نبض الحياة.. ضرورة تأمين شبكة الأمان المالي.. عمر حلمي الغول

المواقف السياسية العربية والإسلامية المعلنة على مدار أيام وشهور وسنوات الإبادة الجماعية متقدمة، وتعكس روح المسؤولية تجاه ما يجري من وحشية إسرائيلية أميركية، وثمنتها القيادة السياسية الفلسطينية، ووجهت الشكر تلو الشكر للأشقاء جميعا، ولكل دولة على انفراد، وتعاطت بروح المسؤولية العالية مع الجهود والمبادرات العربية عموما وخاصة جهود كل من مصر والأردن في رفض التهجير القسري للسكان الفلسطينيين، وللعربية السعودية على مبادرتها مع فرنسا بعقد مؤتمر دعم خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، التي أحدثت حراكا سياسيا دوليا هاما لجهة الاستعداد من بعض الدول الأوروبية والغربية عموما للاعتراف بدولة فلسطين على هامش الدورة ال 80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر القادم.
لكن على أهمية وضرورة البعد السياسي في المواقف العربية والإسلامية في دعم القضية والاهداف الوطنية، والدعوة المستمرة للوقف الفوري والدائم للإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا، ورفضها للتهجير القسري من وطنهم الام، ورفض حرب التجويع والامراض وانتشار الأوبئة، وإدخال المساعدات الإنسانية بكثافة للمواطنين في القطاع، وتبادل الرهائن الإسرائيليين مع العدد المناسب من اسرى الحرية الفلسطينيين، واستعدادهم للمساهمة في إعادة الاعمار بعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل، ودعم التوجه الإيجابي في تولي منظمة التحرير والدولة الفلسطينية وحكومتها لولايتها السياسية والقانونية على قطاع غزة، واصرارها على تخلي حركة حماس عن ادارتها للقطاع، وإيجاد حل لتجميد او تسليم أسلحتها الباقية للأجهزة الأمنية الفلسطينية او لجمهورية مصر العربية وصولا للحل السياسي لتجسيد استقلال الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967.
كل ذلك محل تقدير من قبل القيادة الفلسطينية، ولكن هذا لا يكفي، ولا يفي باستحقاقات اللحظة السياسية الكارثية، ويتطلب من الاشقاء العرب عموما لإقران القول بالفعل، والارتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية والقومية والإنسانية لوقف الحرب الوحشية من خلال استخدام أوراق القوة العربية المتوفرة بأيديهم، وحتى لا يفهمني البعض بشكل خاطئ، لا ادعو لشن حرب على إسرائيل، ولكن ادعو الى استخدام الأسلحة الناعمة السياسية والديبلوماسية والمالية والاقتصادية والتجارية والموانئ البحرية والجوية والبرية لعزل إسرائيل ومن يقف خلفها، وسحب السفراء، وإلغاء الاتفاقات المبرمة معها، واعتقاد بعض الدول أن قطع العلاقات الديبلوماسية سيؤثر على وساطتهم يحتاج الى التدقيق. لأن الولايات المتحدة الأميركية ومعها إسرائيل بحاجة ماسة للدور العربي لتضليل الرأي العام داخل بلدانهم والرأي العام العالمي، ليس هذا فحسب، بل ان الأعداء يتكئون في تبرير ابادتهم، ورفض الاعتراف بالإبادة الجماعية على استمرار علاقات الدول العربية معها، لا بل تطالب مع الإدارات الأميركية المتعاقبة بتوسيع اتفاقات “ابراهام” لتشمل الدول العربية كافة بهدف طمس القضية والمصالح الفلسطينية العليا، ورفض مجرد وجود واستقلال الدولة الفلسطينية، والأخطر من ذلك، باتت حكومة بنيامين نتنياهو تنادي بتوسيع حدود دولتها اللقيطة من النيل الى الفرات، وليس على فلسطين التاريخية فقط، وبالتالي الخطر الداهم لم يعد محصورا في الإبادة الجماعية على الشعب والدولة والاهداف الوطنية، وانما على العرب جميعا.
ومن الملفات الهامة والمطلوب معالجتها بمسؤولية عربية عالية، هي تأمين شبكة أمان مالية للقيادة والحكومة والشعب الفلسطيني. لا سيما وان دولة الإبادة الإسرائيلية ومن خلفها الإدارة الأميركية عملت وتعمل على مواصلة القرصنة على أموال المقاصة الفلسطينية، التي تدفع عليها ضريبة لدولة الاستعمار النازية الإسرائيلية، وتجفيف مواردها وامكاناتها المالية، وزيادة وتعمق الاستيطان الاستعماري في الضفة الفلسطينية، وتعمل بخطى حثيثة على خنقها وتحويلها هيكل عظمي بلا مضمون، فضلا عن ازدياد الحاجة الى المال ليس لسد النقص في تأمين رواتب موظفي الوظيفة العمومية، انما لتأمين المساعدات الطارئة والعاجلة لأبناء الشعب الذين يقتلون ويجرحون وتدمر بيوتهم وممتلكاتهم وتحرق او تقطع اشجارهم وسياراتهم ومعابدهم الإسلامية والمسيحية في عموم محافظات الوطن على مرأى ومسمع العالم كله بما في ذلك الدول الشقيقة.
المطلوب من الدول الشقيقة كافة تجاوز الفيتو الأميركي الإسرائيلي وتقديم الدعم المالي للحكومة الفلسطينية فورا وبشكل مناسب، على الاقل مئة مليون دولار أميركي إن لم يكن أكثر شهريا. وليعتبر بعض الاشقاء هذه الأموال بمثابة قروض ميسرة على الحكومة الفلسطينية الى ان تتمكن بجهودها وجهود دول العالم إلزام إسرائيل المارقة والخارجة على القانون من إعادة الأموال المحتجزة في وزارة المالية الإسرائيلية، ولا يجوز الاستمرار بإغماض العين عن الواقع الكارثي على الصعد المختلفة، وفي ذات الوقت، الكف عن اجترار ما تردده واشنطن وعواصم الغرب عن “الإصلاح” الذي يستهدف الرواية والتاريخ الوطني، وليس الإصلاح العلمي والإداري المطلوب، الذي هو حاجة ماسة للشعب الفلسطيني، والصمت المريب عن المناهج الإسرائيلية المعلنة على الملأ والطافحة بالعنصرية والكراهية وتزوير التاريخ والحقائق والابادة والاستيطان الاستعماري. فهل أنتم فاعلون؟
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com