قد يكون نتنياهو وضع قضية الاسري الإسرائيليين على الهامش…!.. د. هاني العقاد

لم تكن المرة الاولي التي يستخدم فيها نتنياهو أسلوب الخداع والتضليل التكتيكي في المفاوضات ويفشلها ويدعي بان حماس هي التي افشلت هذه المفاوضات فهذه استراتيجيته المعهودة وحماس كانت تقع دائما في شرك تفاوضي فقد كانت تعتقد ان نتنياهو يسعي بكل جدية للتفاوض والتوصل لاتفاق صفقة يستعيد فيها أسرى إسرائيل من القطاع دون مزيد من المخاطرة بهم وبجيشه ودون مزيد من الضغط من أهالي الاسري الإسرائيليين وهذا يظهر عدم فهم بين الطرفين حماس تتصور ان امر الاسري الإسرائيليين على راس أولويات نتنياهو، ونتنياهو لا يضع هذه القضية الا على الهامش. جولة المفاوضات الأخيرة التي جاءت نتيجة رغبة أمريكية عبر عنها ترمب اثناء زيارة نتنياهو للبيت الأبيض في السابع من يوليو 2025 والتي حاولت إدارة ترمب استغلالها للدفع بالمفاوضات قدما حتي ان ترمب كان قد تسرع واعلن انه بعد أسبوع على الأكثر سيتم اعلان وقف اطلاق النار في غزة ووقف الحرب واطلاق سراح الرهائن ولا نعرف على ماذا كان يبني هذا التصريح الغريب لكن سرعان ما انقضي التاريخ الذي حدده ترمب ولم يحدث أي اختراق في المفاوضات ومن ثم عاد ترمب بالتغريد بان المفاوضات تحتاج الي بعض الوقت وهكذا انقضت ثلاثة أسابيع قبل ان تنهار المفاوضات تماما وهي في مرحلتها النهائية بادعاء ان تعديلات حماس على مقترحات ويتكوف الاخيرة لم تكن الا لان حماس لا تريد التوصل الي صفقة ,حينها فجر تصريح مهم للسيد (ستيفن ويتكوف) يوم 24 يوليو المفاوضات عندما قال “أنّ واشنطن قررت سحب مفاوضيها من محادثات الدوحة حول وقف إطلاق النار في قطاع غزة، متّهما حركة حماس بعدم التصرف “بحسن نية”، وذلك بعدما أعلنت إسرائيل استدعاء مفاوضيها لتل ابيب للتشاور بعد تلقي الدولة العبرية ردّ حركة حماس على اقتراح الهدنة في قطاع والذي يشمل بعض التعديلات لتشمل ضمانات لوقف إطلاق نار دائم مع إسرائيل ,اعتبرت كل من أمريكا وإسرائيل في البداية ان بعض التعديلات مقبولة نوعا ما الا ان ويتكوف اعتبر ذلك بمثابة عدم رغبة من قبل حماس في التوصل الى اتفاق واوعز بسحب الفريق الأمريكي من الدوحة.
استغل نتنياهو المأزق الذي وصلت اليه المفاوضات وكانه كان ينتظر فشل هذه الجولة من المفاوضات بفارغ الصبر وبدأ باعتماد وإقرار خطة لاحتلال القطاع زاعما ان ذلك من شانه ان يجبر حماس على التخلي عن الاسري وتسليمهم ووضع خمس شروط تحققها حماس لتقبل اسرائيل بوقف اطلاق النار وهي شروط تعجيزية من وجهة نظري ونظر الكثيرين وهنا بدا نتنياهو تسويق خطة احتلال القطاع والعمل في المناطق التي ادعي ان الجيش لم يعمل فيها بعد مدينة غزة والمعسكرات الوسطي وبدأ يحشد للخطة بين أعضاء ائتلافه وبين قادة الجيش ,الا ان هذه الخطة رفضها الجيش وحذر من انها لن تحقق الأهداف المطلوب وبالتالي قدم خطة بديلة تقضي باحتلال مدينة غزة وتهجير ما يقارب المليون شخص كانوا قد عادوا اليها بموجب اتفاق يناير 2025 . في الأول من اغسطس2025 صادق الكابينت الإسرائيلي أي مجلس الحرب على خطة احتلال مدينة غزة وقال ان هذه الخطة سوف يتم البدء فيها نهاية الشهر الذي تم التصويت عليها ومضي نتنياهو والجيش في الاستعداد لاحتلال غزة بالرغم من معارضة الجيش معتبرا ذلك قد يتسبب في خسائر كبيرة على المستوي البشري والمعدات في ذات الوقت قد تشكل هذه العملية خطراً على الاسري الإسرائيليين الاحياء المتبقين في غزة هذا بخلاف ان هذه العملية العسكرية قد تثير غضب الراي العام العالمي على إسرائيل بسبب إصرارها على مواصلة الحرب واستمرار مسلسل التجويع في القطاع.
قبل يومين التقي نتنياهو قادة الحرب في مقر قيادة المنطقة الجنوبية للمصادقة على خطة العمليات العسكرية في مدينة غزة بالرغم من حدوث تقدم تفاوضي قبلت فيه حركة حماس مقترح ويتكوف الأول ببعض التعديلات التي لم تغير من فحواه شي وحدث ذلك بعد اكثر من عشرة أيام من المفاوضات في القاهرة بوساطة المخابرات المصرية وجميع الفصائل الفلسطينية العاملة في القطاع وعند رد حماس إيجابيا على القاهرة سلمت القاهرة ردها للأمريكان لتسليمة لإسرائيل وكان ذلك قد سبب حرج لنتنياهو الذي لم يعطي ردا واضحا حتي الان على المقترح المعدل مصريا والذي وافقت عليه حماس وكل الفصائل الفلسطينية اليوم وكانت قد وافقت عليه إسرائيل قبل ثلاثة شهور , الا ان إسرائيل لم ترد بنعم او لا ,لكن كانت هناك تسريبات من مكتب نتنياهو بان الأخير اعطي الأوامر بالبدء فورا بالمفاوضات لأطلاق سراح الاسري الإسرائيليين على أساس الشروط الخمسة ,وهو بذلك ينسف كل الجهد المصري الذي بذل على مدار اكثر من عشرة أيام حتي توصلت مصر وقطر بحضور رئيس الوزراء القطري (محمد بن عبد الرحمن)و وزير الخارجية المصري (بدر عبد العاطي ) المفاوضات في مدينة العلمين بالقاهرة. ولعل مصر كانت تدرك خطورة ما تسعي اليه اسرائيل من وراء احتلال غزة وهي تدرك ان هذه الخطة هي بمثابة خطة كارثية للفلسطينيين وقد تكون جزء من خطة أكبر تنتهي بالتهجير. لم يكترث نتنياهو بما حققته مصر وادار ظهره تماما للتقدم الذي حدث ولمحاولة مصر على وقف الكارثة التي قد تحل بالمنطقة على إثر قيام اسرائيل باحتلال مدينة غزة وقد حذرت مصر على لسان أكثر من مسؤول وبأكثر من رسالة بانها لن تسمح بالمطلق لإسرائيل بمواصلة الحرب واحتلال القطاع وتنفيذ سيناريو التهجير. كان هناك بعض التحركات القطرية الإسرائيلية لبدء المفاوضات من جديد على أساس المقترح المصري والذي اعتبرته اسرائيل انه يتوافق بنسبة اكثر من 98 % مع مقترح ويتكوف الأول لكن عاد نتنياهو واشترط اطلاق حماس لكافة الاسري الاحياء والأموات الخمسين في القطاع وتسليم سلاحها وسلاح كامل الفصائل في القطاع ,واشترطت ان لا يكون لحماس او السلطة الفلسطينية أي مشاركة في إدارة القطاع في اليوم التالي للحرب وكانه لا يريد لهذا القطاع ان يتعافى من الحرب الوحشية . المهم هنا انه كان هناك لقاء بين وفقد الوساطة القطري والسيد (رون ديرمر) وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي في باريس لتجاوز الازمة واطلاق المفاوضات من جديد وبالرغم من اعلان القناة 12 العبرية ان المحادثات بشان الصفقة مستمرة مع الوسطاء والولايات المتحدة وقد يخرج وفد تفاوض إسرائيلي خلال أيام الا ان إسرائيل تحاول تغيير مكان المفاوضات بزعم القناة ان المفاوضات تجري الان لتحديد مكان التفاوض وكان إسرائيل تريد تغير الدوحة كمكان تستمر فيه المفاوضات وتريد التخلي عن الوساطة القطرية والمصرية كتكتيك خادع لتحصل على الوقت الذي تستطع فيه تدمير مدينة غزة .
بالرغم من هذا كلة الا ان إسرائيل تواصل استعداداتها لعلمية عسكرية كبيرة في مدينة غزة وقد دفعت بفرقتين عسكريتين للعمل على مشارف غزة بالشجاعية والزيتون والصبرة الشيخ رضوان وارسلت استدعاء لما يقارب 60 الف جندي احتياط على ان تبدا العملية خلال الأسبوعين الاولي من شهر سبتمبر وبالتالي فان إسرائيل تريد ان تعمل على مسارين مسار المفاوضات ومسار الحرب أي ان عملية التفاوض في حال وصل وفد اسرائيلي يجب ان تكون تحت النار لكن التقديرات العملياتية تقول انه من الصعب على إسرائيل ان تبدا بعملية احتلال غزة و تتوقف قبل ان تكمل المهمة وخاصة ان نتنياهو يدعي ان مدينة غزة هي عاصمة حماس أيضا كما ادعي ان هناك لوائيين لحماس في رفح يجب الاجهاز عليهم في عملية عسكرية بدأت في الأول من مايو 2024 ولم تنتهي بعد…! . الحقيقة ان نتنياهو وضع قضية استعادة الاسري الإسرائيليين على الهامش ولم تعد من أولوياته بل هو الان يهرول نحو تدمير غزة ويسيل لعابة على سيناريو التهجير وبذلك يعتبر ان الاسري الاحياء والأموات الإسرائيليين في غزة ضحايا حرب وهذا ما بات واضحا للجميع والا لكان قد غير في مخططاته واستعاد اسراه وانهي الحرب التي لا نتائج لها سوي سحق كامل البنية المدنية في مدينة غزة والمنطقة الوسطي ,وبالتالي الوصول لسيناريو التهجير مستغلا بذلك الضوء الأخضر الذي حصل عليه من ترمب شخصاً عندما قال قبل يومين “انه متأكد من ان الاسري الإسرائيليين في غزة سيكونون بأمان اذا ما اجتاح الجيش المدينة” وكانه يقول ان ادارته قد أعطت كل الاضواء الخضراء لنتنياهو وارسلت اليه الالاف الاطنان من القنابل والصواريخ المدمرة ليواصل الحرب بلا نهاية دون الاكتراث باي تقدم مصري في ملفات التوصل لصفقة تعيد الاسري الإسرائيليين وتوقف الحرب على غزة لتنتهي وبالتالي يتم اعادة اعمار القطاع وتدخل المساعدات للسكان المدنيين وتتولي هيئات الأمم المتحدة مهمة توزيعها والاشراف على خطة التعافي المبكر التي ستنفذ بالشراكة مع بعض الدول العربية والأوروبية لسكان القضاع الذين خسروا كل شيء في هذه الحرب .