداء لإسرائيل…. تسوية قضاع غزة بالأرض أصبح على كل لسان تقريبا…… يُقنع بعض الناس “الانسانيين!” في إسرائيل أنفسهم بضرورة “فصل” مقاتلي حماس عن السكان المدنيين، وبالتالي يجب عمل “انتقاء/سلكتسيا”….. يكتب أحدهم أيضًا، إنه لمصلحة أهل غزة (في الواقع عمل إنساني لكنهم لا يفهمونه)…. الأحياء والمدن التي دُمّرت بالكامل تروي قصة مختلفة. إنها قصة إبادة ودمار وخراب………… ماذا لو ان زعيما عربيا، او شيخا مسلما، صرح بشيء قريب مما صرح به هؤلاء حول إبادة اليهود والقضاء على إسرائيل ومسحها من الخريطة وتحويلها الى كومة من الركام؟! ماذا كان سيكون موقف العالم……..!

جيش الاحتلال الإسرائيلي في الواقع يقول ما قالته الجيوش الاستعمارية سابقًا: لقد وعدوا ب– “فصل” المقاتلين عن السكان المدنيين. ما فعلوه في الواقع كان إبادة….. بين عامي ١٩٥٧ و١٩٦٠، هجّر الجيش الفرنسي مئات الآلاف من الجزائريين وسجنهم في معسكرات تُسمى “إعادة التجميع الريفية”. كما زعم أنه كان يحاول فصل مقاتلي جبهة التحرير الوطني عن السكان المدنيين. وتشير تقديرات متوسطة إلى مقتل نصف مليون شخص وإلحاق أضرار لا يمكن إصلاحها بالبلاد بأكملها. بين عامي ١٨٩٥ و١٨٩٨، هجّر الجيش الإسباني أيضًا مئات الآلاف من الكوبيين وسجنهم في “مناطق تركيز” لمحاربة المتمردين (الوحشيين!) ضد الإمبراطورية الإسبانية. قُتل ما لا يقل عن ١٠٪ من إجمالي الكوبيين.

الحروب الاستعمارية هي دائمًا حروب ضد مجتمع أصلاني بأكمله، ضد المنازل والذكريات، ضد الناس والمؤسسات. لكن ما تفعله إسرائيل في غزة أسوأ من ذلك بكثير. إنها حرب إبادة بقيادة دعاة التهجير والاستيطان، رجال الصهيونية الوحشية، دعاة الاستعمار الاستيطاني المتسارع، حاخامات مسيانية تقطر الدماء من افواههم ومن بين اسنانهم…. حاخامات يركبون الجرافات ويتفاخرون بكم الدماء التي سفكوا والبيوت التي دمروا والالاف الذي هجروا!. إنها حرب إبادة ضد شعب بأكمله.

بحر الدماء وتلال الاشلاء وجبال الركام، وحشرجات الاطفال وارواحهم تنسل من أجسادهم نفسا بعد نفس، لم تخرج الامة بَعْدُ عن دائرة الاستنكار والشجب والتنديد، ومطالبة “المجتمع الدولي!” للتدخل لوقف حرب الإبادة وكسر الحصار وإغاثة ملايين الفلسطينيين من موت محقق!… ما الذي ينقص امة المليارين وال – 57 دولة (من المحيط الى المحيط) من عمل اللازم دون الحاجة لمجتمع غربي حكوماته في اغلبها الساحق جزء من الجريمة؟ ما الذي ينقص أمة ال – 400 مليون (من المحيط الى الخليج) وال- 22 دولة من تنفيذ قراراتها في كسر الحصار فورا واغاثة شعبنا الذبيح وإيقاف الحرب رغما عن انف نتنياهو ومن يشد على يديه؟!!!………..

ما الذي يمنع 57 زعيم عربي ومسلم من الاحتشاد عند معبر رفح وقيادة اسطول من 10 الاف شاحنة تنتظر الدخول منذ شهور والدخول بها معبر رفح؟ ماذا عسى إسرائيل ان تفعل امام هذا المشهد؟ ماذا عسى العالم ان يفعل حيال هذا هذا الحشد العربي والإسلامي الرسمي و “السلمي”؟!. انا واثق من ان عملا جبارا وجريئا من هذا النوع سيدفع الشعوب الى حمل زعمائها على الاكتاف………….

لم تنشأ حماس بسبب “عقلية” عربية، كما لم تنشأ جرائم إسرائيل من “عقلية” يهودية. بل نشأت من جرائم إسرائيل السابقة، من جرائم التهجير والاحتلال من النكبة الفلسطينية التي ارتكبتها إسرائيل وعصاباتها بوحشية قل نظيرها… الجرائم الحالية التي ترتكبها إسرائيل في غزة ستُولّد كراهية قاتلة لا تُميز. هل سيتمكن من أحرق مدنا وقرى ومخيمات، واباد الانسان والحجر والشجر، أيمكنه من العيش بأمان في نفسه وبين أولاده واسرته؟!!!!!!!!…………….  

ما يحدث في قطاع غزة منذ سنتين تقريبا هو تنفيذ حرفي لما قاله الوزير الفاشي بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الحالي، ورئيس الوزراء الفعلي للحكومة، من على منصة الكنسيت يوما: “علينا ان نكمل ما جاء ناقصا في عمل بن غوريون!”… يعني، استكمال فصول النكبة والتخلص من الشعب الفلسطيني بشكل كامل حتى تخلص لهم “إسرائيل” من البحر الى النهر!

لكن المفارقة ان نتنياهو صرح أخيرا بانه يحمل مسؤولية “تاريخية وروحية” حيال “ارض إسرائيل الكبرى”! يعني، ان الأردن لم يعد وطنا بديلا للشعب الفلسطيني، فالأردن حسب نتنياهو هو جزء من “ارض إسرائيل الكبرى”…. لم تعد سيناء وطنا محتملا لأهل غزة بعد “طردهم” من وطنهم، لان سيناء حسب نتنياهو هي جزء من “ارض إسرائيل الكبرى”! لم يعد لبنان ولا سوريا ولا السعودية ولا العراق، وطنا محتملا للشعب الفلسطيني بعد تهجيره نهائيا من “إسرائيل الصغرى” من البحر الى النهر، لأنها كلها أصبحت حسب نتنياهو جزءا من “ارض إسرائيل الكبرى“!

الى اين يمكن ان يُلقى بسبعة ملايين فلسطيني يعيشون على ارض وطنهم “فلسطين التاريخية” من البحر الى النهر، ومثلهم في الأرض التي سيضمها نتنياهو الى “ارض إسرائيل الكبرى”؟

الحقيقة، ان الطريق امام الشعب الفلسطيني في وطنه وخارجه أصبح ممهدا للعودة الى ارض الوطن كاملا غير منقوص، والذي لا وطن له سواه- اذا ما أصرت إسرائيل على عنادها واجرامها – ورفضت كل الحلول المطروحة لوضع حد للصراع المستمر منذ نحو 100 عام، وتنفيذ القرارات الدولية كلها ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية!……….

– الرئيس السابق للحركة الإسلامية  فلسطين48

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com